مصطفى رستم وتاريخه النضالي بين براثن تلفزيون سوريا
تشويه خطير للوقائع التاريخية وإساءة مباشرة إلى شخصية دفعت ثمناً باهظًا بسبب موقفها المبدئي ضد الاستبداد.

نوار الماغوط – العربي القديم
تابعنا باهتمام بالغ اللقاء الذي أجراه تلفزيون سوريا مع المناضل مصطفى رستم (أبو علي)، رستم كان شاهدًا مباشرًا على الأحداث المفصلية التي مهدت لانقلاب حافظ الأسد على رفاقه عام 1970، لكنه ظل طوال عقود بعيدًا عن الإعلام، حتى جاء هذا اللقاء كأول إطلالة إعلامية له منذ أكثر من 55 عامًا.
من هو مصطفى رستم؟
يُعد مصطفى رستم من أبرز البعثين في مطلع ستينيات القرن الماضي. ولعب دوراً في انقلاب 8 آذار 1963 الذي أطاح بالحكم المدني في سوريا وأدخل البلاد في دوامة من الانقلابات والحكم العسكري المتتالي.
من أكبر الأخطاء التي لا يمكن التغاضي عنها هو الإعلان المضلل الذي ورد في مقدمة اللقاء، والذي وصف مصطفى رستم بأنه «مسؤول المكتب العسكري في عهد حافظ الأسد». هذا ليس مجرد خطأ، بل تشويه خطير للوقائع التاريخية وإساءة مباشرة إلى شخصية دفعت ثمناً باهظًا بسبب موقفها المبدئي ضد الاستبداد. فالحقيقة أن مصطفى رستم لم يكن جزءًا من المعادلة السلطوية بعد انقلاب الأسد عام 1970 فيما عُرف بـ«الحركة التصحيحية»، بل كان من أبرز ضحاياها، إذ جرى إقصاؤه واعتقاله لما يزيد عن عقدين في سجون النظام، قبل أن يُعاد اعتقاله لاحقًا في عهد بشار الأسد، مع ابنه علي، ثم ابنته وحفيده، ضمن حملة استهداف ممنهجة للمناضلين الشرفاء.
نقد اللقاء الإعلامي
مع أهمية الحدث، جاء اللقاء التلفزيوني أقرب إلى معالجة سطحية تفتقر إلى العمق التحليلي، حيث لم تتجاوز مدته 20 دقيقة، ولم يوفّر أي إحاطة جدية بتاريخ شخصية بهذا الثقل. مرّ اللقاء سريعًا على محطات مصيرية مثل انقلاب 1966، الصراع بين صلاح جديد وحافظ الأسد، وأحداث أيلول 1970، دون أي تحليل أو توثيق معمّق. لم يُسلّط الضوء على تجربة السجن الطويلة، ولا ظروف الاعتقال، ولا المحاكمات الصورية التي شكّلت جزءًا من مأساة رستم.
لقد أُفرغت الشهادة من قيمتها، وتحولت إلى مادة إعلامية خفيفة، بينما كان يفترض أن تُوضع في سياق أرشيف الذاكرة الوطنية، وتُعامل كوثيقة تاريخية لا تُقدّر بثمن. كان من الأجدر أن يُعَد لهذا اللقاء على مدى أشهر، ليخرج بشكل وثائقي جاد أو سلسلة حوارية معمقة تليق برجل كان شاهدًا ومشاركًا في لحظة تأسيسية من تاريخ سوريا الحديث.
بيان عائلة مصطفى رستم
في سياق متصل، أصدرت عائلة السيد مصطفى رستم بيان استنكار شديد اللهجة، جاء فيه:
«تُعرب عائلة السيد مصطفى رستم عن استنكارها الشديد لما ورد في مقدمة المقابلة التي بثتها قناة تلفزيون سوريا مؤخرًا، والتي تضمّنت مغالطات تمسّ بتاريخه النضالي، أبرزها الادعاء الكاذب بأنه شغل منصبًا رسميًا في عهد حافظ الأسد. نؤكد أن السيد مصطفى رستم أمضى 23 عامًا معتقلًا في سجون النظام في عهد حافظ الأسد بسبب مواقفه الوطنية، ثم أُعيد اعتقاله في أيلول/سبتمبر 2011 في عهد بشار الأسد، مع ابنه علي. ولم يكتفِ النظام بذلك، بل قام باعتقال ابنته وحفيده أيضًا ضمن حملة استهداف ممنهجة للمناضلين الشرفاء. إن ما ورد في تلك المقابلة يُعد تشويهًا متعمّدًا، ونحمّل القناة الإعلامية المسؤولية الكاملة، ونطالب باعتذار رسمي وواضح. كما نؤكد أن السيد مصطفى رستم لم يلجأ طوال حياته إلى أي وسيلة إعلامية، لا طلبًا للظهور ولا سعياً وراء الأضواء، بل بقي متمسكًا بمبادئه، صامتًا عن تاريخه، ناطقًا فقط بمواقفه حين دعت الحاج ، فالسيد مصطفى رستم لم يكن بحاجة إلى منبر يلمّعه، بل المنبر هو من حاول أن يستمد شرعيته من تاريخه.»
رغم كل ما ورد، لا يسعنا إلا أن نؤكد كل الاحترام والتقدير للمناضل مصطفى رستم، ونترحم على جيله الذي دفع ثمناً باهظاً لمواقفه. ومع ذلك، لا يمكن إغفال حقيقة أن كثيرين ممن شاركوا في تأسيس حزب البعث أو خدموا في مفاصله لم يعتذروا يومًا عن الأخطاء الجسيمة التي ساهمت في انزلاق سوريا نحو الاستبداد والدم.
قلة نادرة فقط امتلكت شجاعة الاعتراف، مثل الدكتور سامي الجندي، الذي كتب في مذكراته:
«إن الحزب الذي بدأنا به ليس هو الحزب الذي انتهى إليه الأمر، لقد خُنّا مبادئنا حين صمتنا.»
رحم الله سامي الجندي، الذي امتلك شجاعة الاعتذار عن ماضيه السياسي، وأطال الله بعمر الأستاذ مصطفى رستم. كلاهما ترك أثرًا لا يُنسى في بدايات العمل الوطني، قبل أن تسقط البلاد بين براثن الاسد