نوافذ الاثنين: ”إنكِ تطلبين من الله شططاً“
في مطلع سبعينيات القرن الماضي، قررت وزارة الثقافة السورية فتح باب الاشتراك في جميع مطبوعاتها، بما فيها المجلات، لقاء 70 ليرة سورية سنوياً، وكنتُ أحد المشتركين، فوصلتني جميع مطبوعات الوزارة المذكورة، وكان من بينها كتاب ”أحاديث العشيات“ للمرحوم الدكتور عبد السلام العجيلي ( ١٩١٨-٢٠٠٦)؛ الطبيب والأديب والسياسي والديبلوماسي الرقاوي. وكان الكتاب عبارة عن مجموعة مقالات، كُتبت في مناسبات وموضوعات متنوعة، ومنها الحكاية التي سأرويها الآن، هنا، بمعناها وليس بحرفيتها، تقول حكاية العجيلي:
في أحد الأيام شنّ فرسان إحدى القبائل العربية هجوماً على قبيلة أخرى، وعادوا منتصرين يسوقون السبايا والأغنام والخيول، ووصل الخبر إلى قبيلتهم فخرجت النسوة والمعمرين لاستقبال المنتصرين، وكان على رأسهم وفي مقدمتهم أشهر الفرسان وبطل القبيلة، فتقدمت إحدى نساء ”الحيّ“ وقبضت على مقود فرسه قائلة بصوتها القوي، وهي تنظر في عيني الفارس: إنني أطلب من الله أن يرزق هذه القبيلة بعشرة من أمثالك.
نظر إليها الفارس وهو على ظهر فرسه وقال، ورأسه يكاد يلامس السماء زهواً: يا امرأة، إنكِ تطلبين من الله شططاً.
أذكر أن الحكاية قد جعلتني أعيش حلم يقظة، معتقداً أنني سأكون هذا الفارس، في يوم ما، ومع تقدمي بالعمر والتجارب، لاحظت أنني لست الوحيد الذي أعتقد أنه فريد عصره وزمانه، بل هي عقدة عربية مستمرة منذ جاهليتنا القديمة حتى جاهليتنا الحديثة. إن أي مراقب، حتى لو كان قصير النظر، سيرى ذواتنا المتضخمة، بل المريضة، والتي قد تكون أحد أسباب خسائرنا، في الماضي والحاضر. إن متابعة قصص الصراع بين القبائل القيسية واليمنية، أيام الدولة الأموية والدولة الأندلسية والدولة العباسية، وما تلاها من دويلات متناحرة، كل ذلك يفسر استمرار تفتتنا المعاصر، وفشل ثورتنا.
لست متشائماً، رغم الاختلافات التي تطفو على السطح الآن، بعد الحراك الشعبي الجميل، وكلي أمل أن يعترف ”قادة“ هذا الحراك أننا مختلفون وطائفيون ومناطقيون وكلنا عيوب، وأنه بمقدورهم الاعتراف بأمراضنا، وطرح العلاج الذي يشفي الجميع تقريباً، عبر تلبية حاجاتهم.
عندها يحق لتلك المرأة القول: إنني أطلب من الله أن يرزقنا قادة عقلاء، يعرفون قدرتهم وقدراتهم.