فنون وآداب

رحيل رياض نعسان آغا: قامة سورية لا يجوز أن تمر مروراً عابراً

عاش تقلبا بين إرثه كبعثي قديم تدرج في المناصب في عهد الأسدين، وبين توقه لأن يكون قريبا من شعب فجر أعظم ثورة في التاريخ المعاصر.

بلال الخلف – العربي القديم

غيّب الموت في دولة الإمارات العربية المتحدة، الأحد (14/12)، الدكتور رياض نعسان آغا وزير الثقافة السوري الأسبق، عن عمر ناهز 78 عاماً، بعد صراع مع مرض عضال، ليرحل واحد من أبرز وجوه محافظة إدلب، وأحد أكثر المثقفين السوريين حضوراً في المشهدين الثقافي والسياسي خلال العقود الماضية.

وُلد رياض نعسان آغا عام 1947 في مدينة إدلب، في عائلة دينية عُرفت بالعلم والقرآن؛ فوالده الشيخ حكمت نعسان آغا وجده خالد نعسان آغا كانا من المقرئين المعروفين. جمع في تكوينه المبكر بين الثقافة الدينية والوعي الفكري، فدرس اللغة العربية في كلية الآداب في جامعة دمشق، قبل أن ينال الماجستير في الفلسفة الإسلامية، ثم ينال درجة الدكتوراه من جامعة باكو في أذربيجان عن أطروحة بعنوان “الإعلام والعولمة” عام 2001  

بدأ مسيرته المهنية مدرساً للغة العربية والأدب في ثانويات إدلب، ثم انتقل إلى العمل في التلفزيون السوري، حيث عمل أولا في إعداد برنامج الشبيبة في أواخر سبعينيات القرن العشرين، قبل أن يشغل منصب مدير البرامج، ثم مدير القناة الأولى في التلفزيون السوري، وأسهم في تقديم برامج ثقافية راسخة في الذاكرة مثل: «حروف مضيئة»، «تنويعات على نغم واحد»، و**«رؤى حضارية»**. كما كتب أعمالاً مسرحية، من أبرزها مسرحية «تراجيديا أوليس» التي نالت جوائز في مهرجان المسرح التجريبي عام 1972.

في عام 2006، عُيّن وزيراً للثقافة في سوريا، وبقي في المنصب لعدة سنوات. وبعد إقالته المفاجئة من كرسي الوزارة، شغل مناصب دبلوماسية عدة، كسفير للجمهورية العربية السورية في كل من عمّان  ثم في دولة الإمارات العربية المتحدة.

ومع اندلاع الثورة السورية، أعلن رياض نعسان آغا قطيعته الواضحة مع نظام الاستبداد، وانحاز إلى جانب الشعب السوري، موقفاً لم يكن طارئاً ولا رد فعل عاطفياً، بل امتداداً لمسار فكري طويل، آمن فيه بأن السلطة حين تعادي شعبها تفقد شرعيتها الأخلاقية والوطنية. شارك في هيئة التفاوض السورية التي تشكّلت في الرياض عام 2015، قبل أن يستقيل منها عام 2017، محافظاً على استقلاليته الفكرية والنقدية.

عُرف بجرأته في المقابلات التلفزيونية، وكشفه لكواليس سياسية حساسة بلغة حكائية تسرد تفاصيل لا تصدق، واشتهر بانتقاداته الصريحة للتدخلات الخارجية وحرصه على الثوابت الوطنية، وعاش تقلبا بين إرثه كبعثي قديم تدرج في المناصب في عهد الأسدين، وبين توقه لأن يكون قريبا من شعب فجر أعظم ثورة في التاريخ المعاصر…  كما كتب في عدد من الصحف العربية، وألّف كتباً تناولت التاريخ والحضارات والهوية الثقافية.

برحيله، تخسر سوريا مثقفاً لم يفصل بين الثقافة والموقف، ولا بين الفكر والمسؤولية، وتفقد إدلب واحداً من أبنائها الذين حملوا اسمها إلى المنابر العربية. كان قريباً من الناس، طفلاً مع الأطفال، شاباً مع الشباب، ورجلاً مع الرجال، أباً وأخاً وصديقاً وناصحاً، لا يبخل بعلمه ولا بتواضعه.

إن سيرة رياض نعسان آغا تقول للأجيال القادمة إن الانحياز للشعب ليس خياراً سياسياً فحسب، بل امتحاناً للكرامة، وإن الثقافة لا تكون حيّة إلا حين تقف في صف الحرية.

رحم الله الدكتور رياض نعسان آغا، وأدخله فسيح جناته، وألهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان.

إنا لله وإنا إليه راجعون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى