بين حيدر حيدر وخالد خليفة: طقوس العزاء تعرّي شبّيحة الثقافة السّوريّة
العرب القديم – خاص
يبدو قسم اللّغة العربيّة في جامعة حلب قسمًا متآلفًا ظاهريًّا والحقيقة أنّه مقسوم مثل انقسام المجتمع السّوريّ، وإن جاز أن يكون انقسام هذا القسم نموذجًا عن انقسام المجتمع السّوريّ فإنّنا نرى فيه أربعة تيّارات:
١-تيّار أكاديمي متميّز اعتزل حزب البعث والسّياسة كلّها، واستطاع أن يشقّ لنفسه منهجًا علميًّا خالصًا، ويحمي نفسه من شبّيحة القسم (البعثيّين والقوميّين واللّيبراليّين) بصداقة ظاهريّة معهم، وفرض نفسه بكفاءته عليهم جميعًا؛ ولكن دون الصّدام معهم، ومع ذلك لا يستطيع هذا التّيّار الأكاديميّ الحقيقيّ أن يصمد أمام مكائد الشّبّيحة دون هذا المنهج المهادن نتيجة وعيٍ عميق.
٢- تيّار خليط من (من العلمانيّين والقوميّين وشبّيحة البعث والقوميّين السّوريّين الاجتماعيّين واللّيبراليّين والعروبيّين والمنتفعين)، وهو التّيّار المسيطر على القسم والكلّيّة، وله نفوذ في الجامعة ومدعوم من بشّار وشبّيحته في فروع حرب البعث في الوزارات والجامعات ومراكز المدن ومديريّات الثَّقافة وفروع اتّحاد الكتّاب في المحافظات، وهو الّذي يحدّد سياسة القسم ومواده الدّراسيّة، ويختار معيديه بدعم الدّرجات العالية للطلّاب الهيئات الإداريّة من الشّبّيحة وللطّالبات (غالبًا) خلال أربع سنوات ليصير بعض الشّبّيحة ومعظم هذه الطّالبات زميلات القسم في المستقبل…وهذا التّيّار خليط من كلّ شيء (ملتزمين دينيًّا وأخلاقيًّا ومن غير الملتزمين أيضًا…أصحاب كفاءات علميّة وضعفاء حصلوا على شهادات بدعم البعث دون وجه حقّ…)؛ وهناك فئة مخادعة داخل هذا التّيّار ليس لها مبدأ، وتسير مع الأقوى… وأفضل هذا التّيّار من وجهة نظرنا الخاصّة هو الأستاذ الرّاحل فؤاد مرعي رحمه الله، الّذي مثّل التّيّار العلمانيّ المتحرّر، وكان صاحب مبدأ وكفاءة علميّة، واستحقّ قيادة القسم ونفوذه الواسع في الجامعة، وكان صريحاً غير مخادع، ولم يكن يؤذي زميلاً أو طالباً برغم الاختلاف معه بالتّوجّه أو التّفكير أو النّقاش.
ولكن ظهرت فئة من الشّبّيحة وكتبة التّقارير بين طلّابه الّذين صاروا أساتذة في القسم، واستفادوا من هيبة أستاذهم ونفوذه داخل القسم والجامعة والدّولة… مع الإشارة إلى أنّ أساتذة القسم من طلّاب الأستاذ الرّاحل فؤاد المرعي ليسوا على درجة واحدة من العلم والذّكاء والتّشبيح؛ لكنّهم جميعاً استفادوا من هيبة المرعي ونفوذه.
وأخبث الأساتذة الجدد من طلّاب المرعي ذاك الّذي يمسك العصا من المنتصف، ويكتب لغة خادعة على الفيس بوك؛ فيعزّي في مناسبة، ويمتنع عن التّعزية في أخرى، ويهنّئ في مناسبة، ويمتنع مرّة أخرى، ويشيع قربه من الإسلاميّين، ويقول إنّ أخاه كان مفتيًا لمدينة حماة، ويُظهر مرّة أخرى علمانيّته وليبراليّته، ويجيد عمومًا استقطاب الطّالبات حوله، وهو متميّز في صناعة الوجوه والنّماذج الفنّيّة والواقعيّة أيضاً…ويوهم المعارضين بأنّه معارض مثلهم، ويفتخر بينهم بأنّه غير بعثيّ، وفي مجالس البعثيّين ومناسبات الشّبّيحة الخاصّة يثبت لهم أنّه بعثيّ شبّيح أكثر من البعثيّين أنفسهم).
٣-تيّار محافظ دينياً وأخلاقيّاً (هو تيّار إسلاميّ معتدل ظاهريًّا)، ومتوسّط من حيث الكفاءة العلميّة والأكاديميّة، وليس لديه قدرة على مقارعة تيّار شبّيحة البعث، وهو تيّار غير مدعوم؛ لذلك ليس بوسعه تحقيق أيّ اختراق قياديّ أو علميّ أكاديميّ.
٤-تيّار صغير حياديّ بالمطلق منكفئ على ذاته… يكتب ويكتب… غزير الإنتاج دون جدوى وتأثير… كتابته تقليديّة تجميعيّة غير مؤثّرة… يخاف السّياسة ونفوذ البعث ونفوذ النّساء والطّالبات… ويدفعه البعثيّون للواجهة بين الآونة والأخرى… ويشاركونه في المناقشات عندما يريدون التّمثيل الظّاهريّ؛ ليُظهروا تعدّد مذاهب القسم ومشاربه وتيّاراته الفكريّة.
٥- موت (خالد خليفة – رحمه الله) في الثلاثين من أيلول ٢٠٢٣ وموت بعض المثقّفين والكتّاب والمناسبات الثّقافيّة والأعياد الرّسميّة تعرّي هذه التّيّارات كلّها وخصوصًا تيّار الشّبّيحة.
مات (حيدر حيدر- رحمه الله) الكاتب العلويّ المتعصّب لعلويّته وللمجرم بشّار الأسد في أيّار ٢٠٢٣ قبل خمسة أشهر؛ فعزّى الشّبّيحة به، وشيّعوه، (على اختلاف مكرهم ودرجات تشبيحهم)، وشاركتهم التّيّارات الأخرى لأسباب متعدّدة.
ومات (خالد خليفة – رحمه الله)؛ فلم ينشروا نعوة، ولم يعزّوا به …لماذا؟ لأنّ (خالد خليفة) وقف مع مطالب النّاس… وعرّى شبّيحة البعث.. وكُسرت يده مثلما كُسرت أصابع عليّ فرزات.
اقرأ أيضاً: رحيل خالد خليفة يصدم الوسط الثقافي العربي
٦- في المحصّلة الشّبّيح ابن بيئة محدّدة وابن منظومة ثقافيّة مثله مثل أيّ إنسان لكنّ تأثير الأيديولوجيا فيه أكثر بكثير من غيره…غالبًا ما يخفي أيديولوجيّته ويكشفها سلوكه الاجتماعيّ مثل التّعزية بحيدر حيدر وعدم التّعزية بخالد خليفة..والتّهنئة بعيد الفصح والنّيروز وعيد ميلاد البعث وعدم التّهنئة بعيد المولد النّبويّ الشّريف.
٧- برأيك أيّها القارئ العزيز! أيّ كاتب كان تأثيره أكبر في المشهد الرّوائيّ العربيّ: حيدر حيدر أو خالد خليفة؟ وأيُّهما كانت كتابته أجمل؟ وأيّهما كتب للإنسانيّة؟ وأيّهما لم يكتب إلّا له ولحزبه ولأيديولوجيّته؟ ولماذا انحاز الشّبّيحة لحيدر حيدر؟