ورقة التوت الذهبية: المسرحية الكوميدية للقادة العرب
رأي: نوار الماغوط
انتهت أعمال قمة القادة العرب يوم أمس، ولكن لم تنته معها مشاهد الكوميديا الساخرة التي تابعناها، كان أبرزها دور الكمبارس غير الناطق لبشار الأسد وعدم السماح لها بإلقاء كلمة، ووقوفه بجانب الأمير القطري تميم بن حمد في الصورة التذكارية.
منذ إعلان حضور الأسد، للقمة العربية الثالثة والثلاثين في العاصمة البحرينية المنامة، اشتعلت وسائل الإعلام بالتكهنات والسخرية. ماذا سيقول الأسد… أية أمثلة ساذجة سيضرب… وأي بديهيات سيشرح… وأي مصطلحات سيعرّف؟
كيف سيواجه من قطعوا علاقاتهم معه؟
ما هو موقفه بعد أن أعلن مجلس الشيوخ الاميركي عدم تمرير قانون مناهضة التطبيع كمكافأه له لموقفه الصامت وعدم السماح لاستخدام أراضيه في الحرب على غزه ومع ذلك، جاء الموقف مفاجئًا حين لم يُسمح له بإلقاء كلمة
هل كان المنظمون يخشون أن يسخر الأسد من الحضور بفجاجة كالعادة في كل خطاباته السابقة والمنتناقضة؟
أم كانوا يخافون من إعادة فتح ملفات قديمة ؟
لكن الأكيد أن الصمت في هذه الحالة كان أكثر سخرية من أي خطاب.. ربما أرادوا أن يتجنبوا أي توترأو استفزاز قد ينتج عن حديثه المغرق في الأستذة، أو ربما كان هدفهم تهميشه بطريقة مهينه.
بغض النظر عن السبب، كان مشهدا تمثيليا ساخرا ، حيث يجلس الأسد في المقاعد كطالب مستمع مشاغب في مدرسة يُمنع من المشاركة في الحصة الدراسية.
لكن الصمت هنا ربما كان يحمل وجها اخر . فبينما بدا وكأنه تهميش، ربما أعطى الأسد فرصة للظهور بمظهر الضحية بينهم
ثم جاءت اللحظة الأكثر كوميدية عندما وقف الأسد بجانب الأمير القطري الشيخ تميم بن حمد في الصورة التذكارية. كأن القدر قرر أن يسخر منهما، ويجمع بين خصمين في مشهد مكتوب مسبقا . فكيف يمكن لشخصين على طرفي نقيض أن يقفا بجانب بعضهما في صورة تذكارية؟ هل هي مؤشرمبكر لتصالح حقيقي قادم أم مجرد فصل آخر من مسرحية القمم العربية التي لا تنتهي حلقاتها؟
وسط المسرحية و اثناء اداء الرؤساء لكلماتهم ،غفا الرئيس الفلسطيني على الخشبة،، هل كانت هذه رسالة للعالم بأن القادة مجرد أحلام لشعوبهم في واقع يحكمه نظام مرسوم سلفا لا يمكن الحياد عنه أم كانت نتيجة طبيعية لرجل مسن للهروب من كلمات تشعره بالنعاس و الملل ؟
وفيما كان الرئيس الفلسطيني ينام على الخشبة، طلب الملك الأردني بوقف عمليات تهريب المخدرات من الجانب السوري،. فهل يمكن تحقيق هذا الطلب في عالم الواقع؟ أم أنه مجرد كلام سياسي نحو مزيد من الدعم لبلاده سياسيا و عسكريا و أمنيا ؟
في النهاية، يمكن القول إن هذه القمة كانت تجمعًا لكل المتناقضات، حيث جلس الأعداء السابقون جنبًا إلى جنب في مشهد سيريالي. الجميع غادر القمة وهم يعلمون أن لا شيء فعليًا تغير، وأن الجلسات والنقاشات كانت مجرد فصول من مسرحية طويلة.يجري كتابتها في غرف البيت الابيض بمعالجة درامية في الغرف السوداء السرية،
ورقة التوت الذهبية
وعند الوصول إلى البيان الختامي، كانت المفارقات الساخرة في أوجها. البيان الذي تحدث عن “الوحدة العربية” و”التضامن”، كان يُقرأ على مسامع الجماهير الذين يعيشون في دول تتناحر سياسياً واقتصادياً فيما بينها… أما عن جدية القادة العرب في تطبيق القرار الأممي 2254 الخاص بسوريا، فالشكوك كبيرة. القرار يدعو إلى مرحلة انتقالية، لكن على أرض الواقع، تبدو العقبات لا حصر لها.أهمها النظام السوري غير مستعد لتقديم التنازلات أوتقبل ممارسة الضغوط من المجتمين لتحقيق تقدم فعلي.
كمن يريد ان يثبت للعالم صدق مقولة محمد الماغوط : “لا شيء يتفقون عليه العرب مثل ألا يتفقوا”
التصريحات الداعمة للقرار قد تكون مجرد جزء من الممارسات الدبلوماسية الروتينية التي لا تنعكس على أرض الواقع.
العديد من القادة العرب لديهم أولويات أخرى تجعل التزامهم بالقرار الأممي أمرًا مشكوكًا فيه. بالتالي، تظل المسألة السورية رهينة التوازنات الدولية والإقليمية المعقدة، مع بقاء القرار 2254 على الرفوف ينتظر التطبيق الفعلي.
في النهاية، القمة العربية أظهرت أن التحديات الكبرى تظل بدون حلول حقيقية، وأن الأزمات المزمنة ما زالت تنتظر تلك اللحظة الفارقة التي ربما لن تأتي أبدًا في ظل الوضع الحالي.
و ربما كانت هذه المطالبات التي صدرت عن القمة إشارة إلى ضعف القرارات الفعلية التي تخرج من قممنا العربية، حيث يبدو أن الوقوف مع قضايا الشعوب ومناصرتها يشبه أكثر القفلة الدرامية في العرض المسرحي، يلهب مشاعر المتفرجين دون أي تأثيرحقيقي في الواقع.
إن ورقة التوت الذهبية التي يتمسك بها القادة العرب أمام شعوبهم، هي مثل الزوج الذي يضرب زوجته ليل نهار وفي كل وقت ويمنعها من الخروج. مطلوب منها تحضير الطعام وتربية الأولاد وتنظيف المنزل وتلميع زجاج الشبابيك، وعند المساء مطلوب منها إخفاء اللكمات وآثار الضرب على وجهها بالمساحيق وتوزيع الابتسامات على ضيوفه، ومجاملتهم في السهرة، وفي نهاية اليوم تقديم السمع والطاعة وتقديم الواجب عليها في الفراش!
وكأن الكاتب يريد أن يقول:
أيها الشعوب هؤلاء هم قادتكم…
ولو لم تكونوا عبيد في النهار..وشرا…ميط في الليل
ما قادكم هؤلاء