دلالات طلب حل تنظيم الإخوان المسلمين في سوريا
ليس مجرد نهاية لتنظيم سياسي، بل هو نهاية رمزية لصراع تاريخي

عدي شيخ صالح – العربي القديم
حين أعلن المستشار الإعلامي للرئيس السوري أحمد الشرع أن الحكومة قررت حل تنظيم الإخوان المسلمين، بدا الأمر وكأنه لحظة تتجاوز البعد الإداري البسيط لتدخل في سياق رمزي أعمق بكثير. فهذا القرار لم يأتِ في فراغ، بل جاء في مواجهة إرث طويل من الصراعات التي طبعت تاريخ سوريا الحديث، حيث كان تنظيم الإخوان في صدام دموي مع سلطة البعث التي حكمت البلاد لعقود. ومع أن البعث قد سقط برحيل الأسد، إلا أن ذكرى المواجهات التي شهدتها المدن السورية في الثمانينيات وما خلفته من جراح ما تزال حاضرة في الوعي الجمعي للسوريين، وكأنها ظلّ ثقيل يطارد أي محاولة لبناء مستقبل جديد.
من هنا يمكن قراءة قرار حل الإخوان باعتباره إعلانًا غير مباشر عن طي صفحة كاملة من ذلك التاريخ المأزوم، صفحة ظلّت معلّقة بين بعثٍ انهار كسلطة وإخوانٍ ظلوا يلوّحون بوجودهم كتنظيم عقائدي يزعم تمثيل شريحة واسعة. فالحكومة الجديدة لا تريد لهذا الصراع أن يبقى جزءًا من معادلة الحاضر، ولا أن يتحول إلى ميراث يُعاد إنتاجه في سياقات مختلفة. إنها خطوة للتأكيد على أن الزمن تغيّر، وأن سوريا لم تعد حلبة لتصفية حسابات الماضي.
ولم يكن تصريح الرئيس أحمد الشرع بأن حكومته ليست امتدادًا لأي تنظيم جهادي أو للإخوان المسلمين، وليست نسخة من ثورات الربيع العربي، مجرد توضيح سياسي، بل كان رسمًا متعمّدًا لحدود الهوية الجديدة للدولة. فالقول بعدم الانتماء إلى تلك المرجعيات الثلاث يهدف إلى تثبيت سردية مختلفة: سوريا الجديدة لا تُدار بمنطق البعث الذي صادر الدولة باسم الحزب، ولا بمنطق الإسلام السياسي الذي حاول أن يقدم نفسه بديلاً دينيًا، ولا حتى بمنطق الثورات العربية التي بدت في أعين الكثيرين غير قادرة على إنتاج نموذج مستقر. إنها محاولة لتأسيس سردية وطنية مستقلة، تُستمد شرعيتها من فكرة الدولة السورية ذاتها، لا من تقليد أيديولوجي أو تجربة خارجية.
إن هذا الموقف، وإن بدا للوهلة الأولى قرارًا ضد تنظيم بعينه، فإنه في العمق إعلان عن ميلاد شرعية من نوع آخر. الشرعية القديمة كانت تقوم على الحزب الحاكم الذي يختزل الوطن في ذاته، أو على المعارضة التي تطرح نفسها بديلاً أيديولوجيًا، أو على شعارات ثورية لم تستطع أن تُترجم إلى بناء دولة. أما الشرعية الجديدة فهي تقوم على الوطنية الجامعة، حيث تكون سوريا إطارًا مشتركًا يضم جميع مواطنيها دون استثناء، بعيدًا عن الانتماءات العقائدية المغلقة. وبذلك يتحول حل الإخوان من مجرد إلغاء لتنظيم سياسي إلى إعلان عن لحظة تأسيسية تريد أن تقول إن الماضي انتهى، وإن المستقبل لا يمكن أن يُبنى إلا على قاعدة الانتماء إلى الوطن وحده.
وبينما قد يراها البعض خطوة إقصائية، فإنها في جوهرها تبدو محاولة لفتح الباب أمام اندماج كل الأفراد، بمن فيهم من ينتمون إلى ذلك التيار، في مشروع وطني لا مكان فيه لتنظيمات عقائدية تحتكر التمثيل. إنها ليست إدانة للناس بقدر ما هي دعوة للخروج من القوالب القديمة. وهكذا يصبح القرار رسالة مزدوجة: رسالة للداخل بأن زمن الاستقطاب الدموي قد ولّى، ورسالة للخارج بأن سوريا الجديدة لا تحمل بصمات الإسلام السياسي ولا أشباح البعث، ولا تستنسخ تجارب غيرها، بل تحاول أن ترسم لنفسها هوية خاصة تعيد للدولة معناها الوطني.
بهذا المعنى، فإن قرار حل تنظيم الإخوان المسلمين ليس مجرد نهاية لتنظيم سياسي، بل هو نهاية رمزية لصراع تاريخي، وإعلان عن بداية مرحلة تسعى فيها سوريا إلى تجاوز انقساماتها القديمة وبناء دولة جديدة على أسس مغايرة، دولة لا بعثية ولا إخوانية ولا جهادية ولا مستعارة من ربيع عربي، بل دولة تبحث عن ملامحها في الوطنية السورية وحدها.