طريقنا إلى اللاذقية
صخر بعث – العربي القديم
أنا ابنُ “معرّة النعمان” وابنُ” أبي العلاء المعرّي” بالتأكيد، وإن لم يُنجب، فلقد قضيتُ معظم طفولتي فيها وجوار قبره في المركز الثقافي حيث كان جدّي “أحمد عربو” يودعني هناك منذ التاسعة صباحاً حتّى موعد الغذاء، الساعة الثانية تماماُ، هكذا نشأت، أمّي من “المعرّة” وأمّها حمصية، أبي إدلبي خالص لكنّ أمّه حلبية، ويُقال في هذه الحالة “بندوق”، نعم والله صحيح، بندوق سوري أنا، وليس بالمعنى الدارج بل بالمعنى الدقيق، مثل نتاج تزاوج عصفورين مختلفين كالكناري والحسّون، نتاج تزاوج السوريين أنا، وهذه ميزة ممتازة، حتّى أنّ أصول أمّي “كردية” كما أخبرني جدّي، وأمّا أبي فلقد كان “رسّاما يعربياً” وكان يحبّ “اللاذقية” جدّاً، ولا يمكن أن تمرّ سنة خلال الإجازة التي كنّا نقضيها في “ذلك الوطن الجميل” منذ كنّا نعيش في “المملكة العربية السعودية” دون أن نذهب للاصطياف في “اللاذقية”، لا يمكن!.
“اللاذقية” منفذنا الغربي المباشر نحن “الأدالبة” وغيرنا بالطبع من السوريين إلى البحر، شرق البحر المتوسّط القديم العتيد، البحر الحائز بلا جوائز على أعلى تقييمات المشاركة، تركيا، اليونان، إيطاليا، فرنسا، إسبانيا، المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا، مصر، فلسطين، لبنان، و”اللاذقية السورية”!.
الهوا بحري يقول “أيمن”، نحقّق فوراً هذه الأمنية ونغرّب، بسيطة جدّاً، إدلب، المسطومة، أريحا، بسنقول، فريكة، جسر الشغور، بداما، البهلولية، فاللاذقية بعد منطقتها الصناعية نصل وخلصت!، 132 كلم، ساعتان بالضبط، لأنّ الطريق جبليّ وباتّجاهين، وهذا الطريق لعَمري، هو أجمل طريق في “سوريا” كلّها، الطريق الواصل بين “إدلب” و”اللاذقية”، من البحر الأخضر إلى البحر الأزرق، هكذا كنتُ أقول لأيمن بعد أن نُغادر من الزيتون إلى الماء، آهٍ آه يا جدّي يا أبا العلاء، الطريق الأجمل في “سوريا”، الطريق المقطوع الممنوع!.
البارحة على “مجموعتنا” نحن أصحاب الأدب والفنّ كما صنّفنا المصنّف محترماً ولطيفاً ومهذّباً محمّد منصور، أعجبتني مقولة لأحد السادة من أهل المجموعة، اقترحَ فيها أن نكتب بشكل ما عن سيرنا الذاتية كي نبقى على صفحات الذكرى ونؤرّخ لسوريا عن حيواتنا، وكم أعجبتني الفكرة وكم أحببتها لسببين: الأوّل أنّي لستُ مشهوراً ولا معروفاً على صعيد الأدب بل على صعيد قلّته، والثاني أنّني أحبّ الحديث عن حياتي والله للفائدة، الفائدة لأهلي السوريين، وأراعي عند الحديث الكذب، هل سمعتم أحداً قال قبلاً: أنا ابن “أبي العلاء المعرّي”؟.
زار “اللاذقية “جدّي “أبو العلاء” في طريقه إلى “طرابلس” كما تقول الروايات، وفي مقالات الرأي لا ينبغي الاستناد إلى إشارات مرجعية كما يقول الإعلاميون، وبين “المعرّة” و”اللاذقية” محبّة قديمة ما فرط عقدها سوى “ذلك النظام”، وأقول “ذلك” لأنّه انقضى ومضى، وستعود غصباً عن أمّ أمّه الأواصر.
اللاذقية من “كنسبّا” إلى “صلنفة” إلى “مشقيتا” إلى “رأس البسيط”، إلى الغابات والبحر والبرتقال والنهر، والزيزفون والزهر، والناس الناس الطبيعيين بلهجتهم المحبّبة ولطفهم الجميل، لا يمكن أن ينفرط عقد محبّتها ومحبّتهم أبداً، لكنّما الصبر الصبر، وسينتهي لابدّ لاريب ولا مناص كلّ هذا الضجيج، وردّاً على جدّي الأكبر “أبو العلاء” الذي قال:
في اللاذقية ضجّةٌ ما بينَ أحمدَ والمسيحْ
ذا بناقوسٍ يدقُّ، وذا بمأذنةٍ يصيحْ
كلٌّ يعظّمُ دينَهُ، يا ليتَ شعري ما الصحيحْ؟
الصحيح يا جدّي العظيم هو هذه الثورة العظيمة، وأنا ابن اللاذقية أيضاً كما ابن إدلب والمعرّة وابن كلّ حبّة رمل سوري.
___________________________________
من مقالات العدد الثاني عشر من (العربي القديم) الخاص باللاذقية – حزيران/ يونيو 2024
لقراءة العدد كاملاً اضغط هنا.