تاريخ العرب

غلبني الشوق!

كان عبد الناصر يُنصت بشغف لكوكب الشرق، فسألته زوجته: بتسمع إيه؟ أجابها: غلبني الشوق! فقالت: حتى الشوق غلبك يا جمال!

هكذا، وبكلّ خفّة دم، وعمق، عبّر صاحب هذه الطرفة عن تاريخ الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر! لكن الغريب أنه، ورغم هزائمه الكارثية، بقي معبود الجماهير العربية، وأملهم لإعادة أمجاد غابرة! ليس ذلك فقط، فحتى يومنا هذا هناك أحزابٌ تحمل اسمه، وأشخاصٌ يؤمنون بأفكاره، وبمشروعه القوميّ الفاشل، ورؤساء ساروا على خطاه بالاستيلاء على السلطة، وبناء السجون وأجهزة الأمن، وتخوين الآخر والإرادة الاشتراكية.. وهذه الأخيرة تشبه (التبول اللاإرادي) عند كلّ الدول التي اتبعتْها؛ دول لم تُفلح يوماً سوى بإنتاج الأغاني الوطنية المضللة!

قد تكون هذه وجهة نظر سطحية حول شخصية عربية، ربما كانتِ الأبرز عربياً في القرن الماضي، فالرجل قام بإنجازات “جبارة” إذا نظرنا إليها ضمن سياقها التاريخيّ، أو هكذا يقول بعضهم؛ إذ لا يصحّ مناقشة الماضي بفكر ومشاعر الحاضر. بصراحة لا تحضرني إنجازاتُه، إلا إذا كان التأميم والإصلاح الزراعي في سورية أيام الوحدة أحد هذه الإنجازات، والتي لا يسعني القول حولها سوى: “الله لا يسامحو على هالعَملة” لتأثيرها المدمر على بنية الصناعة والزراعة، والاقتصاد السوري على مدار عقود! أم هل تُعتبر جرائمُه في اليمن إنجازاً؟ أم هزيمة 67 المعروفة بدلعها “النكسة”؟!

 الكثير من المصائب والخيبات التي لا تكفي هذه الزاوية لذكرها، كانت بسبب هذا الرجل وبطانته. باعتقادي أن النجاح الوحيد الذي حقّقه ناصر تمثّل بسرقة قلوب الشعوب العربية، وغسل عقولها، ليس لأنه داهية مُحنّك؛ بل لأنه جاء بالزمان الخطأ، يعني في زمن كان فيه من يمتلك جهاز راديو يُعتبر من علية القوم! وصل عبد الناصر إلى السلطة في بلد كمصر، كان يشهد تطوراً نسبياً مقارنة بماليزيا، وإندونيسيا، والفلبين، ودول عدّة مشابهة آنذاك.. بقيت مصر، وكأن الزمن توقّف عندها بالخمسينيات! أما ماليزيا، وإندونيسيا، والفلبين، وفيتنام ودول أخرى كثيرة، صاروا جميعاً كباراً يُزاحمون الكبار بالصناعات والاستثمارات، والتكنولوجيا!

 هذا أيضاً إنجاز مُشرّف آخر يجب أن يحسب لجمال عبد الناصر، إنجاز إيقاف الزمن! ختاماً، وكما يقول المثل: “شو بدي أتذكر منك يا سفرجل.. كلّ عضّة بغصّة!”.

_________________________________________

من مقالات العدد الثالث من صحيفة (العربي القديم) الخاص بذكرى مرور 62 عاماً على الانفصال-  أيلول/ سبتمبر 2023

زر الذهاب إلى الأعلى