من الفصائل إلى قسد: الجيش والقوات المسلحة ومعضلة الدمج
الدمج كلمة مبهمة مطاطة تشدّها وتُرخيها أجواء السياسة والتدخلات الخارجية بأنواعها عدا عن شروخ وطنية بعضها لا مبرر له

مصعب الجندي – العربي القديم
القوات المسلحة، ذاك الأرق الدائم الأليم منذ اللحظات الأولى لتورطه في السياسة ومروره بمراحل بعضها فرضتها الظروف والأحداث أدّت إلى انتقاله من جيش وطن إلى جيش سلطة، وأخرها عصابة سلطة وقتل، وتفسخه حتى انهياره الكامل عام 2015 وخضوعه لسيطرة الفارسي بحقده المزدوج (العرقي والطائفي) فضلا عن سيطرة الروسي.
كنّا نأمل مع بداية الثورة وانشقاق رجاله الشرفاء أن يكون هو البنيان الإداري المنظم الذي يعاد تشكيله ليكون العمود الفقري لما يُطلق عليه (اليوم التالي)، وأتجنب هنا تبيان الأسباب التي منعته من ذلك حتى لا ندخل في نقاشات لا طائل منها سوى تكرار انحرافنا عمّا نسعى إليه لبناء دولة عصرية متماسكة الأركان.
منذ اليوم الأول لسقوط النظام ويدور السجال في جميع دوائره داخل سوريا وخارجها وحتى في الهيكلية الرئيسية لقوات ردع العدوان، سجال حول دمج الفصائل يخفي ويختصر في طياته المخاوف من عودة طقوس تبادل الطلقات والموت بأشكال وصور تختلف عن سابقاتها ظهرت بعض نماذجها كتوترات وصدامات محدودة منخفضة الوتيرة إلى متوسطة وأصبح الواجب الأخلاقي والوطني تجنبها حتى التخلص منها نهائياً.
الجيش ركن أساسي في بناء الدولة التي نريد ونحلم، أتطرق للبحث فيه مع تكرار كلمة الدمج ووضعها ضمن حالة التنفيذ مع قوات قسد التي أصبحت أمراً واقعاً، بعد صنع داعش المقصود من واحدة من زوايا التاريخ المظلمة المنسية. والدمج: كلمة مبهمة مطاطة تشدّها وتُرخيها أجواء السياسة والتدخلات الخارجية بأنواعها عدا عن شروخ وطنية بعضها لا مبرر له لوجود بندقية منفلتة إلا العقائد ذوات الأفق المغلق التي تخلق عدم الثقة. وعلى الرغم من ضبابية المفاوضات مع الشكّ بعدم جديتها بين الأطراف والوسطاء التي لا يظهر من نتائجها إلا قليل من تصريحات مع ابتسامات إلا أنني أحاول توضيح نقاط يجب الانتباه إليها مع احترامي لكل من يصفني بالمُخطئ.
أولاً: أولى أسس بناء قوات مسلحة أو نجاح دمجها كما يجري اليوم، وهو وحدة القيادة والسيطرة في التسلسل التنظيمي والقيادة العسكرية لها وهل يخضع لمركزية الدولة أو لا مركزيتها مع التوضيح: الجيش لا يكون إلا مركزي لأنه من الحالات السيادية للدولة مع إمكانية تأجيل الإجابة على التساؤل هو كيفية خضوع تحريكه للقيادة السياسية في الدولة المرتجاة؟ لما بعد المرحلة الانتقالية لأنه يقع ضمن اكتمال المنظومة الإدارية والدستورية للدولة، أما وحدة القيادة والسيطرة يجب العمل عليها مكتملة الآن وفي مرحلة التفاوض والتنفيذ أو سيصبح الدمج لاحقاً مجرد (خلطة سلطة) لا قيمة له وعقبة في تحقيق (الدولة/الوطن/الإنسان).
ثانياً: البنية العقائدية للقوات المسلحة ترتبط بأهداف تأسيسها وما هو المطلوب منها في الواقع الراهن والمستقبل بعيده والقريب مع انسجامها وفق الإمكانات المتاحة، لكن شرطها الأول وطنيتها وحياديتها مع جميع أبناء الوطن، وللأمانة العلمية هنا يصعب الوصول للحيادية في هذه المرحلة إلا من خلال الانتشار والمهام الموكلة يترافق ذلك مع خطة بنائية لقوات مسلحة جديدة مختلفة عن كل ما سبق.
ثالثاً: أول معنى إداري للجيش هو الانتشار، وبالنسبة لسوريا يعتبر تحقيق انتشار متوازن عامل قوة لتحقيق الدمج، وللعلم هنا سوريا بسبب طبيعتها الجغرافية وحدودها الطولة بإمكانها استيعاب بين قوات نظامية وشبه نظامية من 250 إلى 300 ألف عنصر وضابط وصف ضابط ويكون انتشاراً متوازن ويحقق أهداف الدمج والمهام.
أخيراً: للأصدقاء وغيرهم، لا يحيط مقال صغير في موقع يتعلق بأمر حساس ومفصلي كجيش بجميع النقاط وتبقى الكثير من التفاصيل التي أجد نفسي مجبراً تركها وتأجيلها لشيطاني، لذلك لا مانع عندي أن يستفيد منها الجميع، لكن حذار الخطأ هنا بالتأويل والتحوير جسيم ….