العدالة الانتقالية بين أمل الشعب في أحمد الشرع… وأيدي من يضربون بسيفه
أمل السوريين في عدالة انتقالية بقيادة أحمد الشرع…لا عدالة لمن يضربون باسمه

نوار الماغوط – العربي القديم
بعد أكثر من خمسين عامًا من القهر والاستبداد، وثلاثة عشر عامًا من الدم والدموع، أسقط السوريون بشار الأسد، ذلك الامتداد اللاشرعي لحكمٍ عائلي، أمني حكم البلاد بالحديد والنار، وشراء الضمائر بسيارات المرسيدس والمناصب، لهم ولأقربائهم من كل الطوائف والعقائد، وجرّ البلاد إلى واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العصر الحديث. لكن كما أن سقوط الطاغية كان لحظة تاريخية، فإن ما بعدها لا يقل أهمية، لأن الثورة التي انطلقت من أجل الحرية والكرامة ما زالت تخوض معركتها الحاسمة: معركة بناء سوريا الجديدة.
منذ اللحظة الأولى، حاول النظام ودوائره الإقليمية والدولية تشويه جوهر الثورة، وادعوا أنها صراع طائفي يهدف إلى إسقاط حكم “علوي” لصالح بديل “سني” متطرف، بينما الحقيقة كانت انتفاضة شعبٍ مقهورٍ أنهكه الاستبداد وخرج يطالب بحقه في الحرية والكرامة، يطالب بدولة مدنية عادلة، تؤمن بالمواطنة لا بالمذاهب، وبالعدالة لا بالمحسوبية. وليس لاستبدال حكمًا علويًا بآخر سنيًّا، ولم يكن طموحها إقامة نظامٍ يُشبه الخلافة، بل كانت صرخة شعبٍ أراد كسر القيد وتحقيق العدالة والكرامة .
تواجه سوريا اليوم تحديات جديدة لا تقل خطورة عن تلك التي واجهتها خلال سنوات القمع والحرب، تفكيك تركة نظامٍ جعل من الولاء الشخصي والانتماء الطائفي أساسًا للتوظيف، وألغى دور الشعب في كل مفاصل الدولة، بدءًا من المجالس المحلية وصولًا إلى المناصب العليا. ما زال كثير من رجالات النظام السابق موجودين، بفضل علاقاته الدولية والاقليمية، يخضعون لتسويات تضمن بقاءهم كأدوات محتملة في مرحلة إعادة الترتيب. وآخرون يتم التفاوض معهم كأدوات انتقال، على قاعدة المنفعة والتهدئة أما الفئة الأضعف ممن لا يملكون لا المال ولا الحماية، فيتم التضحية بهم لتنفيس غضب الشارع، عبر مسرحيات إعلامية صاخبة تُظهر “العدالة”، لكنها لا تمس المنظومة العميقة التي كانت تقف وراء كل شيء
سوريا في حاجة ماسة لإعادة بناء شاملة تبدأ من إعادة الاعتبار للشعب، الذي تم تهميشه بالكامل في ظل حكمٍ عائلة بيت الأسد
هذا ما يجب أن تتنبه له القوى الوطنية الحقيقية في سوريا، التي عليها أن تؤكد أن الثورة لم تقم فقط لإسقاط رأس النظام، بل لإسقاط نظامٍ كامل من الاستبداد والفساد والطائفية
ولإعادة السلطة والسيادة للشعب، يجب إعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس الكفاءة والشفافية، لا الولاء والانتماء، ويجب ضمان محاسبة حقيقية لكل من تلطخت يداه بالدم أو الفساد منذ عام 1963 وحتى الآن.
التحديات هائلة، لكن الإرادة الشعبية التي استطاعت أن تُسقط نظامًا دام لأكثر من نصف قرن، قادرة على أن تبني وطنًا جديدًا يليق بتضحيات السوريين.
ولكن لا يمكن تأسيس مستقبل دون محاسبة الماضي. لذلك، يجب إنشاء هيئة مستقلة للعدالة الانتقالية، تتعامل مع ملفات القتل، التعذيب، الإخفاء القسري، والفساد، وفق معايير العدالة، لا وفق منطق ” المصالحات”. المحاكمات يجب أن تكون علنية، عادلة، وشفافة، وتُعيد ثقة الناس بالدولة
سوريا الآن تشبه مريضة خرجت من غرفة العمليات، لكن الجرّاح ترك المقص في بطنها فالماضي لم يُدفن، بل كُنس إلى الزاوية.
إن أردنا بناء وطن، فلا يكفي أن نكنس البلاط… يجب أن نقتلع الأساسات: أساسات القهر، التمييز، الغرف المغلقة، الهدر السرقات والهويات المذبوحة على مذبح الولاء والطائفية . فلنفتح ملفات القتل والتعذيب والفساد كما نفتح النوافذ في بيتٍ عفن.