إنجازات الدبلوماسية السورية: من العزلة إلى منبر الأمم المتحدة
بعد عقود من الانحياز للمعسكر الاشتراكي في عهد حافظ وبشار الأسد، بدأت سوريا خطوات تدريجية نحو الانفتاح على الغرب

خليل البطران – العربي القديم
بعد سنوات من العزلة الطويلة، نجحت سوريا في استعادة حضورها في الساحة العربية والإسلامية. جهود دبلوماسية متواصلة أعادت بناء الثقة مع الدول الشقيقة، وفتحت أبواب الحوارات السياسية والاقتصادية، بما عزز موقع دمشق الإقليمي.
العودة إلى المحيط العربي والإسلامي
من أبرز إنجازات هذه المرحلة عودة سوريا إلى الجامعة العربية بعد فترة انقطاع طويلة، واستعادة مقعدها الرسمي في الهيئات العربية الأخرى، مما أكد مكانة سوريا كفاعل أساسي في صنع القرار الإقليمي وشريك مؤسس في الجامعة العربية، لدى تأسيسها في القاهرة عام 1945
الانفتاح على المعسكر الغربي
بعد عقود من الانحياز للمعسكر الاشتراكي في عهد حافظ وبشار الأسد، بدأت سوريا خطوات تدريجية نحو الانفتاح على الدول الغربية. هذه السياسة سمحت ببدء حوارات سياسية واقتصادية جديدة، وتحسين صورة الدولة السورية أمام المجتمع الدولي، دون التنازل عن مصالحها الاستراتيجية.
إنهاء التوترات مع تركيا
مما لاشك فيه أن إسقاط نظام الأسد شكل انتصارا لتركيا التي كانت تعيش توترات مزمنة مع النظام البائد، وقد حققت الدبلوماسية السورية الجديدة نجاحات ملموسة في ترسيخ هذه الروح الإيجابية في العلاقة بين الجارتين وفي تهدئة التوترات مع تركيا، عبر اتفاقات وإجراءات مشتركة حول الحدود، الأمن، وملفات اللاجئين. هذه الخطوة أسهمت في تقليص المخاطر على استقرار البلاد، وفتحت الباب لمزيد من التعاون الإقليمي.
الجولات الدبلوماسية المكوكية
بعد وصول حكومة أحمد الشرع إلى الحكم في سوريا، قامت دمشق بالعديد من الجولات الدبلوماسية المكثفة والزيارات الهامة إلى الرياض، الدوحة، إسطنبول، باريس، ونيويورك. هدفت هذه الجولات إلى تعزيز العلاقات الثنائية، بناء شبكة دعم إقليمي ودولي، وتمهيد الطريق للخطاب المرتقب في الأمم المتحدة كرمز لعودة سوريا إلى المنابر الدولية بعد أكثر من 58 عاماً على آخر خطاب لرئيس سوري على منبر الأمم المتحدة.
استعادة البعثات الدبلوماسية في الخارج
من بين أبرز الإنجازات الدبلوماسية السورية إعادة فتح السفارة السورية في الولايات المتحدة الأمريكية بعد انقطاع طويل… ناهيك عن العمل المستمر على إعادة هيكلة باقي السفارات التي مازال معظمها يحمل تركة النظام البائد، ويحمل بصماته في اختيار السفراء بناء على معايير غير ديبلوماسية بالمرة!
احتواء الصراع مع إسرائيل
رغم الاستفزازات والاعتداءات الإسرائيلية الوقحة على الأراضي السورية والتي بدأت منذ الأيام الأولى لفرار الديكتاتور الهارب، نجحت سوريا في إدارة ملف العدو الإسرائيلي عبر تفاهمات أمنية وبرعاية أمريكية، أعادت الاستقرار الجزئي على الحدود الشمالية والجنوبية، وأبقت الأزمات تحت السيطرة، دون الانزلاق في صراع مفتوح.
الحفاظ على الاستقرار الداخلي
بعد وصول حكومة الشرع، تمكنت القيادة من توحيد الفصائل المسلحة وتحويلها إلى جيش موحد تحت وزارة الدفاع، مع احتواء تحديات السويداء والجزيرة السورية، مما أبعد شبح الحرب الأهلية وأعطى الدولة مساحة لتعزيز الشرعية الداخلية.
كما نجحت الحكومة في احتواء انقلاب من فلول النظام في الساحل السوري، الذي كان يسعى لجر الدولة إلى حرب طائفية، وصدّت محاولات مماثلة في السويداء، حيث حاولت بعض القوى بقيادة الشيخ حكمت الهجري طلب تدخل دولي تحت الفصل السابع، مدعية وجود عمليات تطهير عرقي. الحكومة السورية، بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية، لم تتدخل في هذا الصراع بين ميليشيات الهجري وعشائر البدو، ونجحت بذلك في منع تصعيد داخلي كبير واحتواء التوترات الطائفية.
إضافة إلى ذلك، تم توقيع اتفاق 10 آذار بين الحكومة السورية بقيادة أحمد الشرع وقائد ميليشيا قوات قسد مظلوم عبدي، والذي نجحت الحكومة من خلاله في تأجيل صراع محتوم مع قوات قسد التي تحظى بالحماية الأمريكية. هذا الاتفاق لم يكن هدفه العسكري، بل أظهر الحكومة السورية كحكومة منفتحة تميل إلى الحلول السلمية والدبلوماسية، وتجتنب التصعيد، مما يرفع من أسهمها لدى الولايات المتحدة، ويعزز القبول الشعبي لدى كافة المكونات السورية، وتقدّم نفسها كحكومة وطنية تمثل الجميع، وليست حكومة لفئة أو لون واحد، أمام المجتمع الدولي.
خاتمة: من العزلة إلى المنبر الدولي
إنجازات الدبلوماسية السورية بقيادة أحمد الشرع تعكس قدرة دمشق على الانتقال من عزلة خانقة إلى منصة دولية تعترف بها، وتحافظ فيها على مصالحها الداخلية والإقليمية. الخطاب الذي ألقاه الشرع في الأمم المتحدة بلغة واضحة، مكثفة، مطمئنة، جاء تتويجًا لهذه الجهود، وأكد على ثوابت السياسة السورية الجديدة وقدم دليلاً على تحول سوريا إلى لاعب مؤثر في الساحة الإقليمية والدولية.