فنون وآداب

مسلسل (السبع): دراما سورية الأسد والزمن الراكد والحارة المشوّهة

يحيل جمود الزمن هذا إلى «سورية الأسد» وركودها وأحقادها،

أحمد صلال*- العربي القديم

عادت الدراما السورية الرمضانية، في موسم 2025، بزخمٍ لافتٍ إلى واجهة الشاشات العربية ومنصات العرض الالكترونية، وصارت كما العادة شغلَ جمهور المتابعين والمعجبين، تاركةً في قلوبهم تشوّقاً لمتابعة تفاصيل أحداثها، وخبايا حكاياتها وأداء نجومها اللامعين بنظرهم.

المشكلات الإنتاجية في الأعوام السابقة، والتغير في توزع الأدوار وأسماء الكتاب بين كل عمل وآخر، والخلافات الشخصية بين المنتجين والمخرجين وكتّاب السيناريو لم تمنع صنّاع الدراما السورية الرمضانية، بل والمنتجين العرب أيضاً، من إهداء الجمهور باقة مسلسلات تنوعت هذا العام بين ما يسمّى “دراما البيئة الشامية”، والاجتماعي المعاصر، والتشويقي بنكهة بوليسية، مع الكوميدي الواقعي، وحتى السياسي

رهان غير رابح

وانعقدَ رهانُ الجميع على مسلسلات “البيئة الشامية” وفي مقدمتها العمل الدرامي (السبع إبن الجبل) التي حاول مخرجوها وكاتبو سيناريوهاتها أن يخرجوا من النمط القديم الذي تناولته أقلامُ النقد بقسوة بسبب خروجه في الأجزاء المتلاحقة عن جماليات البيئة الدمشقية، وعادات أهلها، وتقاليدهم الحقيقية، واتجهوا نحو حكاياتٍ يستندُ بعضُها إلى توثيقاتٍ قديمة لكنهم عالجوها بنصوصٍ تحمل طابعاً إنسانياً يلامس الناس أينما كانوا، مع فرجة بصرية معاصرة استفادت من تقنياتٍ سينمائية عالمية، ومدراء تصوير وإضاءة محترفين.

باسم ياخور: أداء متهافت وشخصية مكررة واستعراض فني وإنساني زائف (العربي القديم)

محاولة نسج أجواء سكشبيرية

كما في مسلسل “العربجي” (تأليف عثمان جحا، وإخراج سيف الدين سبيعي) يأتي مسلسل (السبع إبن الجبل)، والذي يقارب البيئة الشامية من حيث مهنة البطل باسم ياخور، هذه المرة يظهر ياخور قاطع طريق وقاتل بدم بارد، تقع امرأة في حبه لا يبادلها المشاعر، لازمة قتل الأب تسيطر على سلوكه وتوجهاته للحياة بين الأبيض والأسود وفي محاولة متعثرة لمقاربة أجواء سكشبيرية، يظهر البطل كمقياس قيمي وحضاري يتناقض تماماً مع حقيقة كونه يقوم بسرقة شقاء أعمار الناس والقتل والتشنيع بهم، يخلق في دربه تعقيداتٍ وصراعاتٍ يخوضها كبطلٍ ملحمي يواجه قدره، ويشاركه في البطولة كل من الفنان عبد المنعم عمايري وأمل عرفة وممثلين آخرين.

تشويه الواقع السوري

السيناريو والحوار لكل من رضا حامد وبشار مارديني؛ جاء على قدر من المباشرة “الفجة”، وتحديداً إن زادت عن حدها تعطي نتائج معاكسة وهذا ما حصل، فعلا”، السيناريو والحوار اعتمد على تشويه الواقع السوري من حيث تنافر أحداثها مع الوقائع التاريخية، بعض المواقف الرجولية والعنترية تنميط لسلوك أبناء الشام، و”الحرملك” و”السلملك” وخضوع النساء لأوامر الرجال. و لا حديث عن التطور الاجتماعي لدمشق وريفها، الحديث كل الحديث عن حارات مغلقة وعادات منقرضة وأنماط تفكير متخلفة، السيناريو تشبيحي من العيار الثقيل والمتعوب عليه ولكنه لا يمكن أن يخفي الشمس، تحت الشمس هذه ليست دمشق العريقة، حيث أن”الداية” تشارك بعملية خطف رضيع من أمه، طالما كانت الداية في البيئة الاجتماعية محط سر وإطمئنان أهل الحارة وهم يأتمنونها على دخول بيوتهم، هذا ما نشاهده قيم من حقبة نظام البعث وحكم الطائفة والتشوه الأخلاقي.

الحارة الدمشقية التي لا تتحرك كاميرا المخرج لاكتشاف أعماقها القيمية، ولا لتكون مساحة فنية لاستكشاف التطور الاجتماعي والثقافي والسياسي لدمشق وريفها؛ تبقى عصية على النسيان والتشويه حد الفضيحة والمهزلة التي بلغت مستوى الأخطاء الكبرى في الحوار والسيناريو. هذا ناهيك عن التجاهل وعدم الدراية بكل تفاصيل البيئة الشامية الواقعية القائمة في تلك الفترة، لا شيء عن المؤثرين من طلبة الجامعات وخريجوها، بعيداً عن القسم بالشوارب والضرب على الصدر، ظهر خطاب سياسي وطني إن صح التعبير. السيناريو والحوار يحيل إلى زمن جامد، قيمه وأخلاقه وعلاقته مع الناس، وهكذا المشهد تلو المشهد، الشخصيات تعبر عن أفكار ثابتة وليس أفراد لهم حيواتهم الخاصة. العدو فيه واضح والصديق بديهي والمخادع معروف منذ ظهوره الأول. يحيل جمود الزمن هذا إلى «سورية الأسد» وركودها وأحقادها، حيث يظل الخير خيراً تُعرفه وتحدد صفاته السلطوية الأبوية التي لا يمكن التشكيك في مصدر تسلطها ولا في سببه، والشر شرّا يمثله رقيب أبله يعمل في خدمة «الشر المطلق»، الأجنبي في مخفر تافه.

الخروج من الجلد

بدايةً أبدي رأي النقدي بدور الممثل السوري باسم ياخور في مسلسل (السبع إبن الجبل) المنافسة الدرامية القوية في الموسم الرمضاني الحالي التي يقول البعض إنها الأشرس والأكثر عنفاً، وأتحدث هنا عن توقعاتي حولها، فـ “الخروج من الجلد”، وعدم الوقوع في مقتل، يحتاجان إلى قرار يشبه قرار العقرب قبل أن يلدغ نفسه. هكذا أفكر بالأدوار التي يجب التأمل بها ملياً وطويلاً قبل الولوج فيها. ويجب أن يؤمن الفنان الممثل؛ بأن جميع الأبطال موجودون في الساحة، وبأن المحتوى النصي للدراما جريء وشيق بسبب وجود أزمات في المنطقة، وبأن السيناريوهات تحاكي الواقع وتضيء على مواجع الألم وموقعه في جسد المواطن التائه في وطنه. وبما أن جميع الأبطال متواجدون في ساحة الملعب، فإن البطل هو من يتميز بجدارة ويخرج من جلده كي لا يقع في التكرار المكشوف والمفضوح، أما المشاهد فأصبح حكماً “مربكاً”. وهذا ما يبدو باسم ياخور بعيدا عنه تماماُ.

ما يعيب الممثل السوري باسم ياخور، أيضاً، جرعة “الأوفر دوس الدرامي”، بحة الصوت تحديداً، كانت ظاهرة بخشونتها واصطناعها وافتعالها، وهذا يعطي نتائج عكسية إن زادت عن حدها، هذا الاستعراض الهوليودي البطيء، وخاصةً الحركات الزائدة عن اللزوم، واستعراض تفصيلات اهتمامه بكلب يرافقه دائماً… أما أمل عرفة وعبد المنعم عمايري فبالتأكيد أكثر اجتهادا ومقدرة من ياخور واستعراضاته الزائفة، لكن يبقى مجال إضافاتها الفنية محدودة قياسا لدراما المسلسل الفجة والمتهالكة والمعتدية على بيئة دمشق. 

__________________________________________

*صحافي وكاتب وناقد سوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى