الرأي العام

أزمة السويداء أم أزمة سوريا

يظهر عمق الأزمة السورية مع حجم التجييش الخطير من مؤيدي السلطة الهشة، وضدها من أطراف عدة في تكاتف لم يحدث أيام الثورة السورية ضد نظام الأسد

 أسامة المصري – العربي القديم

أظهرت أزمة محافظة السويداء حجم الخراب السوري الذي خلفه النظام البائد، إن كان من جهة الهجري، أو من جهة السلطة أو المجتمع السوري، ورغم أن السلطة الجديدة تتحمل المسؤولية الأكبر عن تطورات الأحداث الأخيرة، والتي لايزال أهل السويداء يعانون من آثاراها فهي نتجت عن أزمة سورية، وأزمة السويداء أحد تفاصيلها على الرغم من أن الشيخ حكمت الهجري يتحمل مسؤولية لا تقل عن مسؤولية السلطة الحاكمة في دمشق.

دور الهجري

لم يرحب تيار الهجري بالسلطة الجديدة التي أسقطت نظام الأسد ولم يرغب بالتعاون معها وواضح أن لديه اجندته الخاصة في علاقاته مع إسرائيل عبر موفق طريف شيخ عقل الطائفة الدرزية في إسرائيل، وفرض الهجري وجوده على مدينة السويداء التي انطلقت بحراكها ضد نظام الأسد عام 2023 عبر تبنيه للحراك الذي أطلقته قوى مدنية لرفض سلطة الأسد التي أوصلت البلاد إلى كارثة انسانية، فسارع الهجري لامتطاء الحراك وتبنيه شكل غطاء له عبر امتدادات سلطته ونفوذه الديني مكرسا سلطته على معظم الطائفة الدرزية في مدينة السويداء ومحيطها، ويبدو أن ظروف النظام البائد إضافة إلى امتدادات الهجري منعت الأسد من قمع الحراك الجماهيري الذي استمر لحوالي سنة ونصف رغم وجود كل الأجهزة الأمنية والقوى العسكرية للنظام في المدينة ومحيطها، وكان من الملاحظ أنه مع بداية الحراك أن المتظاهرين اكتفوا برفع لافتات وشعارات ضد النظام البائد، واستدرك ناشطو الحراك برفع علم الثورة للتأكيد على سورية الحراك وليس درزيته، وهذه مسألة هامة واعتقد أن الهجري لم يستطع منع الناشطين من ذلك نظرا لقوة المجتمع المدني من جهة، ومن جهة أخرى حرصه أن يستمر قائدا ومؤثرا على الحراك وعلى الطائفة الدرزية، على عكس ما يحدث الآن من إسقاط العلم السوري ورفع العلم الإسرائيلي.

تبدل المشهد

مع سقوط النظام تبدل المشهد بالنسبة للهجري فالسلطة الجديدة سلطة ضعيفة وهشة، رغم أنها حصلت على شرعية شعبية بسبب اسقاطها لنظام الأسد المجرم، لكن هذه الشرعية – والتي لن تدوم إلى الأبد – كانت في معظمها من الأكثرية، فأكثرية العلويون وجدوا أنفسهم في مواجهة السلطة وهذا مفهوم فسقوط النظام كان ضربة قاسية لهم، فيما رحبت الطائفة الإسماعيلية بالسلطة الجديدة وهذا أيضا مفهوم، فهم كبقية السوريين تعرضوا لهمجية النظام البائد وفظاعاته على مدى عقود، إضافة إلى أن الكثير من أبنائها دفعوا أثمانا باهظة في مواجهة النظام البائد، كما أن ضف إلى ذلك فقد حاول عدة مرات النيل منها عبر أجهزته الأمنيةو تتكما أنكمالقيادة الدينية الإسماعيلية دخلت من أوسع الأبواب في ملاقاة إسقاط النظام، أما المسيحيون فهم لا يتصرفون تاريخيا كأقلية، بل كسوريين، وكانت مواقفهم تتوزع بين الترحيب والصمت، والحذر فانتماء القادمون الجدد لنهج إسلامي متشدد لا يبشر بالخير، وبالطبع ورغم ترحيب أكثريتهم بإسقاط النظام إلا أن هناك جهات كانت حذرة من النهج الديني المتشدد للقادمين الجدد إٍسوة ببقية السوريين.

خطاب مطمئن

حاولت السلطة أن تقدم خطابا سياسيا مطمئنا للجميع وحرص الرئيس أحمد الشرع منذ البداية على انتقاء كلماته بعناية، وقدم نفسه للسوريين كرجل دولة وليس زعيم ميليشيا لكن الخطاب شيء والواقع شيء آخر، فالميليشيات التي اعتزمت السلطة تحويلها إلى جيش وطني في واد والرئيس في واد آخر، أضف إلى ذلك فإن تحالف القوى التي شكلت قوات ردع العدوان وقادتها في معظمها ذات خلفيات دينية متشددة، وتجربتها في حكم إدلب وحتى إذا افترضنا أنها كانت ناجحة إلا أن حكم ادلب شيء وسوريا شيء آخر، كل ذلك وضع السلطة في حالة الجماعة التي لا تتعامل بانفتاح مع الآخرين وذلك لأسباب عدة لكن أهمها عدم الثقة بالآخر، أضف إلى ذلك أنها أتت على ركام من الدمار على كافة المستويات إن كان اقتصاديا أو اجتماعيا أو البنى التحتية والقائمة تطول، والسوريون يعرفون حجم الخراب الذي وصل اليه البلد، ووضع سلم أولويات كان مهما وضروريا في بلد يحتاج إلى كل شيء، فلا كهرباء وماء وحتى الخبز وهو القوت اليومي الأساسي غير متوفر إضافة إلى العقوبات التي تحول دون عمل أي شيء وتحريك عجلة الإصلاح، أما إذا نظرنا إلى شرعية السلطة فهو أيضا مسألة ليست قليلة الأهمية فالقادمون الجدد بحاجة الشرعية عبر دستور جديد يمثل طموحات السوريين وليس زعماء مليشيات، وإعادة بناء مؤسسات الدولة المنهارة، لن يكتب له النجاح باستبعاد الكفاءات وأبناء الثورة.

بناء الدولة

كان ولا يزال أمام هذه السلطة المهمة الأصعب وهي مهمة إعادة بناء الدولة ليس كمؤسسات وحسب، بل إعادة البناء المجتمعي السوري الذي دمره النظام على مدى عقود، وإعادة بناء الدولة والمجتمع ليست مسؤولية هذه السلطة الضعيفة والهشة بل مسؤولية جميع القوى المجتمعية إن كانت سياسية أو دينية أو مدنية لكن للأسف لم يحدث ذلك فمع سقوط النظام رأت بعض الجماعات ومنهم الهجري وأتباعه أنها فرصة لتحقيق مكاسب طائفية ولو على حساب الوطن الجريح والنازف والجميع يعرف التسلسل الزمني لمطالب الهجري وخرقه لكل الاتفاقات والتفاهمات في وقت حاولت السلطة أن تلعب على عامل الزمن، عبر حضور أقوى للمجتمع المدني والحراك في السويداء، خاصة مع وجود محافظ للسويداء صبره لا ينفذ، ودفع الهجري الأمور إلى نهاياتها متبعا سياسة ترهيب معارضيه من أهل السويداء عبر التخوين، واستغل السلاح، وسلاح الوقت الذي استخدمته السلطة لصالحه في تحويل السويداء إلى قلعة عسكرية خالصة، وتمكن من إخراس كل معارض لمواقفه كما أنه استطاع تجيير الأحداث لصالحه مع الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها السلطة ومناصروها (رغم ان انتهاكات ميليشياته ليست أقل حجما)، ودخول إسرائيل كطرف في الصراع، قلب موازين القوى لصالح الهجري حيث انكفأت السلطة، وقبلت بشروط الهجري في ترحيل سكان المدنية من غير الدروز وهذا مؤشر خطير على عمق الأزمة السورية، ويجعلنا نتساءل سوريا إلى أين، إضافة إلى أنه يغرق السلطة في تفاصيل جديدة مع عشرات آلاف المهجرين الجدد، ويطرح تساؤلات خطيرة نرى بداياتها على وسائل التواصل الاجتماعي، ومستوى غير مسبوق من التحريض الطائفي لنشطاء ينتمون لجميع مكونات المجتمع السوري، ويمتهنون التحريض بدون أي رادع أخلاقي أو وطني.

أزمة سورية

إن التسلسل الزمني لأحداث السويداء والانقسامات المجتمعية والتي هي إحدى أهم تركة النظام البائد، يظهر أن الأزمة هي أزمة سورية بامتياز وليست أزمة سويداء أو هجري فقط (رغم دوره الخطير) فلو أتيح لكثر من أمثال الهجري في سورية لفعلوا ذلك، وقبل أيام القى الشيخ غزال غزال الذي يتصدر المشهد العلوي – مع بعض الناشطين-  بيانا خطيرا ينذر بكارثة إن وجد صدى لدى أبناء الطائفة العلوية، فيما ناشطو الأكراد وبعض قياداتهم تمارس تحريضا ليس ضد السلطة الحاكمة بل ضد كل السوريين من أبناء الأكثرية، دون تمييز بين السلطة والأكثرية من السوريين، في محاولة لإحداث شرخ عميق، وربما آخرون يدفعون إلى المواجهة العسكرية للوصل إلى نقطة اللا عودة وبالطبع هذا ما ينتهجه أيضا العديد من الناشطين الآخرين، وكأنهم يريدون الحرب الأهلية حتى يثبتوا صحة وجهة نظرهم الخرقاء.

ويظهر عمق الأزمة السورية مع حجم التجييش الخطير من مؤيدي السلطة الهشة، وضدها من أطراف عدة في تكاتف لم يحدث أيام الثورة السورية ضد نظام الأسد، غير آبهين لا بوحدة سوريا ولا بالسلم الأهلي، بل شهدنا شخصيات تتبادل التهاني بتقسيم سوريا مقدما، في وقت يجب أن يبذل السوريون كل جهودهم من أجل وحدة وطنهم لا من أجل دماره، ما يحدث الآن تعميق الأزمة السورية، واستكمال لمشروع تدمير سوريا الذي بدأه حافظ الأسد وأكمله الوريث، ويستمر الآن بجهود من اعتبروا أنفسهم يوما ضد نظام الأسد.

دور السلطة

وضمن هذا الواقع السوري الخطير بات على السلطة أن لا تخضع لرغبات الهجري ومطالبه بتهجير سكان السويداء غير المرغوب بهم، ولا ببذل الجهود لتجهير مراكز إيواء للمهجرين، أو إرسال مساعدات غذائية للمحافظة المنكوبة، ولا بالاستقواء بالعشائر، وكأننا أمام (حشد شعبي  سوري)، ولا بالحصار، ولا بتبادل الاتهامات حول من يحاصر من، بل المطلوب بإلحاح شديد إعادة النظر بكل إجراءات السلطة خلال السبعة الأشهر الماضية، واتخاذ إجراءات سريعة توقف هذه الفوضى، فبناء الدولة يحتاج إلى رجال دولة وقادة وطنيون، يتحلون بالمسؤولية تجاه مستقبل هذه الدولة المنكوبة على جميع  المستويات، وبات مطلوبا من السلطة ضبط قواها العسكرية وتحويلها إلى جيش وأمن وطني حقيقي، والدعوة إلى مؤتمر حوار وطني واسع يؤسس لإعلان دستوري بمشاركة جميع السوريين، بعيدا عن الدعوات الانفصالية والمظلوميات الكاذبة،  فالسوريون جميعا ظلموا خلال حكم العائلة المجرمة، ورد الظلم للجميع يتطلب جهود الجميع ودستور يؤسس لدولة المواطنة والقانون ويحترم حقوق الإنسان بكل تفاصيلها.

زر الذهاب إلى الأعلى