خامنئي والحلف العظيم: حرب الأفيون وشعارات الممانعة
بلال الخلف – العربي القديم
في عالم السياسة العربية، برز مصطلح “حلف المقاومة والممانعة” كعنوان عريض للفخر والقوة الزائفة بعد أن نبذ العروبة ومشى في ركاب إيران الفارسية، حيث يبدو قادته وكأنهم أسودٌ في ساحات الوغى وهم يمانعون المشروع الصهيوني ويقاومون أمريكا والإمبريالية وربيبتها إسرائيل!
لكن الأحداث الأخيرة بدءا من مجزرة البيجر في أيلول المنصرم وما تلاها من اغتيال نصرالله والعديد من قادة مجلس حربه… أظهرت أنهم أسود على الشعوب والمدنيين العزّل فقط، لكنهم قطط وديعة في مواجهة العدو الحقيقي. أسود عندما يتعلق الأمر بإسكات أصوات الحرية ووأد أحلام التغيير، وملاحقة كل من تجرأ على قول كلمة الحق في وجه سلطان أسدي جائر، أما حين يلوح شبح الصهاينة في الأفق، فتراهم وقد انحنى ظهرهم وخفت صراخهم واضحمل وعيدهم، ونسوا فجأة تلك الخطابات الرنانة التي لطالما صرخوا بها على المنابر.
في الحقيقة، إن هذا الحلف بات أشبه بفريق مسرحية هزلية تقوم بالارتجال في كل عرض، حيث يقتل القادة “الممانعون” أبناء شعوبهم بكل شراسة وبأس، لكنهم يغضون الطرف عن عدوهم المشترك، وكأن المقاومة لا تعني مواجهة الاحتلال، بل مواجهة كل من يطالب بالحرية والكرامة.
والأطرف من ذلك كله هو التهكم الهزلي الذي نالوه حتى من اليهود أنفسهم، الذين لم يعودوا بحاجة إلى بذل جهد كبير لهزيمة هؤلاء الأبطال الورقيين. بل هم الآن يسخرون علناً من مقتل القائد تلو الآخر في هذا الحلف المزعوم. قائد قُتل، حليفه قُتل، وخليفة خليفته أيضًا في الطريق. ولم يعد لدى الحلف أي شيء ليفخر به سوى تعداد خسائرهم في المعارك “الافتراضية” ضد العدو الحقيقي.
لكن، لعل الأكثر سخرية من كل ذلك هو كيف تحول هؤلاء القادة إلى نجوم تلفزيونية، يتبادلون التهاني في مؤتمراتهم بينما تتساقط حاضنتهم الشعبية تحت نيران العدو وهم يتفرجون. تصدح الشعارات: “لن نستسلم، لن ننكسر!”، لكن يبدو أن هذا الرفض للانكسار موجه فقط إلى الشعوب المقهورة، بينما في الحقيقة يُقال إن أسد الممانعة يتحول إلى حمل وديع عندما يتعلق الأمر بالصهاينة.
وها نحن، نرى هؤلاء “المقاومين” وقد تآكلت صورهم أمام الجميع، حتى أصبحوا مادة للسخرية على الألسن. يظهرون كالأسود على شاشات التلفاز، لكنهم يتوارون كالقطط خلف الأبواب المغلقة، وكلما سقط قائد من قادتهم، كانت الضحكات أعلى في أوساط من يفترض أنهم أعداؤهم.
خامنئي، المرشد الأعلى لحلف “المقاومة والممانعة”، يظهر دائمًا على شاشات التلفاز كزعيم صلب لا يهاب شيئاً، يرفع بيد شعار النصر والمقاومة، ويُعطي إشارات الحرب لكلاب محوره هنا وهناك. لكن، يا للعجب، ما أن نلتفت إلى يده الأخرى حتى نجدها ممدودة للتوقيع على تفاهمات مع “الشيطان الأكبر”، الذي لطالما شتمه في خطبه النارية! أليس من العجيب كيف يتقن فن التناقض؟ بيد يصرخ ضد الإمبريالية والاستكبار، وبالأخرى يقبض مليارات الدولارات المجمدة بابتسامة هادئة.
تُرى، كيف يبرر خامنئي لجمهوره المتحمس هذه الازدواجية الساحرة؟ في خطبه يعلو الصوت بالتحدي: “الموت لأمريكا!”، بينما في الكواليس يهمس لمفاوضيه: “كيف حال تلك المليارات؟ هل وصلت الدفعة الأخيرة؟”. إنها تلك المقاومة المدهشة التي لا يُفهم منها سوى أن الأعداء المزعومين على المنابر يصبحون شركاء اقتصاديين في الغرف المغلقة.
وكلما قررت أمريكا الإفراج عن دفعة جديدة من الأموال المجمدة، تجد “كلاب المقاومة” قد أطلقوا من العنان مزيدًا من الصواريخ في الهواء، كتعبير عن الفرح ربما، أو كتغطية على الصفقات المليونية التي جرت خلف الستار. والمثير للسخرية أن هذه الصواريخ عادة ما تهبط على رؤوس المدنيين العُزّل، بينما العدو الحقيقي، الذي يُفترض أن يُخيفهم، يجلس مرتاحًا على الجانب الآخر، متابعًا لمشاهد الكوميديا السوداء التي يقدمها حلف المقاومة.
ولماذا لا يسخرون؟ حين يرون المرشد الكبير يتحدث عن العدو الأمريكي بوصفه الشيطان الأكبر، وفي الوقت نفسه يفتح خطوطًا دبلوماسية سلسة لتبادل الأموال المجمدة والاتفاقيات النووية، كيف لهم ألا يضحكوا؟ فعلى الأقل، يمكنهم القول إنهم يعرفون جيدًا كيف يلعبون اللعبة، بينما “المقاومون” ما زالوا عالقين بين شعار الموت لأمريكا ورغبة الحياة من مليارات أمريكا!
حرب على الورق، سلام على الجيب، و”كلاب المقاومة” تلهث بين هذه وتلك، منتظرين الإشارة التالية من سيدهم الذي يجيد فنّ اللعب على الحبال المتناقضة.
وقبل أن نسدل الستار على هذه المسرحية التراجيدية، لا يمكننا إلا أن نتوقف عند الدعم الإعلامي الساذج الذي يقدمه بعض الإعلاميين والمثقفين العرب لهذا الحلف. هؤلاء الذين يتحدثون بفخر عن “الانتصارات” الوهمية، ويتهمون السوريين بـ: “الصهينة” ويرددون شعارات جوفاء، وكأنهم لا يرون المدن المدمرة والضحايا الأبرياء… وكأن الدم السوري الذي استباحه مجرمو المقاومة والممانعة حلال ودماؤهم حرام. تراهُم يتباهون بإنجازات لم تُحقق، ويُجملون وجه الخراب بكلمات فارغة من كل معنى وفيديوهات كيدية لا تنقذ جائعا أو مشرداً. حتى الطفل السوري أو اليمني أو العراقي، الملطخ بالوحل، والذي يهرب من القصف بحثًا عن شربة ماء، يدرك حقيقة خداعهم وازدواجيتهم ويستوعب ببراءته ما عجز هؤلاء الإعلاميون عن رؤيته من خلف شاشاتهم الفخمة الملونة بالزيف والافتراء.
وفي النهاية، بينما يواصل “حلف المقاومة والممانعة” أداء مسرحيته الهزلية على خشبة السياسة، تتحدث المشاهد عن نفسها: حواضر المدن المدمرة من بغداد إلى دمشق، ومن بيروت إلى صنعاء، تنتشر كخرائب شاهدة على “انتصارات” هذا الحلف المزعوم. الهلال الشيعي، الذي كان يفترض أن يكون رمزا للقوة، تحول إلى قوس من الخرائب والأنقاض، حيث باتت شعوب هذه المدن تتنفس المصائب والنكبات بدل الانتصارات، وترتشف الموت بدلاً من الوعود الثورية التي لا يتحقق إلا نقيضها الغارق في الذل.
أما طهران، رأس الأفعى التي تحرك خيوط دمى الممانعة، جاعلة من العرب وقودا للأحلام الفارسية فهي في نعيمٍ آخر. وقادتها يتفرغون لعقد صفقات نووية وتمويل بنوكهم بمليارات الدولارات المجمدة التي تأتي من “الشيطان الأكبر” نفسه. هناك، لا صواريخ ولا دمار، بل شوارع نظيفة وأسواق مزدحمة، وكأنها تعيش في عالم موازٍ، بعيداً عن بؤس حلفائها المحترقين في اللهب الذي أشعلته تلك اليد التي توقّع على اتفاقيات السلم والصفقات.
وكم هو مضحك، بل مبكٍ في آنٍ واحد، أن هؤلاء الذين يدّعون المقاومة قد دمروا كل ما يحيط بهم بحجة التصدي للعدو، في حين لم تنل طهران خدشاً صغيراً. إنها لعبة “المقاومة” التي يجيدها خامنئي وحلفاؤه: يبيعون الشعارات والأفيون لجماعات وطوائف تمتلئ إيمانا بفتنهم وسمومهم، بينما يقايضون “الشيطان الآكبر” على بقائهم لأداء هذا الدور التخريبي في العقول وفي المنطقة!