في مثل هذا اليوم قبل 30 عاماً: وفاة باسل يفجع حافظ الأسد والسوريون يتداولون قصص إجرامه!
كتب محمد منصور:
يصادف اليوم الحادي والعشرين من كانون الثاني/ يناير، ذكرى مرور (30) عاما على وفاة باسل الأسد، الابن الأكبر للديكتاتور حافظ الأسد، والذي كان يعده والده لتوريثه حكم سورية بالحديد والنار من بعده.
ففي صبيحة يوم الجمعة، الموافق للحادي والعشرين من كانون الثاني/ يناير عام 1994 قطع التلفزيون السوري بثه ليقدم بشكل مفاجئ تلاوات من القرآن الكريم على القناة الأولى، وموسيقا كلاسيكية على القناة الثانية، قبل أن يعلن مدير القناة الأولى عادل اليازجي بصوت بكائي مذعور وفاة الرائد الركن المظلي الفارس الذهبي المهندس باسل حافظ الأسد، إثر حاث أليم على طريق مطار دمشق الدولي، وهو الخبر الذي تصدر الصحف السورية والعربية صبيحة اليوم التالي.
ما إن أعلن الخبر حتى سارع السوريون المحكمون بسلطة 16 فرع مخابرات تحصي عليهم أنفاسهم، إلى التنافس على إعلان مظاهر الحداد، وعدا عن إعلان الحداد الرسمي لمدة ثلاثة أيام وتنكيس الأعلام على المباني الحكومية، أجبر عناصر المخابرات تجار الأسواق في دمشق وباقي المدن السورية على إغلاق محالهم التجارية وتوقف البيع والشراء لمدة ثلاثة أيام بالإكراه، ومنع تقديم المشروبات الكحولية في الفنادق والبارات، وأوقف تصوير المسلسلات التلفزيونية، ومن بينها المسلسل الكوميدي (عيلة خمس نجوم) الذي كان يصور في استوديو بمدينة معرض دمشق الدولي، بعد أن هرعت الممثلات إلى غسل المكياج من على وجوههن وارتدين السواد!
ولد باسل الأسد وهو الابن الأكبر لحافظ الأسد في الثالث والعشرين من آذار/ مارس 1962 وهي الفترة التي كان حافظ الأسد مبعدا عن الجيش قبل أن يعيده ابن طائفته صلاح جديد بعد انقلاب الثامن من آذار عام 1963، درس باسل في الابتدائية في مدرسة اللاييك بدمشق، وانتسب إلى حزب البعث وهو في الثالثة عشرة من العمر، قبل أن ينتسب إلى جامعة دمشق ويحصل على البكالوريوس في الهندسة المدنية عام 1984
انتسب إلى القوات المسلحة متطوعاً في أيلول/ سبتمبر عام 1984، وتخرّج في كلية المدرعات مهندساً قيادياً برتبة ملازم أول. وفي عام 1987، رُفِّع إلى رتبة نقيب، والتحق بدورة كلية القيادة العليا في القوات المسلحة السورية، وتخرج فيها «ضابط ركن مدرعات» عام 1988، وقبل ذلك كان قد عين عام 1986 مسؤولا عن أمن القصر الرئاسي، في خطوة أولى نحو إعداده لوراثة الحكم.
بعد الاستفتاء الرئاسي 1991 الذي كان يحصل فيه حافظ الأسد على نسب لا تقل عن 99% دون أي منافس آخر، بدأ يطرح اسم باسل الأسد وترفع صوره باعتباره الوريث، حيث أعطاه والده صلاحيات واسعة للتدخل في الشؤون الداخلية والعسكرية بما في ذلك اختيار وزراء وتوبيخ رؤساء حكومات، لكن موته المفاجئ شكل أكبر صدمة هزت الأسد، وأذاقته لوعة فقد الأبناء، التي سبق لمئات الآلاف من السوريين أن تجرعوها بعد قتل أبنائهم في سجونه ومعتقلاته أو في مجازره الوحشية الكبرى.
شكلت وفاة باسل وهو في الثانية والثلاثين من العمر صدمة للعلويين، الذين نقلت وكالات الأنباء صورهم عويلهم وتفجعهم الحقيقي في جنازته التي حضرها الرئيس المصري حسني مبارك والرئيس اللبناني الياس الهراوي ورئيس الوزراء رفيق الحريري، وكان جثمان باسل قد نقل بالطائرة من مطار دمشق إلى مطار حميميم في اللاذقية برفقة والديه وشقيقه بشار الذي استدعي من لندن ليكون وريث الوريث.
بعد أربعين يوما من وفاته أقيم حفل تأبين لباسل الأسد في القرداحة تحدث فيه الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي قائلا:
“إن شابنا الذي توفاه الله عز وجل، اتخذ الله سبحانه وتعالى وعاء لجملة من القيم والأخلاق والمبادئ، أجمعت الأمة على ذلك… فلقد كان تواقا إلى لإصلاح والصلاح بمقدار ما كان محاربا للفساد والإفساد… ولقد كان تواقا إلى وضع موازين العدل بمقدار ما كان ساهرا على درء الظلم ورفع الظلامة عن الضعفاء، فلما توفاه الله سبحانه وتعالى تناثرت هذه الأخلاق، وتناثرت هذه القيم، وتبددت بوفاة من جعله الله وعاءً له”
لكن باسل الأسد الذي وصفه الشيخ البوطي بأنه اتخذه الله سبحان وتعالى كوعاء لجملة من القيم، وبأنه كان ساهرا على درء الظلم والظلامة، كان خير تعبير عن قيمه قصته مع مؤسس نادي الفروسية الفارس الدمشقي عدنان قصار، الذي شارك إلى جانب باسل في الدورة العربية عام 1992 وتفوق عليه، فأمر باسل باعتقاله، وأودع السجن لمدة خمس وعشرين عاما قبل أن يفرج عنه في حزيران/ يونيو عام 2017 بعفو رئاسي من بشار الأسد، وقد روى الشاعر السوري فرج بيرقدار شهادته عنه قائلا:
“في عام 1994 حين مات باسل الأسد، كنت في سجن صيدنايا، وشهدت تعذيب الفارس الذهبي الحقيقي (عدنان قصّار) لثلاث مرات يومياً وعلى ثلاثة أيام كنوع من الانتقام على ما لم تفعله يداه، ثم انقطعت أخباره عنا، وقيل إنهم رحّلوه إلى سجن تدمر.. كان الرجل في منتهى اليأس والحزن، إذ كان يعرف أن الوحيد الذي يستطيع الإفراج عنه هو باسل الأسد الذي أمر باعتقاله، وباسل قد مات. لم أكن أتوقع أنه سيخرج حياً.. ولحسن الحظ أنه خرج من السجن أول أمس حيا”
الفارس عدنان قصار كابتن منتخب سوريا للفروسية سابقاً بعد 22 سنة سجن لمجرد أنه تفوق على باسل الأسد في سباق الخيل
أطلق اسم باسل الأسد على مطار حميميم في اللاذقية ومدرسة اللاييك الشهيرة بدمشق، التي غنت أم كلثوم على مسرحها في الخمسينيات، والمدينة الجامعية وساحة المرجة التاريخية بدمشق، ومشفى أمراض القلب في ضاحية دمر، والعديد من الساحات العامة في المدن السورية قبل أن يحطم أهل دير الزور تمثاله المنصوب في مدينتهم في نيسان/ إبريل من عام 2011 ويعود اسم حميميم الأصلي إلى المطار الذي غدا منذ عام 2015 قاعدة روسية.
كان باسل الأسد كسائر أفراد عائلة حافظ الأسد، عنوانا من عناوين الاستبداد والفساد، وسرقة مقدرات البلاد… وبعد وفاته تم اكتشاف 13 مليار دولار أودعها في بنوك النمسا، وقد أرسل النظام حينها رئيس الوزراء محمود الزعبي للمطالبة باستردادها… وحسب الصحفي بسام جعارة، أن سبب قتل الزعبي “الذي انتحر بثلاث رصاصات” هي وشاية أمنية وصلت لحافظ الأسد، وتقول أن هو من سرب قصة رصيد باسل الأسد في بنوك النمسا إلى بعض وسائل الإعلام العربية آنذاك!