السبت الأسود.. سوريا على مفترق طرق
يحاول الهجري حرق كل المراكب لإحداث قطيعة بين أهل السويداء والوطن الأم للوصول إلى نقطة اللاعودة

أسامة المصري – العربي القديم
فوجئ السوريون يوم السبت 16 آب، بحالة فريدة في التاريخ السوري، بتجمع الآلاف في مدينة ذات تاريخ وطني عريق، يطالبون بالانضمام إلى إسرائيل ويلقون الخطابات ويرددون الهتافات وتتصدر صورة رجل الدين حكمت الهجري الذي يقود هذه الحالة الشاذة، التي لا تريد بالوطن السوري خيرا.
خلال الأيام التي سبقت ذلك السبت الأسود كان هناك تصعيدا واضحا من قبل رئيس وزراء إسرائيل بينيامين نتنياهو في حديثه عن إسرائيل الكبرى متقمصا شخصية المسيح المنتظر، بالتزامن خرج رجل الدين الدرزي مروان كيوان بتصريحات لتلفزيون إسرائيلي يعتبر الدروز جزء من إسرائيل الكبرى بل العظمى، فيما قناة المشهد أفسحت المجال للمحامي فراس الشوفي للحديث عن انفصال واستقلال السويداء وحق تقرير المصير لأهلها، فيما يتصدر المشهد الإعلامي على وسائل التواصل الاجتماعي الذباب الالكتروني والذي يحاول ترسيخ واقع انفصال السويداء عن الوطن الأم، والمفارقة أنه وبينما الإسرائيليين يتظاهرون ضد نتنياهو وحكومته الإجرامية، يشيد رجال دين دروز بنتنياهو.
إحداث القطيعة
بغض النظر عن المآلات حول انفصال السويداء والأحلام الهجرية التي بات واضحا أنها متناغمة مع إسرائيل، كما عبّر كيوان، وهو أحد أدوات أو أذرع الهجري الدينية والتي تتمتع بنفوذ بين الميليشيات، نرى أيضا حزب اللواء الذراع الإسرائيلية في السويداء، والذي كان منبوذا من قبل أهل السويداء، وحتى الهجري نفسه لم يجرؤ على التعاطي معه زمن النظام البائد، لكن بعد سقوط النظام عاد ذراعه العسكري للظهور من خلال تحالفه مع ميليشيات تابعة للهجري وحضور بعض أعضاؤه كضيوف دائمين على مضافة الهجري.
يحاول الهجري حرق كل المراكب لإحداث قطيعة بين أهل السويداء والوطن الأم للوصول إلى نقطة اللاعودة، وهذا بدا واضحا من حجم التصعيد ومناصبة العداء للسلطة، واعتبارها تمثل الأكثرية السورية الداعشية، وبات واضحا من تسلسل الأحداث منذ سقوط النظام البائد، أن ما يجري ليس ردود أفعال على سلوك السلطة التي تتحمل مسؤولية كبيرة عما جرى في السويداء، لكن هذا التناغم بين التصريحات الإسرائيلية وبعض الزعامات الدينية وغير الدينية، تظهر أن المسألة ليست ردود أفعال على السلطة، فقد نوه ناشطون بعيدون عن سلطة الهجري، أنه من الممكن أن يكون الهجري قد أصدر ما يعرف بـ (الحرم ) بمعنى قرار بتحريم التعامل مع (السلطة) أو (الآخر) وهذا أمر ديني لا يستطيع أي شخص درزي متدين أو غير متدين عدم الالتزام به، إضافة إلى اتباع سياسة التخوين وهدر الدماء لأي شخص تسول له نفسه معارضة الهجري، وهذا ما يفسر الصمت المطلق لأي صوت حر في السويداء وحتى الذين في الخارج اضطروا لتغيير خطاباتهم ولم نر سوى أصوات قليلة تعارض سياسة الهجري، بشكل علني، إن ما يقوم به الهجري يمكن وصفه باختطاف سكان محافظة بأكملها وسرقة جزء من تراب الوطن.
الذراع الأوجلاني
بالتزامن فإن قوات سوريا الديموقراطية “قسد” أيضا تعمل بنفس الأجندة بمصادرة القرار الكردي، وفرض إرادتها بالسلاح منذ سيطرتها على المناطق ذات التواجد الكردي الكثيف، فيما قادتها يعملون بدون كلل لترسيخ مسألتين، الأولى فرض أمر واقع تقسيمي، وكان مؤتمر الحسكة نقطة الانطلاق، والثانية هي ترسيخ تحالف أقليات بزعامتها وهذا أيضا واضح من نشاط الذباب الالكتروني، لترسيخ واقع تقسيمي ذهنيا، وبالطبع “قسد” التي تتكون من حزب العمال الكردستاني بشكل رئيسي، فبعد إعلان عبدالله اوجلان حل الحزب والقاء السلاح، شهد تدفق لعناصر الكردستاني من العراق إلى سوريا، تريد “قسد” أن تتمسك بالسلاح تحت مسمى “قسد” وتبقى الذراع الأوجلاني في سوريا، وهذا ما يبدو واضحا من حجم الولاء لأوجلان وظهور رايات حزب العمال وصور أوجلان في جميع الفاعليات والسياسية والعسكرية.
فخ المواجهة
وكما أوقع الهجري السلطة في فخ المواجهة العسكرية التي نتج عنها مظلومية جديدة نتيجة الانتهاكات والجرائم التي ارتكبتها الميليشيات الموالية للسلطة، والتي عمقت الشرخ بين أهل السويداء والأكثرية السورية، – فالهجري واتباعه لا يفرقون بين السلطة والأكثرية السورية – وهذا بالفعل ما جعله يقطع شوطا مهما على طريق تحقيق أجندته كما يتخيل، أقول كما يتخيل لأن هناك عوامل إقليمية ودولية حاضرة في هذا الملف وكل الملف السوري، فعلى سبيل المثال سقوط نتنياهو واليمين المتطرف في إسرائيل قد يغير قواعد اللعبة، بما فيها لعبة الهجري وبالطبع هذا أمر بات أقرب للتحقق مع تعقد الوضع الداخلي الاسرائيلي المتشابك مع حرب غزة، والقضية الفلسطينية والرأي العام الدولي، الذاهب إلى حل الدولتين والاعتراف بدولة فلسطين.
قادة الظل
اليوم يلجا قادة “قسد” الموجودون في المقدمة، وفي الظل، لنفس طريق الهجري لإشعال حرب ولو كانت محدودة مع السلطة وتوابعها من العشائر، والدفع بارتكاب انتهاكات جسيمة بما فيه التهجير القسري والقتل العشوائي، كما حدث في السويداء لتعميق الشرخ بين الأكراد والاكثرية السورية، وبالتوازي يحاول قادة الظل منذ عدة شهور التحشيد لخلق تحالف أقليات بقيادة “قسد”، في محاولة لترسيخ فكرة (الأكثرية السورية شيطانية وداعشية) والتي لا يمكن العيش معها وبالتالي من الطبيعي أن يحصل التقسيم، في هذا السيناريو “القسدي” أهمل قادة “قسد” العامل الخارجي والذي قد يفسد اللعبة، لكن مع احتمال أن تذهب سوريا إلى حرب مدمرة جديدة مع اختلاف اللاعبين وبالطبع الفقراء يموتون وأمراء الحرب يتربعون عروش من الجماجم والدولارات.
خيارات محدودة
أعتقد أن خيارات السلطة باتت جدا محدودة فـ “قسد” والهجري رفعوا من سقف مطالبهم، التي إن وافقت السلطة عليها فهي ستكون شريكة بالتقسيم، أو بوضع حجر الأساس للتقسيم، وإن لم توافق السلطة على شروط (الهجرقسدية) بالتأكيد نحن أمام خيارين الأول استمرار الوضع كما هو وبالتالي واقع تقسيمي، والخيار الثاني المواجهة العسكرية، في الحالة الأولى حجر الأساس قد وضع، والزمن قادر على تثبيت التقسيم، وفي الحالة الثانية حتى لو انتصرت السلطة فإن سوريا الجديدة ستكون قديمة جدا وقد لا يتوقف القتل لسنوات.
توماس باراك
الدور الأمريكي الممثل بالمبعوث توماس باراك يبدو أنه لإدارة الأزمة وليس البحث عن حل لها، ويبدو أنه ليس بوارد الخوض أكثر في عمق الأزمة السورية، بل ربما يساعد على خلق أزمات جديدة، إن لم نقل حروبا، ولو كانت أمريكا بالفعل تريد الخير لسوريا لكان اقترنت أقوال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأفعال جدية على الأرض، وكف التدخل الاسرائيلي ويد نتنياهو عن سوريا، رغم أن هذا التدخل بالأساس لحسابات داخلية ومحاولة خلق فوضى في سوريا والمنطقة، ليستمر بدور “الشرطي والبطل التوراتي” الذي يحمي إسرائيل من الإرهاب المفترض، وفي حال كان الرئيس ترامب جادا في إعادة الاستقرار إلى سوريا، فإن إعادة نتنياهو إلى داخل حدوده يجرد الهجري وأتباعه من هذا الحلم والوهم، ويعيدهم إلى الواقع الذي لا بد من التعامل معه وحل مشاكل السويداء ضمن الإطار الوطني وهذا أيضا ما ينطبق على “قسد”.
الدور العربي
من جهة أخرى فإن الدور العربي غائب كليا عن المشهد السوري، والحضور التركي لن يكون يوما لمصلحة سوريا المستقبل، وسواء بدت أنها تردع إسرائيل أو تساعد السلطة السورية بمواجهة “قسد” فدورها بالملف الكردي يرفضه الأكراد كونها دولة ليست حيادية تجاه قضيتهم، بل معادية لهم، وكذلك من السذاجة أن ترى السلطة أن تركيا ستحميها من التدخلات الإسرائيلية، فتركيا تبحث عن نفوذ في سوريا لخدمة مصالحها ليس أكثر، والتعويل على الدور التركي كما التعويل على الدور الإسرائيلي، وبات مطلوبا من الجامعة العربية تغيير أمينها النائم طوال فترة وجوده في هذا المنصب، وإنتخاب أمين عام مخضرم لا يتبع للسلطة المصرية، يكون حاضرا في أزمات سوريا وتقديم المساعدة عبر تشكيل لجان متخصصة لحل المشاكل السورية العميقة والخطيرة، فيما لا بد من الإشارة إلى ضرورة ابعاد المبعوث الأممي غير بيدرسون الذي يجب أن يحال إلى التقاعد هو والقرار 2254 سيء الصيت، فكلاهما من تركة نظام الأسد، ومن المهم أن يكون للمملكة العربية السعودية دور أكبر في الملف السوري وبناء الدولة وتحقيق السلام، وأن ترسل المملكة مبعوثا خاصا إلى سوريا، فالسلطة السورية تحتاج إلى مساعدة كما الأطراف الأخرى وهذه ضرورة ملحة، والعمل على عقد مؤتمر يجمع شخصيات وطنية، ترسم ملامح مستقبل سويا بعقد اجتماعي جديد، والحيلولة دون وقوع أحداث كارثية مستقبلا.