دلالات وقضايا | الحركة التَّخريبيَّة: أربع وخمسون سنة على انقلاب حافظ الأسد
يكتبها: مهنا بلال الرشيد
تكتمل يوم السَّبت القادم في 16 تشرين الثَّاني 2024 أربع وخمسون سنة من الشَّؤم، مرَّت على السُّوريِّين، ودمَّرت وطنهم، وقضت على مستقبل أبنائهم بسبب الانقلاب العسكريِّ الَّذي قام به حافظ الأسد مع مصطفى طلاس واسكندر سلامة ومجموعة أخرى من الضُّبَّاط وقادة البعثيِّين على نور الدِّين الأتاسي رئيس سوريا المنتخب قبلهم، وقد فخر الوريث المجرم بشَّار الأسد بأنَّ حزب البعث المجرم هو الَّذي ورَّثه السُّلطة من أبيه، بعدما انقلب الأب على حُكم نور الدِّين الأتاسيِّ، الَّذي دام أربع سنوت و256 يومًا، وإن مثَّل حكم عائلة الأسد (حافظ وابنه بشَّار) مرحلة الحكم الأكثر سوادًا وظلمًا وظلامًا ودمويَّة في تاريخ سوريا الحديث، فإنَّ هذه المرحلة المظلمة من تاريخ سوريا الحديث بدأت قبل ذلك بأعوام قليلة؛ أي منذ انقلاب حزب البعث ضدَّ رئيس سوريا المنتخب ناظم الأتاسيِّ في الثَّامن من آذار 1963، وبدأت جوقة المجرمين من ضبَّاط حزب البعث ومنتسبيه بالتَّخطيط للاستيلاء على سوريا وتحويلها إلى مزرعة خاصَّة لعائلة الأسد ومن لفَّ لفيفهم من مجرمي البعث ومنتفعيه من خلال القضاء على الحياة الدُّستوريَّة وملاحقة المعارضين الشُّرفاء وتدمير الأحزاب الأخرى واختراقها من خلال تفريخ أحزاب الجبهة الوطنيَّة في فقَّاسات حزب البعث العربيِّ الاشتراكيِّ.
حزب البعث تُرْبَة الجريمة المنظَّمة وحافظ الأسد بذرتها الأولى
حكم سوريا ثلاثة وثلاثون ملكًا ورئيسًا وحاكمًا مؤقَّتًا خلال اثنتين وخمسين سنة منذ ظهور خارطتها الأولى حتَّى انقلاب المجرم حافظ الأسد؛ أي منذ كشف سايكس وبيكو عن خريطتها الأولى في نهاية الحرب العالميَّة الأولى 1918 حتَّى انقلاب حافظ الأسد أو حركته التَّخريبيَّة في 16 تشرين الثَّاني 1970، وحكم المجرم حافظ الأسد مع ابنه الوريث المجرم بشَّار الأسد سوريا أربع وخمسين سنة أخرى، بدأت منذ انقلاب حافظ الأسد، واستمرَّت حتَّى يومنا هذا. وقد مارست فيها عصابة عائلة الأسد المجرمة ومن لفَّ لفيفهم من مرتزقة حزب البعث العربيِّ الاشتراكيِّ وعصاباته شتَّى أنواع الظُّلم ضدَّ الشَّعب السُّوريِّ، وبدأ الإجرام كلٌّ من حافظ وشقيقه رفعت الأسد في حماة وحلب وإدلب، وبجحَّة مواجهة الأخوان المسلمين قتلوا آلاف السُّوريِّين، وصفُّوا، وسجنوا معظم خصومهم السِّياسيِّين، وبدؤوا برفاق دربهم مثل صلاح جديد، وأصدقاء أبنائهم مثل الفارس عدنان قصَّار، الَّذي كان منافس باسل الأسد وصديقه في مجال الفروسيَّة.
كذلك ساعد مرتزقة البعث عائلة الأسد المجرمة في جريمتها المنظَّمة ضدَّ الشَّعب السُّوريِّ، فلم تمنح العمامة مفتي سوريا أحمد كفتارو ورعًا، ولم تحل لحية مفتي حافظ الأسد-بتعبير أدقّ-دون توقيعه مع مصطفى طلاس على مئات من أوامر الإعدام الأسبوعيَّة، الَّتي تصدرها محاكم التَّفتيش البعثيَّة ضدَّ المعارضين بدعوى انتمائمهم للأخوان المسلمين، حتَّى وإن كان المحكوم مسيحيًّا أو علمانيًّا أو شيوعيًّا. وقد أكملت طبقة شبِّيحة حزب البعث من الأساتذة الجامعيِّين ما أسَّسه لهم حافظ ورفعت وبشَّار الأسد، فغُزيت جامعة مثل جامعة حلب بهؤلاء الشَّبِّيحة القادمين من إدلب وحماة وحمص وغيرها، وصاروا قادة الصَّفِّ الأوَّل في مدينة حلب من خلال فرعي حزب البعث في جامعة حلب، وحلب المدينة، وما زال بعضهم يمارس تشبيحه البعثيَّ حتَّى يومنا هذا بوصفه ضابطًا استخباراتيًّا أو قائدًا لوجستيًّا بعثيًّا مقنَّعًا بلقب الأستاذ الجامعيِّ مرَّة، أو مقنَّعًا بلقب عضو القيادة المركزيَّة في اتِّحاد الكتَّاب العرب أو في حزب البعث مرَّة أخرى، ويتقنَّع آخرون بلقب الأستاذ الجامعيِّ المستقلِّ أو قريب المفتي أو شقيق الشَّيخ الحمويِّ ؛ ليوهم السُّذَّج بفكره المعارض، ويمارس دوره في الغزو الفكريِّ لمدينتي حلب وإدلب وتدميرهما بالفكر البعثيِّ (الانقلابيِّ الثَّوريِّ) القاتل، الَّذي يؤمن بالقتل والانقلاب الثَّوريِّ خير وسيلة للحفاظ على السُّلطة وإن كانت على شكل مقعد أستاذ جامعيٍّ في كلِّيَّة الآداب، وما نشاطات فروع حزب البعث وفروع اتِّحاد الكتَّاب العرب الرَّاهنة حول (الهويَّة السُّوريَّة والهويَّة البعثيَّة) في المدن السُّوريَّة المتعدِّدة إلَّا تكريس لفكر القادة اللُّوجستيِّين البعثيِّين الفاعلين في وقتنا الرَّاهن من أمثال فاروق اسليم ومحمَّد الحوراني وغيرهما ممَّن يعمل معهما مثل نذير جعفر وجمال الطَّرابلسيِّ على تفتيت المجتمع السُّوريِّ المعارض لسياسة حزب البعث وقادته من عائلة الأسد ومرتزقتهم المجرمين.
على مستوى عائلة الأسد المجرمة أكمل الأولاد والأحفاد من مجرمي هذه العائلة نهج الجريمة المنظَّمة الَّذي أسَّسه لهم حافظ ورفعت؛ ولم يكن لهم مأثرة يفخرون بها بين العوائل الوطنيَّة في السَّاحل وسهل الغاب من آل الهوَّاش وأتباع سليمان المرشد، ولا يعرفون مَحْمَدَة يتباهون بها إلَّا (وَحْشَنة) جدِّهم سليمان الوحش أو ضخامة جسده، إن صدقت طبعًا روايات باتريك سيل؛ كاتب سيرة حافظ الأسد، ومجمِّل صورته القبيحة. وبعد جرائم حافظ ورفعت ظهرت جرائم هارون الأسد، ونشط تاجر الحشيش والمخدِّرات وشريك نوح زعيتر وسيم بديع الأسد، الَّذي دعا السُّوريِّين إلى الصَّمت إزاء الأوضاع المعيشيَّة الصَّعبة، وجاهر لشبِّيحته، وأمر الضُّعفاء من أصحاب النُّفوس الرَّخيصة من أمثاله إلى السَّرقة جهرًا، وصرَّح لهم بتعفيش بيوت المدنيِّين لتأمين حاجات الشَّبِّيحة المعيشيَّة، وقال لهم: (أنا عم دبِّر حالي…دبروا حالكم متل ما أنا عم دبِّر حالي)؛ أي ارتكبوا الجريمة، واسرقوا بيوت المدنيِّين، وعفِّشوا منازل النَّازحين والمهاجرين. وما زالت هذه العائلة المجرمة تتدفَّأ على نار غيرها؛ أي ما زالوا يضعون مرتزقة البعث المنتفعين منهم في حلب وإدلب وحماة ودمشق وحوران واجهة شكليَّة لجرائمهم، ويحرفون كلِّ صوت يعارض جرائم هذه العائلة ومرتزقتها عن مقصده؛ فيصوِّرون كلَّ معارض على أنَّه سلفيٌّ أو وهَّابيٌّ أو مندسٌّ أو إرهابيٌّ أو معارضٌ خارجيٌّ كاره للطَّائفة العلويَّة الكريمة؛ ليتدفَّؤوا على نار الطَّائفة والطَّائفيَّة إذا عجز حزب البعث المجرم ومرتزقته وأكاديميُّوه وشيوخه ومثقَّفوه وضبَّاطه مع تنظيماته العسكريَّة والثَّقافيَّة واللُّوجستيَّة والاستخباراتيَّة عن تدفئتهم في ظلِّ برد هذا الشِّتاء القارس، الَّذي لا يداهم مخيَّمات السُّوريِّين في مناطق النُّزوح وحسب، وإنَّما راح يداهم بيوت السُّوريِّين في الدَّاخل أيضًا في ظلِّ عجز حكومات بشَّار الأسد قائد حزب البعث المجرم ومرتزقته عن فعل أيِّ شيء إلَّا التَّمادي في الجريمة المنظَّمة وإقامة أنشطة الأدلجة البعثيَّة في فروع منظَّمات البعث من طلائعه الصِّغار الَّذين تُنفخ في أذهانهم أفكار البعث الملوَّثة إلى اتِّحادي الشَّبيبة والطُّلَّاب الجامعيِّين، ثمَّ يُستكمل ضخُّ هذه السُّموم في فروع اتِّحاد الكتَّاب وفروع الجامعات وفروع حزب البعث ذاتها، وتبقى لوثة الدَّنس ذاتها، ويبقى القائمون عليها ذاتهم برغم اختلاف ألقابهم ومسمَّياتهم وعناوين أنشطتهم الخبيثة.
بعضٌ من منجزات حركة حافظ الأسد التَّخريبيَّة
نعم، لقد حكم سوريا الأولى خلال نصف قرن بعد ظهور خريطتها الحديثة الَّتي رسمها سايكس وبيكو سنة 1918 أكثر من ثلاثين ملكًا ورئيسًا وحاكمًا مؤقَّتًا، تنعَّم فيها السُّوريُّون بتداول السُّلطة، وثاروا ضدَّ حاكم، وانقلبوا ضدَّ آخر، وحزنوا لرحيل ثالث، وتمنُّوا أن يرجع للحكم آخر بعد أن ذاقوا مرارة حكم غيره، إلَّا أنَّهم حُرموا من نعمة تداول السُّلطة منذ وصول آل الأسد البعثيِّين الانقلابيِّين المجرمين؛ ولأنَّ بشَّار الأسد وشبِّيحته من عائلته ومن البعثيِّين المنظَّمين سرًّا أو علنًا تمادوا في جرائمهم ضدَّ السُّوريِّين باتوا يخشون من كلِّ دعوة إلى عودة السُّوريِّين إلى وطنهم أو كتابة دستور مدنيٍّ يضمن تداول السُّلطة أو تقاسمها على أقلِّ تقدير؛ لأنَّهم يعرفون أنَّ التَّقاسم سينتهي إلى غربلة المجرمين ومحاكمتهم؛ ولذلك ما زالوا يتمادون في جرائمهم بعد أكثر من نصف قرن من انطلاقتها الأولى على يد المجرم الأوَّل حافظ الأسد، ولم يقفوا عند هذا الحدِّ، بل لوَّثوا مع شبِّيحتهم في مفاصل الدَّولة كلِّها فكرَ السُّوريِّين وتفكيرهم، فعدُّوا في المناهج الدِّراسيَّة انقلاب حافظ الأسد أو حركته التَّخريبيَّة (حركة تصحيحيَّة)، وعدُّوا بناء المدارس والمساجد وغيرها منجزًا من منجزات انقلاب حافظ الأسد أو حركته التَّخريبيَّة، وليتهم-من باب المساواة -كتبون أنَّ قتلَ السُّوريِّين وسجنهم وتعذيبهم وتهجيرهم وتدمير بيوتهم من منجزات حركتهم أو حركة حافظ الأسد التَّخريبيَّة أيضًا!