فنون وآداب

فنانون موالون للأسد في السعودية: تبييض الوجوه لا يغسل الدماء

الذاكرة الجمعية للسوريين لا تُشترى بالدعوات ولا تُغسل بعدسات الكاميرات

نوار الماغوط – العربي القديم

أثارت زيارة عدد من الفنانين السوريين المعروفين بولائهم السابق لنظام بشار الأسد إلى المملكة العربية السعودية، بدعوة من المستشار تركي آل الشيخ رئيس هيئة الترفيه، موجة غضب واسعة على منصات التواصل الاجتماعي. اعتبر ناشطون ومعارضون أن هذه الزيارة ليست سوى محاولة جديدة لتلميع صورة فنانين شاركوا – بالصمت أو بالتبرير – في الترويج لآلة القمع التي دمّرت سوريا خلال العقد الماضي.

منذ انطلاقة الثورة السورية عام 2011، التزم كثير من هؤلاء الفنانين الصمت المطبق أمام مشاهد الموت والدمار التي اجتاحت المدن السورية، بينما اختار آخرون الاصطفاف العلني إلى جانب النظام. شارك بعضهم في أعمال درامية وإعلامية روّجت لرواية السلطة، ومجّدت “بطولات” جيشها، وقدّمت صورة مشوّهة عن الثورة والثوار. اليوم، وبعد كل ما جرى، يظهر هؤلاء في مشهد مختلف تماماً، يوزّعون الابتسامات أمام الكاميرات في الرياض، وكأن شيئاً لم يكن.

الزيارة، التي جاءت تحت مظلة “الانفتاح الفني”، بدت في نظر كثيرين حملة علاقات عامة منظمة، هدفها إعادة تلميع صور هؤلاء الفنانين أمام جمهور عربي لم يعد يثق بهم. صورهم وهم يجلسون إلى جانب مسؤولين سعوديين، يتبادلون المجاملات والابتسامات، أعادت إلى الأذهان مشاهد نفاقهم القديمة، حين بكوا على “تضحيات الجيش العربي السوري” وباركوا “بطولاته” في سحق المدن السورية.

ليس من المستغرب أن تثير هذه الزيارة استياءً شعبيًا واسعًا. فالشعب السوري الذي عاش المأساة بكل تفاصيلها، لم ينسَ من وقف إلى جانب القاتل أو برّر جرائمه، ولن يغفر بسهولة لمن جعل من معاناة الملايين مادة للتبرير أو الصمت. الذاكرة الجمعية للسوريين لا تُشترى بالدعوات ولا تُغسل بعدسات الكاميرات. من فقد أهله تحت القصف، أو يعيش اليوم في خيمة نازح، لا يمكن أن يرى في هؤلاء “رموز الفن السوري” إلا وجهاً آخر من وجوه الخذلان.

‎ويذكر أن غالبية الممثلين الداعمين لنظام الأسد الساقط، أعلنوا عن تحول مواقفهم بعد ان عرفوا بدعمهم للنظام وتبرير جرائمه، وفي تجسيد لموقف الشعب السوري الحر على الإدارة الجديدة في سوريا  أن لا نتصالح على الإطلاق مع الفنانين هؤلاء الذين دعموا الة القتل والجوع والموت .

‎ ولا مع المثقفين لمن ارتهنوا كالعبيد لسيدهم “عزمي بشارة”، بالمقابل هناك قامات سورية من الكتاب والإعلاميين ، رفضت الخنوع والتهديدات، والتحقت منذ البداية بركب أبناء الشعب الثائر، فكانوا في صفوفهم يصدحون بالحرية، واجهوا التضييق والملاحقة ، كشخصيات  معروفة ومنها غير معروفة حاربتها مؤسسات المعارضة نفسها للأسف ، ولعب هؤلاء “أنصار الحرية” دوراً فاعلاً وبارزاً في نصرة الحراك الشعبي، وكانوا سفراء للسلام والحرية في البلدان التي هاجروا إليها مجبرين.

أما على الجانب الآخر، فإن محاولات المستشار تركي آل الشيخ لتصدير “نموذج الترفيه السعودي” إلى المنطقة، عبر استقطاب أسماء مثيرة للجدل، تبدو كمن يسير في الطريق الخطأ. فبعد إخفاق مساعيه في السيطرة على المشهد الفني المصري الواعي بخطورة الهيمنة على ثقافته وهويته، يحاول الآن أن يعيد التجربة مع فنانين سوريين فقدوا مصداقيتهم أمام جمهورهم. لكن الفن لا يُستورد، والذاكرة لا تُمسح ببطاقة دعوة.

إن الفن الحقيقي لا يقوم على المجاملات ولا على النفاق السياسي. والمصالحة الحقيقية في سوريا لن تبدأ عبر بوابة “الترفيه”، بل من اعتراف صادق بالذنب والخذلان، ومن عدالة تنصف الضحايا وتعيد للثقافة السورية نقاءها وإنسانيتها.

زر الذهاب إلى الأعلى