فنون وآداب

مسرحية “اللاجئان” للأخوين ملص: صرخة إنسانية ضد الاقتُلاع من الجذور

لاجئان يواجهان مشاعرهما الحقيقية تجاه الوطن وما يعنيه بالنسبة لهما.

مصطفى شحود- العربي القديم

تتقدم إدارة تحرير (العربي القديم) بالشكر للمسرحي مصطفى الشحود، أحد أبرز وجوه الحركة المسرحية في إدلب اليوم، على نصه النقدي المفعم بالتقدير والاهتمام تجاه هذا العمل المسرحي الشاب، بما يؤكد أهمية التواصل بين أجيال المسرحيين السوريين، وخصوصا حين يقوم هذا التواصل على احترام الجهد الإبداعي وإنصافه.

كاتب المقال الأستاذ مصطفى الشحود مع الأخوين ملص وأسرة مسرحية (اللاجئان)

تُعد مسرحية “اللاجئان” للأخوين ملص انعكاساً إنسانياً عميقاً لحياة اللاجئين السوريين، الذين حملتهم ظروف الحرب وويلاتها إلى مجاهل الغربة. تحكي المسرحية قصة اثنين من السوريين اللذين اضطرتهما الحرب إلى الهجرة إلى فرنسا، حيث يواجهان تحديات الغربة والضياع، وينبشان في أعماق الهوية والحنين للوطن. بأسلوب درامي كوميدي ساخر، ينجح العمل في ملامسة قضايا إنسانية عابرة للحدود، مما يجعله قريباً من كل مشاهد، بغض النظر عن خلفيته أو تجربته الشخصية.

الفكرة والمحور الأساسي:

تدور المسرحية حول موضوع الغربة وما تخلقه من شعور بالضياع والتشتت النفسي. تناول الأخوان ملص قضايا الهوية والانتماء بأسلوب يمزج بين السخرية والجدية، ليقدما صورة واقعية لواقع اللاجئين السوريين، حيث تتشابك أحلامهم في حياة جديدة مع ألم الفقد وحنينهم إلى الوطن.

الحوار والشخصيات:

أبدع الأخوان ملص في صياغة حوارات حية تتسم بالعفوية والواقعية، حيث عكس كل حوار التوتر الداخلي للشخصيات والتناقضات التي يعيشها اللاجئون. الشخصيتان الرئيسيتان تُظهران مراحل مختلفة من التكيف مع الغربة: إحداهما تُحاول الانغماس في المجتمع الجديد بينما تظل الأخرى متشبثة بالماضي والذكريات.

الأسلوب:

استخدم العمل السخرية كأداة رئيسية لطرح قضايا مؤلمة بطريقة تخفف من وطأتها، حيث تضمنت المسرحية لحظات كوميدية متداخلة مع مشاهد عاطفية مؤثرة. هذا التوازن أعطى العمل طابعاً مميزاً يتيح للمشاهد التفكير بعمق دون الوقوع في الإحباط أو الحزن المطلق.

الإخراج والديكور:

تم توظيف الديكور البسيط بعناية ليعبر عن التباين بين حياة الوطن وحياة الغربة. الإضاءة ساعدت في خلق جو نفسي يعكس شعور الشخصيات، بينما أضفى الإخراج ديناميكية وحيوية على المشاهد، خاصةً في التنقل بين الماضي والحاضر.

الموسيقى والمؤثرات:

لعبت الموسيقى دوراً مهماً في تعزيز المشاعر، حيث اختيرت ألحان شرقية مفعمة بالشجن لتعيد الشخصيات والجمهور معاً إلى الوطن. المؤثرات الصوتية، مثل أصوات القصف أو ضجيج المدينة، عززت الواقعية ونقلت المشاهد إلى أجواء الأحداث.

“اللاجئان” ليست مجرد عمل مسرحي عن اللاجئين، بل هي صرخة إنسانية تحكي عن معاناة كل من اقتُلع من جذوره وأُلقي في دوامة الغربة. تمكن الأخوان ملص من تقديم عمل يمزج بين الألم والأمل، ليبقى حاضراً في ذاكرة كل من شاهده، باعتباره وثيقة فنية تعكس الواقع الإنساني في أشد لحظاته قسوة.

الدلالات المسرحية

خلع الملابس هنا قد يرمز إلى التحرر من الماضي أو التخلي عن الهوية القسرية التي فرضتها عليهم تجربة النزوح. الملابس غالباً ما تمثل الهوية والانتماء، وخلعها يمكن أن يشير إلى الرغبة في التحرر من عبء المعاناة أو محاولة العودة إلى الحالة الإنسانية البسيطة بعيدًا عن القيود الاجتماعية والسياسية.

قد يكون أيضاً تعبيراً عن الكشف عن الذات، بمعنى أن الشخصيتين تخلعان أقنعة أو حواجز صنعتها الظروف، ليواجها الحقيقة المجردة والواقع كما هو.

الأغنية التي تذكرهم بوطنهم تعكس التوق إلى الماضي والشعور بالحنين للوطن. الأغاني تحمل ذاكرة جماعية وشخصية عميقة، وسماعها يعيد ذكريات الوطن، بكل ما فيه من ألم وفرح، ويجعل الشخصيات تتأمل في الفقد والحنين.

هذه اللحظة قد تكون بمثابة نقطة تحول عاطفية، حيث يواجه اللاجئان مشاعرهما الحقيقية تجاه الوطن وما يعنيه بالنسبة لهما.

هذا المشهد يبرز التناقض بين الحياة القسرية التي يعيشها اللاجئون في المنفى والذاكرة الجميلة للوطن. الأغنية قد تكون رمزًا لشيء لا يمكن استعادته بسهولة، مما يعمق الشعور بالفقد.

خلع الملابس يمكن أن يشير إلى العودة إلى الطبيعة أو البحث عن الذات الأصلية بعيدًا عن صدمة النزوح. إنها لحظة مواجهة للذات المجردة، ومحاولة لاستعادة الإنسانية التي غالبًا ما تُفقد بسبب الأزمات.

قد تكون رسالة هذا المشهد أن الوطن ليس فقط مكانًا ماديًا، بل هو شعور وذكريات وهُوية عميقة لا يمكن التخلي عنها بسهولة. وربما يشير إلى أن محاولة التخلص من الماضي ليست حلاً دائمًا، وأن الصراع النفسي مع ذكريات الوطن سيظل مستمرًا.

المشهد يعكس الصراع الداخلي للاجئين بين التمسك بالوطن وذكرياته وبين محاولات التأقلم مع الواقع الجديد. الأغنية هنا عامل محفز يعيد إحياء المشاعر المدفونة، وخلع الملابس يجسد الرغبة في التخلص من أعباء الماضي، لكنه يفتح الباب لسؤال أكبر: هل يمكن للاجئ أن ينسى وطنه حقًا؟

أما مشهد ربطة العنق (الكرافيت) فهو يحمل رمزية قوية تعبر عن حالة الرفض والتمرد. ربطة العنق غالباً ما ترمز إلى الالتزام بالقواعد الاجتماعية، التقاليد، أو حتى النظام الطبقي. عندما يحمل اللاجئ ربطة العنق ويتأملها ثم يرميها، فإن ذلك قد يشير إلى رفضه لهذه القيود والتقاليد التي لم تعد تعنيه أو ربما أصبحت عبئًا عليه.

الوردة غالباً ما ترمز إلى الجمال، الحب، أو الأمل. عندما يحمل اللاجئ الآخر الوردة ويرميها، فقد يكون ذلك تعبيراً عن إحساسه بأن الجمال والأمل أصبحا بلا قيمة أو مستحيلين في واقعهم الحالي.

المشهد قد يرمز إلى رفض اللاجئين للعالم الذي فرض عليهم قيوداً وحرماناً، أو ربما تخليهم عن مفاهيم رمزية كالهوية الاجتماعية (ربطة العنق) والجمال أو الأمل (الوردة) في مواجهة قسوة واقعهم. هذا الفعل يمكن أن يكون دعوة للتفكير في تأثير النزوح واللجوء على الإنسان، وكيفية تغير القيم والمعاني تحت وطأة الألم والتشرد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى