الرأي العام

باحث يعاند الأدلة: حين ينكر سمير سعيفان طائفية الأسد واستهدافه للسّنة

الاعتراف بمأساة الأكثرية السُّنّية في سوريا... مدخل لبناء دولة المواطنة

فراس حاج يحيى*-  العربي القديم

يحاول الباحث والكاتب  سمير سعيفان في مقاله المعنون  «هل استهدف نظام الأسد السنّة؟»  المنشور في صحيفة العربي الجديد بتاريخ 10 أكتوبر2025  أن يقدّم مقاربة عقلانية تفصل بين الاستبداد السياسي والطائفية، معتبرًا أن نظام الأسد مارس القمع ضد خصومه بغضّ النظر عن انتمائهم الديني .
غير أن هذا الطرح، رغم اتساقه المنهجي، يتجاهل بنية السلطة في سوريا منذ عام 1970، كما  يعلمها معظم السوريين وبخاصة أولئك الذين عملوا في الميدان العام والهياكل الحكومية والمؤسسات البحثية والسيد سعيفان آحدهم، وكما توثّقها دراسات متعددة منها أعمال الباحث محمد مرعي مرعي)، وورقة تمام أبو الخير حول «علونة الدولة والمجتمع»، ودراسة مروان عبد الرزاق عن «النظام السوري بين الطائفية والشمولية (1963–2000)».

سمير سعيفان: بقيت مناطق عرب سنة أخرى واسعة خلال الثورة لم تشارك في التظاهر، وبقيت أقرب إلى النظام ولم يمسّها الأسد بأي سوء

هذه الدراسات، مجتمعة، تكشف أن نظام الأسد كان نظامًا طائفيًا مغلقًا ذا بنية أمنية– علوية واضحة، استخدم حزب البعث كغطاء أيديولوجي لحكم عائلي شمولي.

أولًا: بنية السلطة وسلسلة القيادة – الطائفية الهيكلية

تُظهر وثائق محمد مرعي مرعي عن “الوزارات السورية وحدود ممارسة السلطة” أن توزيع المناصب الوزارية والقيادية منذ سبعينيات القرن الماضي لم يكن محكومًا بمعايير الكفاءة أو التمثيل الوطني، بل بآلية «الولاء الأمني والطائفي».
فمنذ عام 1971، استحوذ ضباط علويون على أكثر من 70% من المناصب القيادية في الجيش والأجهزة الأمنية، مع ترك واجهة مدنية “بعثية” لذرّ الرماد في العيون.
أما تمام أبو الخير في دراسته «الأسد وعلونة الدولة والمجتمع» فيؤكد أن هذه البنية لم تكن صدفة، بل سياسة مقصودة تهدف إلى “تحويل الولاء الوطني إلى ولاء شبكي طائفي” عبر تمكين أبناء الطائفة في مفاصل القرار الحساسة وإقصاء الآخرين تدريجيًا.
بذلك، نشأت دولة موازية داخل الدولة، تُدار فعليًا من القرداحة ودوائر الاستخبارات، فيما ظلت مؤسسات الدولة الشكلية مجرّد واجهة بيروقراطية.

ثانيًا: النظام الشمولي ذي اللون الطائفي

أشار مروان عبد الرزاق في بحثه «هل النظام السوري طائفي؟»، أن  النظام البعثي بعد 1970 تطوّر من شمولية حزبٍ أيديولوجي إلى شمولية عائلية–أمنية تستخدم الطائفية كآلية ضبط واستمرار.
ويصف عبد الرزاق هذه الحالة بأنها طائفية مؤسسية مقنّعة: إذ لا تعلن الدولة هويتها الطائفية، لكنها تمارسها في التعيين، وفي القضاء، وفي الجيش، وفي التعليم، وفي شبكة الولاءات الاقتصادية.
هذا ما يجعل توصيف النظام بأنه “استبدادي فقط” توصيفًا ناقصًا؛ فاستبداده لم يكن محايدًا، بل ملوَّنًا بالهوية الطائفية لمن يحتكر أدوات القمع والقرار.

ثالثًا: انطلاق الثورة السورية و دور الحرب ككاشف بنيوي – استهداف السنّة كجماعة اجتماعية

تكشف الأرقام التي وثّقتها الشبكة السورية لحقوق الإنسان (SNHR) ومنظمة العفو الدولية أن ما حدث بعد 2011 لم يكن مجرد حرب داخلية، بل عملية تدمير ممنهج لبنية المجتمع السني، بوصفه الكتلة السكانية والسياسية الأكبر التي واجهت النظام.

  • أكثر من مليون شهيد، غالبيتهم من المدنيين في مناطق سنّية.
  • نصف مليون معتقل ومختفٍ قسريًا، معظمهم من بيئات سنّية معروفة بمعارضتها للنظام.
  • 12 مليون لاجئ ونازح من الأرياف والمدن السنية (حلب، حمص، درعا، الغوطة).
  • 1618 مسجدًا متضررًا أو مدمّرًا بالكامل وفق إحصاءات الأمم المتحدة.

في المقابل، لم تتعرض الحسينيات والمناطق العلوية الموالية لأي مستوى مشابه من الدمار، ما يؤكد أن القصف لم يكن عشوائيًا بل موجّهًا.
وهنا تتلاقى الوقائع الميدانية مع ما وصفه الباحث تمام أبو الخير بـ«علونة العنف» – أي تحويل العنف السياسي إلى أداة لإعادة إنتاج الهيمنة الطائفية.

رابعًا: البعد القانوني – الجريمة المركّبة ضد جماعة دينية

من منظور القانون الدولي، وبحسب تعريف نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فإن ما حدث في سوريا يدخل في إطار جريمة الاضطهاد على أساس ديني أو طائفي، وهي إحدى صور الجرائم ضد الإنسانية (المادة 7 فقرة 1 (ح)).
كما أن عمليات التهجير والتجويع والحصار التي طالت مدنًا مثل داريا، وحمص القديمة، والغوطة الشرقية، ودرعا، تندرج ضمن سياسة الإبادة الجماعية الجزئية التي تستهدف جماعة محددة.
هذه الانتهاكات لم تكن أفعالًا فردية، بل نظامًا إداريًا منظمًا شمل القيادة العليا ووزارة الدفاع والفروع الأمنية، وهو ما وثّقته دراسات محمد مرعي مرعي حول “سلسلة القيادة والمسؤولية الإدارية في نظام الأسد”.

خامسًا: إنكار طائفية نظام آل الأسد  وعدم الاعتراف وانكار  المذبحة التي تعرض لها السنة لا يبني وطناً

يحذّر سمير سعيفان من استخدام مصطلح “الطائفية” لما يراه من خطر على الوحدة الوطنية، لكن السكوت عن الحقيقة لا يصنع وحدة بل نفاقًا وطنيًا جديداً ومحاولة لطمس حقيقية تعرض سنة سورية لمذبحة ممنهجة .
لقد جُرّب هذا الخطاب سابقًا تحت شعار “سوريا لكل أبنائها”، وكانت النتيجة أن تحوّل الوطن إلى مزرعة أمنية مغلقة٫ وعدم الاعتراف أيضاَ يشجع على التكرار ويمنح أي سلطة قادمة ان استخدمت ذات وسائل آل الآسد الغطاء لبناء منظومة طائفية جديدة بلون واحد وقليل من ديكور باقي مكونات الشعب السوري.
إن الاعتراف بأن السنّة كانوا ضحايا استهداف جماعي لا يعني الدعوة للثأر، بل تأسيس مصالحة قائمة على الحقيقة.
تمامًا كما اعترفت جنوب إفريقيا بنظام الفصل العنصري، أو كما واجهت رواندا مجازرها عبر لجان الحقيقة والمصالحة٫ ولنا أن نتخيل ما هو حال سنة سوريا لم استمر نظام الأسد بالحكم ولم يتم اسقاطه لنرى الدمار والمأساة التي تعرضوا لها.

إن النظام البعثي البائد  في سوريا كان نظامًا عائليًا–علويًا شموليًا، استخدم البعث كواجهة والطائفية كضمانة، فحوّل الدولة إلى آلة قمع تستهدف مكونها الأكبر، السنّة، باسم “الوحدة الوطنية”.
إنكار هذه الحقيقة بحجة “الواقعية السياسية” لا يخدم أحداً ٫ فالطريق الطريق إلى سوريا الجديدة يمر عبر الاعتراف، فالمحاسبة، فالمصالحة لا عبر الإنكار والتجميل.
حين نعترف أن ما جرى كان مذبحة ضد السنّة، نضع الأساس لدولةٍ لا تُعيد إنتاج المظلومية، بل تبني المواطنة على أنقاضها.

________________________________________

  • باحث قانوني وسياسي  سوري
زر الذهاب إلى الأعلى