التاريخ السوري

المملكة العربية السورية

هل تصلح الملكية الدستورية نظاماً لسوريا؟

د. عاصم عبد الرحمن * – العربي القديم

تُعتبر سوريا إحدى أكثر الدول العربية تعقيداً من حيث التجارب السياسية والدستورية في التاريخ الحديث، فقد شهدت خلال قرن من الزمن على تحولات جذرية في الحكم، من السلطنة العثمانية إلى الاستقلال مروراً بالإنقلابات العسكرية، الوحدة مع مصر ووصول حزب البعث إلى الحكم وإمساكه وحيداً بالسلطة حتى سقوطه تحت أقدام ثورة شعبية فريدة انتهت بوصول هيئة تحرير الشام إلى الحكم وتولي قائدها أحمد الشرع مرحلة إنتقالية وفق إعلان دستوري مؤقت.

مئة عام من المسارات السياسية والدستورية المختلفة تعكس تركيبة المجتمع السوري وتسلط الضوء على مدى إمكان أي نظام من تحقيق الإستمرارية الشعبية والاستقرار المؤسساتي طبقاً لشكل العلاقة بين السلطة والمجتمع وانعكاس الواقع السياسي على الدستور.

أما اليوم، وبعد وصول أحمد الشرع إلى سدة الحكم على متن شرعية ثورية وشعبية عارمة تُرجمت في أكثر من استحقاق نتيجة للإنجازات الوطنية المتسارعة تمحورت حول الحريات العامة وحقوق الإنسان واستعادة الهوية، وبعد تجربة وحشية منقطعة النظير في التاريخ لحكم الحزب الواحد في نظام ادعى الجمهورية التعددية، فأي نظام سياسي يلبي طموحات السوريين الديمقراطية ويبدد هواجس تكرار التجارب الديكتاتورية؟ 

سوريا والتجارب السياسية

تميزت المراحل السياسية والدستورية التي عرفتها سوريا منذ استقلالها عن فرنسا في العام 1946 بأشكال متعددة تفاوتت بين الحريات العامة والتعددية الحزبية والديمقراطية الشعبية في مقابل الحكم العسكري والحزب الواحد والقيود السياسية، يمكن إيجازها وفقاً للآتي:

أولاً: مرحلة ما بعد الاستقلال (1946 – 1949)

تميزت هذه المرحلة بنظام سياسي جمهوري برلماني، خصوصاً وأن سوريا كانت تحت حكم الإنتداب الفرنسي الذي حاول تعميم تجربة دستور الجمهورية الفرنسية الثالثة في سوريا ولبنان. فقد اعتُمد دستورٌ تضمن مبادئ الحريات العامة وحقوق الإنسان وفصل السلطات، عُرف لاحقاً بدستور العام 1950 بعد إدخال بعض التعديلات عليه. تميزت تلك الفترة بنشاط حزبي قوي، وبرزت أحزاب عدة منها: الكتلة الوطنية، الحزب الشيوعي وحزب الشعب، ما أدى إلى وجود برلمان منتخب من الشعب لعب دوراً تشريعياً حقيقياً.

ولكن بالنظر إلى حداثة التجربة السورية في السلطة والحكم بعد مرحلة طويلة من النضال العسكري في وجه الاحتلال الفرنسي، فقد سجل غياب واضح للاستقرار السياسي نتيجة لأسباب عدة كان أبرزها: صراعات بين النخب، تدخلات عسكرية، وتأثير بريطاني وفرنسي غير مباشر.

ثانياً: الانقلابات العسكرية وتدهور الحياة الدستورية (1949 – 1958)

تميزت هذه المرحلة بسقوط شبه مطلق للحياة السياسية والديمقراطية التي أعقبت الاستقلال، ففي خلال عام واحد أي 1949 عرفت سوريا ثلاثة انقلابات غيبت العمل الحزبي تدريجياً فأصبح الجيش هو اللاعب السياسي الأساس نتيجة لتعطيل الدستور وفرض قوانين الطوارئ.

1.انقلاب حسني الزعيم: أنهى الحياة الديمقراطية وركّز الحكم بيده.

2.انقلاب سامي الحناوي: أعاد الحياة البرلمانية جزئياً.

3. انقلاب أديب الشيشكلي: حكم بتسلط وألغى الأحزاب.

ثالثاً: الجمهورية العربية المتحدة (1958 – 1961)

في غمرة القومية العربية الثائرة وبدعوة من بعض السياسيين السوريين، قاد الرئيس المصري جمال عبد الناصر مشروع الوحدة مع سوريا تحت مسمى “الجمهورية العربية المتحدة”، وشكلت القاهرة عاصمة الحكم المركزية للدولة الوليدة، فحُلت الأحزاب السورية وصدر دستور مؤقت لدمج السلطات التنفيذية بين مصر وسوريا واستقال على الأثر الرئيس السوري أديب الشيشكلي.

وعلى أثر تركيز السلطات التنفيذية في القاهرة، وجد السوريون أنفسهم مهمشين سياسياً واقتصادياً وديمقراطياً، فعملوا على الانفصال عن مصر وهو ما تمَّ فعلياً في العام 1961.

رابعاً: ما بعد الانفصال (1961 – 1963)

بعد إلغاء الوحدة بين مصر وسوريا، شهدت البلاد اضطرابات سياسية عديدة، فعلى الرغم من إعادة العمل بدستور العام 1950 واستئناف العمل البرلماني لفترة قصيرة، إلا أن الأزمات السياسية تفاقمت ودخلت سوريا في أزمة حكم بسبب عدم التوافق بين القوى الوطنية.

وفي عهد الرئيس نور الدين الأتاسي وبدعم من جناح الجيش، قاد حزب البعث انقلاباً وصل على أثره إلى الحكم وذلك في العام 1963 لتدخل سوريا في عهد سياسي وعسكري جديد بقيادة صلاح جديد وحافظ الأسد.

خامساً: البعث وحكم الديكتاتور (1963 – 2000)

على أثر وصول حزب البعث إلى الحكم، فرضت حال الطوارئ في البلاد استمرت حتى العام 2011. ألغيت التعددية السياسية واقتصر الحكم على أركان البعث وقادته.

في العام 1973، أصدر دستور جديد جعلت المادة 8 منه حزب البعث قائداً للدولة والمجتمع على السواء، أما المادة 91 فقد منحت الرئيس سلطات مطلقة بتعيين الحكومة. في حين أن البرلمان أو مجلس الشعب بات دوره شكلياً.

في العام 1970 وعبر حركة سميت بالتصحيحية، تولى حافظ الأسد الحكم، فأسس نظاماً أمنياً بيروقراطياً، قام بدمج مؤسسات الدولة بالحزب ورسخ الحكم العائلي والوراثي. ضرب معارضيه بيد من حديد، وفي عهده تزايد عدد سجناء الرأي، سقطت الديمقراطية والعمل الحزبي. أقام العداء مع جيرانه وحكم لبنان بقوة النار وقام بتصفية خصومه في كل مكان حتى خارج حدود بلاده ووقع اتفاق ما عرف بفض الاشتباك مع إسرائيل في العام 1974.

سادساً: عهد بشار الأسد (2000 – 2024)

على الرغم من أن عهد بشار الأسد قام على ضربتين قاصمتين للنظام الجمهوري، الأولى تمثلت بتوريث نجل الرئيس الراحل حافظ الأسد للحكم والثانية تعديل المادة 83 من الدستور لتخفيض سن الترشح لرئاسة الجمهورية إفساحاً في المجال أمام مبايعة الأسد الابن، إلا أن رئيساً شاباً أعطى آمالاً بما سمي “ربيع دمشق”، فتحرك المعارضون لحكم البعث الأحادي في محاولة منهم لضخ الحياة في شرايين الديمقراطية واستعادة ما أتيح من حريات عامة وتعددية حزبية ومشاركة سياسية، لكن ثورة التغيير أخمدت في مهدها تحت وطأة الاتهامات بالعمالة والعمل على إسقاط النظام وتمكين المتربصين بسوريا.

في عهد بشار الأسد، رزحت سوريا تحت ركام ضغوطات سياسية واقتصادية كبيرة، بدءاً باتهامها باغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري وانسحاب الجيش السوري من لبنان، فازدادت عزلتها حتى العام 2009 حين قرر العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز إعادة دمشق إلى الحضن العربي من البوابة اللبنانية وإرساء معادلة الـ “س س” أي السعودية وسوريا. إلا أن بشار الأسد الخاضع للنفوذ الإيراني تحايل سياسياً على العرب معتقداً أن بإمكانه شراء الوقت وتحقيق مكاسب اقتصادية، لكن الرياح سارت عكس ما اشتهت سفنه حتى اندلاع ثورة الكرامة السورية في العام 2011 كآخر محطات الربيع العربي فكانت الثورة الأطول وتالياً الأعظم.

وتحت أقدام أحرار سوريا المطالبين بالحرية والكرامة، أصدر بشار الأسد دستوراً جديداً ألغى بموجبه المادة 8 لكنه ظل يحتفظ بصلاحيات مطلقة وفاز بانتخابات شكلية بولايتين رئاسيتين في عهد الثورة التي أظهرت تباعاً عمق الهشاشة التي يعانيها النظام والصراع على تقاسم النفوذ السياسي والاقتصادي داخل عائلة الأسد، ما أدى إلى تفتيت جذري في بنية الدولة لصالح سلطات أمر واقع توزعت بين فصائل متعددة للمعارضة، قوات كردية، قوى إسلامية، ميليشيات وأذرع إيرانية وقوات أجنبية متعددة.

وفي 8 كانون الأول 2024 سقط نظام بشار الأسد في عملية ردع العدوان التي شنتها هيئة تحرير الشام، أكبر فصيل معارض، بزعامة الرئيس الحالي أحمد الشرع الذي كان يعرف باسمه العسكري “أبو محمد الجولاني”، لتعود سوريا بذلك إلى حكم سياسي بخلفية إسلامية.

إن مسار الدولة السورية لم ينجح في بناء دولة قانون ومؤسسات رغم تعدد الدساتير التي عرفتها سوريا، فقد ظلّ الحكم الفعلي في يد الجيش أو الحزب أو العائلة، في حين بقيت النصوص الدستورية التي تنص على استقلال القضاء وتداول السلطة والفصل في ما بينها وحماية الحريات العامة، حبراً على ورق، ما جعل من سوريا دولة سلطوية بواجهة دستورية.

سوريا الثورة والتغيير الكبير

شهدت سوريا في العام 2011 واحدة من أبرز الثورات الشعبية في التاريخ الحديث، وعلى مدى 14 عاماً تمددت الثورة وتفاعلت على الصعد كافة لتتحول إلى نزاع معقد متعدد الأبعاد بين قوى داخلية وأخرى خارجية.إلا أنها أدت إلى تغييرات جذرية على الساحة السياسية، كان أبرزها وصول الزعيم السني أحمد الشرع إلى السلطة بعد تغييب الطائفة السنية التي تمثل حوالي 75% من الشعب السوري لأكثر من 50 عاماً عن سدة الرئاسة، وهو ما مثَّل تحولاً استراتيجياً في المشهد السياسي السوري طالت شظاياه دول الجوار.

أولاً: خلفيات الثورة

سياسياً: ارتفاع نسبة معتقلي الرأي، غياب تام لأي من أشكال الحريات العامة وحقوق الإنسان، تزايد حالات السجن والاعتقال بتهم باطلة بهدف الابتزاز المالي، نظام رئاسي سلطوي بقيادة حزب واحد يتزعمه رئيس الجمهورية.

اقتصادياً: تزايد معدلات البطالة، توسع هامش الفقر، تضخم وفشل سياسات الإصلاح الاقتصادي.

إقليمياً: تأثر السوريين بانتفاضات الربيع العربي التي انطلقت في تونس ومصر.

ففي 18 آذار 2011، انطلقت مظاهرات سلمية في مدينة درعا جنوبي سوريا احتجاجاً على اعتقال مجموعة من الأطفال وتعذيبهم حتى الموت كان أبرزهم الفتى حمزة الخطيب الذي أصبح لاحقاً أيقونة الثورة السورية.

ثانياً: مجريات الثورة

التوسع الجغرافي: انتشرت الاحتجاجات في معظم أنحاء سوريا وانتقلت إلى مدن عديدة مثل حمص، حماة، إدلب، دير الزور، الحسكة، الرقة وبعض أرياف حلب ودمشق.

رد فعل النظام: استخدام العنف والقمع المفرط ضد المتظاهرين، ما أدى إلى مقتل آلاف المدنيين وتهجير الملايين.
تسلح المعارضة: تحولت الاحتجاجات إلى نزاع مسلح مع تشكيل مجموعات المعارضة المسلحة وحدوث انشقاقات في صفوف الجيش السوري والتحاقهم بالثوار والمعارضين خصوصاً مع استخدام نظام الأسد للأسلحة المحرمة دولياً كالكيميائي وغاز السارين ورمي العزَّل ببراميل متفجرة.

تدخلات خارجية: شاركت قوى إقليمية ودولية، منها روسيا، إيران، تركيا، الولايات المتحدة وغيرها، في دعم أطراف مختلفة، لكن الدعم الأبرز كان من الميليشيات الإيرانية كحزب الله اللبناني ولواء أبي الفضل العباس العراقي حتى الوصول إلى مرحلة تنظيم داعش الذي أعاد خلط الأوراق الثورية ووسم الثورة السورية بالإرهاب.

ثالثاً: الآثار السياسية والاجتماعية للثورة

تفتت الدولة: انفصال المناطق السورية وانقسامها بين سيطرة النظام والمعارضة والقوات الكردية.

مأساة إنسانية: نزوح ملايين السوريين داخلياً وخارجياً على وقع الدمار الهائل الذي ألحق بالبنية التحتية، حدوث مجاعة في مناطق حاصرتها قوات الأسد والميليشيات الإيرانية وسلاح الجو الروسي، منها المخيمات الفلسطينية.

تبدل النخب الحاكمة: على وقع طروح عربية ودولية لحل الأزمة السورية، برزت شخصيات من داخل نظام الأسد طرحت نفسها كبدائل وسطية في مقابل ظهور المجلس الوطني السوري كأول فصيل سياسي منظم للمعارضة بالإضافة إلى الجيش السوري الحر الذي تشكل من العسكريين المنشقين عن النظام كان أبرزهم المقدم الشهيد حسين هرموش.

رابعاً: وصول الشرع إلى الحكم

بعد تحرير مدينة إدلب وخروجها بشكل تام عن سيطرة نظام الأسد في 28 آذار 2015 على يد جيش الفتح وهو تحالف عسكري تأسس مطلع ذلك العام وضمَّ كلَّاً من جبهة النصرة وأحرار الشام وألوية أخرى بقيادة أبي محمد الجولاني الذي بات يُعرف بعد إسقاط حكومة الأسد بـ “أحمد الشرع” الذي قاد من خلال هيئة تحرير الشام عملية ردع العدوان التي حررت سوريا في 11 يوماً ودخل دمشق فاتحاً محرراً على وقع ذهول سوري وعربي وإسلامي ودولي وذلك في 8 كانون الأول 2024.

شكَّل وصول أحمد الشرع إلى رئاسة الجمهورية العربية السورية الحدث الاستراتيجي الأبرز خلال السنوات الأخيرة، خصوصاً وأن بشار الأسد الذي استخدم جيشه لأغراض تخالف عقيدته، فرَّ تاركاً رجاله حتى من دون إبلاغهم بسقوط النظام، في حين أن الشرع منع على قواته أي عمل انتقامي وردد عبارته الشهيرة: “فتحٌ لا ثأر فيه”، خلع أبواب السجون والمسالخ البشرية أمام عقود من القهر والظلم فأسدل بذلك الستار على أحد أعتى الأنظمة السياسية التي عرفتها البشرية.

تمكَّن الشرع ببذته العسكرية وطلته البهية ولحيته الوقارية وقوته البدنية وسنينه الفتية من خطف قلوب السوريين، فبات أيقونة حريتهم وبطل حكايتهم التي كتبوها بدمائهم ودموعهم فتخطت جماهيريته حدود سوريا إلى أن لقبوه بـ “أحمد الفاتح”.

وتبقى الثورة السورية المحطة الفاصلة الأهم في تاريخ البلاد، فقد كشفت عن هشاشة نظام بشار الأسد الذي قام على تحالف طغمة من المجرمين والطماعين وهو ما جعل سقوطه أمراً محتماً. كما أنَّ وصول أحمد الشرع إلى الحكم أطلق مرحلة جديدة لإعادة بناء سوريا الحرة وسط تحديات داخلية وخارجية هائلة أثبت في كل الاستحقاقات التي واجهها منذ توليه السلطة حنكة وحكمة فريديتن في التعامل معها.

سوريا والتوازن بين وحدة الدولة وديمقراطيتها

بعد مرور سوريا في تجارب سياسية ودستورية متعددة، تراوحت بين عدم انسجام السلطة والشعب كانعكاس لعدم التمكن من تحقيق التوازن بين وحدة الدولة كقوة مؤسساتية قائمة على الالتزام بالدستور والقوانين وممارسة الديمقراطية بما تنص عليها من حريات عامة في العمل السياسي، فكانت سوريا إما تجنح إلى الديكتاتورية لضمان الأمن وحماية القانون أو إلى التطرف في ممارسة الحريات السياسية فيسقط النظام  وتدخل البلاد في أزمات دستورية تنتهي بديكتاتورية جديدة تحت غطاء تغيير موعود.

أما اليوم، وعلى وقع انتصار الثورة السورية ووصول قائدها أحمد الشرع إلى سدة الحكم في مرحلة إنتقالية يسعى في خلالها إلى بناء دولة القانون والمؤسسات في الوقت الذي يحقق فيه أعلى نسبة جماهيرية في تاريخ سوريا الحديث، وهو ما تُرجم بمشاركة الملايين من السوريين في احتفاليات عدة كانتصار الثورة والإعلان عن الهوية البصرية الجديدة للدولة، مشاركة شعبية تلبية لدعوة الرئيس إنما تعتبر استفتاءً على شرعيته. شرعية شعبية وثقة وطنية يمنحها السوريون لرئيسهم أحمد الشرع تفتح باب النقاش أمام الخيار الأفضل للنظام السياسي المرتقب وهو “الملكية الدستورية” الذي يجمع بين الدستور والديمقراطية. 

ففي عالم السياسة، تعتبر النظم الدستورية والآليات الشعبية كالاستفتاءات من الركائز الأساس التي تحدد شكل الحكم وطريقة ممارسة السلطة. من بين هذه الأنظمة يبرز النظام الملكي الدستوري كنموذج يجمع بين الملكية والتقيد بالدستور، فيما يُعتبر الاستفتاء الشعبي وسيلة مباشرة للتعبير عن إرادة الشعب.

أولاً: النظام الملكي الدستوري

هو نظام حكم يجمع بين وجود ملك أو ملكة كرمز للدولة والوحدة وطنية في ظل وجود دستور يحدد صلاحيات الملك والحكومة ويضمن حقوق المواطنين، ويعمل على فصل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية. ومن أبرز الأمثلة على النظام الملكي الدستوري: المملكة المتحدة وإسبانيا والسويد واليابان.

ثانياً: خصائص النظام الملكي الدستوري

الملكية الدستورية: الملك ليس له سلطة مطلقة، بل تتحدد صلاحياته وفقاً للدستور.

وجود دستور مكتوب: يحدد قواعد الحكم، حقوق المواطنين وآليات العمل السياسي.

فصل السلطات: السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية تكون مستقلة بعضها عن بعض.

برلمان منتخب: يمثل الشعب ويشرف على عمل الحكومة.

حكومة مسؤولة أمام البرلمان: يرأس الحكومة عادة زعيم الأغلبية النيابية الفائز في الانتخابات العامة وتتحمل المسؤولية السياسية.

الحقوق والحريات: يضمن الدستور الحقوق الأساسية كحرية الرأي والتعبير، الحق في المشاركة السياسية والعدالة والمواطنة.

ثالثاً: الملكية بين التحديات والفرص

لا شك في أن طرح الملكية الدستورية في بلاد خارجة لتوها من ثورة على الظلم والاستبداد، سيثير الريبة لدى البعض جراء الأسباب الآتية:

الذاكرة التاريخية السلبية: تجربة الحكم الملكي في سوريا (الملك فيصل) التي أجهضت سريعاً في العام 1920، لذا قد يرى البعض أن العودة إلى الملكية نوع من “النكوص” التاريخي.

وجود طيف معارض: معظم الحركات الثورية تنادي بالديمقراطية الجمهورية، وقد يعتبرون الطرح ملكياً “نخبوياً” أو مفروضاً من الخارج.

هوية الملك: وهي القضية الأبرز التي ستثير النقاش الأكبر بين الرفض والتأييد ورمي طروح متعددة، لأن الملكية تحتاج إلى شخصية مقبولة على نطاق واسع وذات إنجازات فريدة في تاريخ البلاد.

اتهامات بارتباطات خارجية: قد يرى البعض أن الطرح مدعوم من الخارج خصوصاً من الخليج بالنظر إلى العلاقة الاستثنائية بين المملكة العربية السعودية والحكومة السورية ممثلةً بالرئيس أحمد الشرع، أو قد يعتبر محاولة لتدويل شكل الحكم بتدخلات مشبوهة.

ولكن في المقابل هناك فرصاً هائلة قد تتحقق في ظل نظام ملكي دستوري في بلاد خبرت مختلف أشكال الحكم وفي جمهوريات متعددة لم تتمكن من التوفيق بين الاستقرار السياسي والديمقراطية:

الخروج من الثنائية المأزومة (نظام ديكتاتوري أو فوضى): الملكية الدستورية قد تُقدَّم كحل ثالث، بعيداً من عسكرة السلطة، وقريب من أنظمة مستقرة (كالأردن، المغرب، بريطانيا…).

إمكان الجمع بين الرمزية والاستقرار: إنَّ وجود “ملك” رمزي وفصل بين الحكم والممارسة السياسية، قد يساعد على تهدئة الصراع الهوياتي والطائفي، إذا ما تم اختيار الملك بعناية كرمز وطني جامع.

إغراء الفئات المتعبة من الحرب والفوضى: بعض السوريين قد يرى في الملكية فرصة لعودة الحياة الطبيعية، خصوصاً في حال اقترنت بدستور واضح وانتخابات برلمانية حقيقية.

فتح نقاش من خارج الصندوق: هذا الطرح قد يثير نقاشاً وطنياً ناضجاً حول البدائل السياسية وأشكال الحكم، عوض اجترار الشعارات القديمة نفسها.

رابعاُ: الاستفتاء الشعبي

هو إجراء ديمقراطي مباشر يُطرح فيه على المواطنين سؤال معين أو أسئلة عدة ذات أهمية وطنية، ليقرروا بالموافقة أو الرفض، وتُعتبر نتيجته ملزمة أو استشارية بحسب النظام القانوني المعتمد. ومن الأمثلة على الاستفتاءات: الاستفتاء على الدستور المصري في العام 2014، الاستفتاء على استقلال اسكتلندا عن المملكة المتحدة وكاتالونيا عن إسبانيا والاستفتاء على “بريكست” في بريطانيا.

خامساً: أنواع الاستفتاءات

الاستفتاء الملزم: تُلزم نتيجته السلطات بتنفيذ القرار.

الاستفتاء الاستشاري: يُستخدم لأخذ رأي الشعب، لكنه ليس ملزماً.

الاستفتاء التشريعي: للموافقة على القوانين أو الدساتير.

الاستفتاء التنفيذي: لاتخاذ قرارات سياسية أو إدارية.

سادساً: دور الاستفتاء في الأنظمة السياسية

تعزيز الديمقراطية المباشرة.

منح القوة الشرعية للقرارات السياسية الكبرى والمصيرية.

إشراك المواطنين في صنع القرار الوطني.

حل النزاعات السياسية والاجتماعية عن طريق التعبير الشعبي.

سابعاً: العلاقة بين النظام الملكي الدستوري والاستفتاء الشعبي

في النظام الملكي الدستوري، قد يُستخدم الاستفتاء الشعبي كأداة للتأكيد على الدستور أو تعديله، أو لاتخاذ قرارات مصيرية تتعلق بالملكية أو الحكومة، ما يعزز مشاركة الشعب في صناعة القرارات المصيرية ويدعم المواطنة والديمقراطية ويعطي شرعية إضافية للنظام.

يعتبر النظام الملكي الدستوري نموذجاً يوازن بين التقاليد الملكية ومتطلبات الحكم الديمقراطي، بينما يتيح الاستفتاء الشعبي وسيلة مباشرة للشعب للتعبير عن إرادته، ما يعزز من شرعية المؤسسات السياسية ويعمق الديمقراطية. نظام سياسي في حال اعتمدته سوريا، إنما يفتح الباب أمام السوريين لبناء دولة مستقرة سياسياً ودستورياً من خلال وجود ملك على رأسها، يحفظ دستورها ويصون وحدتها ويعزز مواطنيتها، في الوقت الذي يتنافس فيه السوريون على الحلبة الديمقراطية عبر الانتخابات الحزبية والنيابية وتالياً المشاركة في الحكم. إذاً، بما أن السوريين قد أجابوا الرئيس أحمد الشرع بـ “نعم” في أكثر من استفتاء فهل يصبح أحمد الفاتح جلالة الملك؟

_________________________________________

باحث وكاتب سياسي – لبنان

زر الذهاب إلى الأعلى