فنون وآداب

فيلم "أيام الرصاص" لأيمن زيدان مؤلفا وممثلا ومخرجاً: السينما الأمنية المضادة

أحمد صلال ـ العربي القديم

يحاول”أيام الرصاص”وهو الفيلم الروائي الأول للفنان السوري أيمن زيدان اقتفاء دروب الوجع السوري من خلال شخصية محقق يستغنى عن خدماته فيتورط في الاعتراف بجريمة شرف لم يرتكبها.

بوستر الفيلم

جريمة شرف وأوهام أخرى

لم يكسر فيلم”أيام الرصاص”عزلة أفلام المؤسسة العامة للسينما التابعة للنظام، فقد أنتج بالتعاون بين مؤسسة السينما ومؤسسة (رواد ميديا) السعودية، لذلك يعتبر الفيلم السوري الأول، الذي يعرض في صالات المملكة العربية السعودية، الفيلم الذي أخرجه وأدى بطولته وكتبه أيمن زيدان بالتعاون مع السيناريست أحمد عدرا… وبتعاون إخراجي مع ابنه حازم زيدان الذي منحة دور بطولة في الفيلم المستباح إنتاجيا وفنياً.

تدور أحداثه حول شخصية محقق يحال على التقاعد بعد أن ترفض السلطات طلبه بتمديد خدماته، مما يترك ألماً ووجعاً وقهرا، وأشياء لا يمكن أن تمحى  آثارها، ورغبة بالتعويض عن  ذلك يعترف بجريمة “شرف” لم يرتكبها بحق ابنته الصغرى سلوى (دلع نادر) وعشيقها أحمد السعيد (عبد الفتاح المزين)، ومع أننا نعرف فيما بعد أنه ليس القاتل، لكن جريمة الشرف التي يعتقد (أبو جمال) أيمن زيدان، أنه يغسل بها العار الذي لحق به، تبقى جزءا من دراما الفيلم تفتح خطوطه ومساراته.

الحادثة الرئيسية العتبة البصرية الأولى، والذي فشل الفيلم في تقديمها بشكل مؤثر مع مشهد “باهت” سينمائياً، رجل في العقد السادس من العمر يرمي مقذوف طلقات مسدسه الحربي في مياه بحيرة ثم يركب سيارته مغادراً المكان. بعدها من خلال عدة استعادات، وعبر لعب غير ماهر بالمونتاج، يحاول الشريط البصري لاهثاً تقديم الشخصيات وتشريح العلاقات التي تربطهم ببعضهم.

يقدم الشريط البصري عائلتين على طرفي نقيض، حيث السلطة والثروة. الأولى هي عائلة أبو جمال المحقق المتقاعد وهو أب لأربع بنات يعولهم بالإضافة لأرملة إبنه الوحيد (كريس الأحمر) وطفلها الصغير ومن خلال البصري نعرف أن ابنه الوحيد لقى حافه في تفجير. بينما العائلة الثانية هي عائلة رجل الأعمال أحمد السعيد ويملك ثروة طائلة من المال والعقارات، بينما هو الآخر بدوره يعيش وجع تبديد ثروته بسبب سوء تدبير ابنه مؤيد (حازم زيدان) بينما الطبيبة (لمى بدور) تقف موقف الحائر بين أبيها وأخيها الأرعن. الأب الذي يدمن الموسيقى الكلاسيكية وسماع الاسطوانات يقتل في بيته الريفي المعزول وعلى يد ابنه الذي غرق في حياة اللهو والمجون والمخدرات، ويقتل معه حبيبته التي التجأت إليه، إثر جرعة زائدة من المخدرات.

عرس الدم السوري

بعد أن تصاعدت الاحتجاجات الشعبية المناهضة لنظام الأسد الوراثي المجرم، لجأت المؤسسة العامة للسينما إلى تشكيل”سينما مضادة” تحمل القليل من الإدانة والتنديد والكثير من التأييد المطلق، لإثبات شرعيته المترنحة قواها، وفيلم”أيام الرصاص” يأتي في هذا السياق معاكساً لسينما الثورة السورية… حيث العنف المنفلت مجهول التبعية، الدولة غير مسؤولة عنه، والأحداث تفجرت في تلقاء نفسها، والمشكلة في مجتمع متخلف مازال يلوك مفاهيم كجرائم الشرف وسواها.

من رحم الحرب السورية التي تأسست على حلم السوريين بالتغيير، ينسج المخرج والمؤلف والممثل السوري أيمن زيدان، أول أفلامه الروائية الطويلة”أيام الرصاص” بانتهازية قذرة تناسب مشواره الموصوف في لعق أحذية الطغاة وتمجيدهم والدفاع عن جرائمهم في المنابر وتسفيه أحلام الناس وحقها في الحرية والكرامة.

فالثورة السورية التي أندلعت شرارتها بداية عام 2011، لا ينضب معين أنبائها على الدوام والاستمرار، مما يجعلها وجبة شهية، تلهم أحداثها ومعانيها ثراء مائدة صناع الأفلام الحقيقيين، بكل ما تملكه من زخم تاريخي وسياسي لا حد لاتساعه… بينما يقف أيمن زيدان في المقلب الآخر، ليقدم فناً مضللاً، وممالئاً للطغاة، وخارج اللحظة التاريخية.

من زواية غير بعيدة المنشأ، يطرق الفيلم درباً مأهول، وهنا الآن؛ فشل الشريط البصري في تقديم وجبة جديدة وشهية، إذ يتتبع الفيلم، حياة أناس يموتون في ظروف طبيعية ويحبون ويكرهون ويفرحون ويبكون، ويملكون كل مقومات الرفاهية البصرية السيولوجي والسكيلوجي. وهذه الشخصيات التي تنتمي إلى زواية ضيقية في المجتمع، بينما السواد الأعظم يبقى الهامش، الصورة الحقيقية للحرب السورية، الحرب التي افتعل فيها إخوة الهوية أبشع مشهد دموي فكتبوا بالمجازر  عرس الدم السوري… تبقى بعيدة تماماً، حيث يلوك أيمن زيدان فنه المزور.

 وبهذا الفحص الضيق، لا يكشف الفيلم عن الروايات المتدوالة عن النظام الطائفي الشمولي، وتتكشف الأحداث عن ذلك، ويفشل الفيلم في العمق في تشكيل جوهر ومضمون عن عرس الدم السوري الذي يرقص على إيقاع قطع الرؤوس على الهوية وصواريخ السكود وحصار التجويع والبراميل المتفجرة حيث رفاهية الموت بعيدة المنال، مثلما هي في الشريط البصري. فيبدو غير مهموم بالتأثير المباشر وغير المباشر بالديكاتورية العسكرية والسياسية، حيث الخوف مشاعر تمتلك وتحتل كل المساحة النفسية، قصة جذابة بالتأكيد لماكينة الدراما الأمنية حيث الفشل يكمن في أسلوب التعبير ولم ينجح السياق العام في إيصال هوية الفكرة.

التمثيل المفتعل والحضور العائلي

يقف أيمن زيدان كاتباً وممثلا ومخرجاً يقف أمام الكاميرا ناظراً لنفسه أمام نفسه، وكأن لا ممثل آخر يقف أمامه، ويقتدي الممثلون الآخرون بالبطل الأوحد في كل شيء من التمثيل إلى الكتابة والإخراج، فهو الفيلم كله… وكأن السينما باتت تجربة فردية لإبراز مواهب زيدان المتعددة والمتبددة. ووفقاً لاستجابة الجمهور، يبدو غير قادر على تقديم لغة جسد وتلاعب بصري بانتباه الجمهور، فأداءه المترهل والخالي من صدق الانفعالات وحرفية الأداء، يفشل في شكل رئيس في تقديم شخصية متماسكة ذات أفكار ومشاعر وحياة داخلية، ويحل مكانها ما يمكن أن نسميه “التمثيل الانفعالي” الخاضع لقاعدة الشذرات التمثيلية، ناهيك عن غياب قدرة الممثل على تحليل الشخصية، والارتجال غائب لصالح السيناريو كلمة بكلمة، ولا يمكن الحديث عن توافر مناجاة الذات التمثيلية، مما لا يتناسب هذا كله في تقديم شخصية سينمائية مقنعة، ويمكنني القول؛ لا تقنيات داخلية وخارجية لزيدان، الأمور التي لا تمكنه من بلوغ الحقيقة في المشهد، وكل ذلك؛ يجعله فنان بالفطرة وكل ذلك لا يعتمد عليه في كل الأحيان، لصالح غياب أسس أولية في فن الممثل والتمثيل، الجانب الخارجي وحده يحضر في الشخصية الجانب الذي يعتمد على التقنية، وحضور الكثير من التمثيل المفتعل، وهو ما يعتمد عليه”الهواة”في كثير من الأحيان. بينما نسجل غياب الطريقة الفنية التي تعتبر عن الصدق في التمثيل.

طبعا لا يمكن أن ننسى الحضور العائلي في مشاريع أيمن زيدان الفنية المؤسسة على الوساطات والمحسوبيات… فهنا دور رئيس لابنه بسماجة فنية يباركها الأب المخرج، وأدوار انتاجية أو كومبارسية لأشقائه.. وحضور كارثي لعائلة جعلت الفن مهنة وامتهانا.

زر الذهاب إلى الأعلى