الحكومة السورية الجديدة: بين آمال التغيير وخيبات التعيينات الوزارية
تعيين وزير الإعلام يثير تساؤلات خطيرة حول معايير اختيار الوزراء، وما إذا كانت تقوم على الكفاءة والاستقلالية

نوار الماغوط- العربي القديم
مع الإعلان عن تشكيل الحكومة السورية الانتقالية في 29 مارس 2025، دخلت سوريا مرحلة سياسية حاسمة تهدف إلى إعادة بناء الدولة بعد سنوات من الصراع. وبينما حملت التشكيلة الحكومية بعض المؤشرات الإيجابية نحو التعددية والشمول، فإن نجاحها —أو نجاح أي حكومة أخرى— سيظل مرهوناً بعدة عوامل تتجاوز حدود المشهد الداخلي، ليشمل مدى قبولها إقليميًا ودوليًا، فضلًا عن قدرتها على تأمين التمويل اللازم لإعادة الإعمار.
حكومة تعكس التعدد السوري ولكن…
لطالما أكدتُ في مقالات سابقة أن أي حكومة انتقالية حقيقية في سوريا يجب أن تعكس التنوع المجتمعي، وتضم جميع المكونات العرقية والدينية دون إقصاء أو تهميش. في هذا الإطار، حاولت الحكومة الجديدة تقديم نموذج أكثر شمولًا، حيث ضمت 23 وزيرًا يمثلون مختلف الشرائح السورية، من العرب والأكراد والمسيحيين والدروز، إضافة إلى شخصيات لعبت أدواراً بارزة في العمل المدني والحقوقي.
عُلّقت آمال السوريين على أن تكون هذه الخطوة بدايةً حقيقية لإصلاح الدولة، والتأسيس لمرحلة جديدة تتجاوز أخطاء الماضي. غير أن بعض التعيينات الوزارية، وعلى رأسها تعيين حمزة مصطفى وزيراً للإعلام، شكّلت خيبة أمل كبيرة للذين كانوا يأملون أن تحمل هذه الحكومة تغييرًا جذريًا في بنية الحكم ونهجه.
تعيين حمزة مصطفى: رسالة خاطئة للسوريين
يُذكر أن حمزة مصطفى كان مديرًا لتلفزيون سوريا، القناة التي تمولها حكومة قطر، والتي وُجهت لها انتقادات عديدة بسبب نهجها الإعلامي وانحيازاتها السياسية. تعيينه وزيراً للإعلام يثير تساؤلات خطيرة حول معايير اختيار الوزراء، وما إذا كانت تقوم على الكفاءة والاستقلالية، أم أنها لا تزال خاضعة لحسابات سياسية وإقليمية لا تخدم مصلحة السوريين.
لطالما كان الإعلام في سوريا أداة للرقابة والتضليل، وكان السوريون يأملون أن يكون هذا التغيير الوزاري فرصة لإعادة هيكلة الإعلام الرسمي، وضمان حرية التعبير، وإنهاء السياسات القمعية التي رافقت المشهد الإعلامي لعقود. لكن اختيار شخصية ذات ارتباطات سياسية واضحة، وقادمة من مؤسسة إعلامية خضعت لتوجيهات خارجية، يشير إلى أن النهج القديم لا يزال قائمًا، وأن الإصلاحات التي كان السوريون يأملون بها قد لا تتحقق قريباً.
التحديات الكبرى التي تواجه الحكومة الجديدة
1. أزمة الشرعية والتوافق الوطني
رغم محاولتها تمثيل مختلف المكونات السورية، لا تزال الحكومة الجديدة تواجه أزمة شرعية داخلية. فغياب بعض الفصائل السياسية والعسكرية الكبرى عن المشهد، مثل “قوات سوريا الديمقراطية”، يعكس استمرار الانقسامات العميقة داخل البلاد.
2. الاقتصاد المنهار وتمويل إعادة الإعمار
يُعد الملف الاقتصادي أكبر التحديات التي تواجه الحكومة الجديدة. فبعد أكثر من عقد من الحرب، يعاني الاقتصاد السوري من انهيار شبه كامل، حيث بلغ معدل البطالة مستويات قياسية، وفقدت الليرة السورية أكثر من 95% من قيمتهاأمام الدولار الاميركي خلال سنوات الحرب التي أعقبت الثورة في سوريا عام 2011، بينما يعيش أكثر من 90% من السكان تحت خط الفقر.
لكن التحدي الأكبر لا يكمن فقط في ضعف الموارد الداخلية، بل في غياب التمويل الدولي اللازم لإعادة الإعمار. إذ تقدر الأمم المتحدة أن سوريا تحتاج إلى ما لا يقل عن 400 مليار دولار لإعادة بناء البنية التحتية، لكن الدول الغربية تربط أي دعم مالي بمدى التزام الحكومة بالإصلاحات السياسية وحقوق الإنسان.
3. الضغوط الدولية وصراع المصالح الإقليمية
لا يمكن فصل مصير الحكومة السورية الجديدة عن الموقف الدولي والإقليمي. فمن دون اعتراف القوى الكبرى، لن تكون لهذه الحكومة القدرة على التحرك بحرية. الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يضعان شروطًا واضحة لأي تعاون اقتصادي، بينما تواصل تركيا وروسيا إدارة مصالحها على الأرض وفق أجنداتها الخاصة.
إلى جانب ذلك، يشكل الوجود العسكري الأجنبي في سوريا—من القوات الأمريكية في الشمال الشرقي إلى القواعد الروسية في الساحل—عاملًا إضافيًا يعقد عمل الحكومة. فهذه القوات لا تخضع لسلطة الحكومة المركزية، كما أن بعض الدول، مثل تركيا، تواصل دعم فصائل في الشمال، مما يضع تحديات أمنية وسياسية دائمة أمام دمشق.
4. العقوبات الاقتصادية والعزلة الدولية
تُفرض على سوريا منذ سنوات عقوبات اقتصادية خانقة، أبرزها تلك التي تفرضها الولايات المتحدة بموجب قانون قيصر، والذي يعاقب أي جهة تتعامل مع النظام السوري اقتصاديًا. هذه العقوبات تعيق استيراد المواد الأساسية، وتشل القطاع المصرفي، وتحد من قدرة الحكومة على جذب الاستثمارات الأجنبية.
بدون رفع هذه العقوبات أو التوصل إلى تفاهمات دولية، ستجد الحكومة الجديدة نفسها عاجزة عن تحقيق أي اختراق اقتصادي، مما يعزز حالة الركود ويؤدي إلى مزيد من الاحتقان الاجتماعي.
5. ملف اللاجئين وإعادة دمجهم في المجتمع
مع وجود أكثر من 6.5 مليون لاجئ سوري في الخارج، و6.0 مليون نازح داخليًا، يُعد ملف اللاجئين من أصعب القضايا التي ستواجه الحكومة الجديدة. فإعادة هؤلاء إلى سوريا تحتاج إلى بيئة آمنة، وبنية تحتية قادرة على استيعابهم، وفرص اقتصادية تضمن لهم حياة كريمة. لكن في ظل الأوضاع الحالية، من الصعب تصور عودة جماعية للاجئين، خاصة مع استمرار المخاوف الأمنية والسياسية في البلاد.
هل تستطيع الحكومة إثبات قدرتها على التغيير؟
رغم الانتقادات، لا يزال البعض يأمل أن يكون لدى الحكومة الجديدة فرصة لتصحيح مسارها، وأن لا تكون باقي التعيينات قد اتبعت نفس المعايير التي أوصلت حمزة مصطفى إلى وزارة الإعلام.
في ظل هذه التحديات، تبدو الأيام القادمة حاسمة في تحديد ما إذا كانت هذه الحكومة قادرة على مواجهة الملفات الأكثر تعقيدًا، أم أنها ستكون مجرد محطة أخرى في سلسلة الإحباطات السياسية التي عرفها السوريون خلال السنوات الماضية.