العربي الآن

موسم سقوط (الجزيرة): هل للدماء ألوان سياسية؟

بلال الخلف – العربي القديم

  شبكة الجزيرة الإعلامية، التي تعتبر واحدة من أقوى وأغنى الشبكات الإعلامية في العالم، تضم في صفوفها مجموعة من الفلسطينيين الذين وصلوا إلى مناصب قيادية عليا. غير أن التعصب الشديد لبعض هؤلاء للقضية الفلسطينية قد ساهم في تحويل بعض المنصات الإعلامية التابعة للشبكة إلى ساحات لغسيل الأفكار وتوجيه الخطاب بما يخدم أجنداتهم الخاصة. هذه القنوات، التي كان يُفترض أن تكون منارات للحقيقة والموضوعية، أصبحت أحيانًا أدوات في التلاعب بالعواطف والتغطية على الجرائم التي تتعلق بالصراعات في المنطقة، مما يثير تساؤلات حول النزاهة والمصداقية في طرح القضايا السياسية الحساسة.

على الرغم من التعصب الذي أبداه بعض الإعلاميين تجاه القضية الفلسطينية في وسائل الإعلام الكبرى، لا يمكن إغفال الدعم العميق الذي قدمه الشعب السوري لفلسطين على مر العقود. فالسوريون كشعب، كانوا دائماً من أكبر الداعمين للقضية الفلسطينية بصدق وإخلاص، بعيداً عن الخطابات الدعائية التي تبناها نظام الأسد. الشعب السوري، بمختلف أطيافه، رأى في فلسطين جزءًا من قضيته الوطنية والإنسانية، وكان حاضراً في جميع مراحل النضال الفلسطيني، سواء من خلال الدعم الشعبي المباشر أو الاحتضان الأخوي للاجئين الفلسطينيين. في المقابل، استغل نظام الأسد القضية الفلسطينية في دعايته السياسية، محاولًا إظهار نفسه كمدافع رئيسي عنها، في حين أن أفعاله على الأرض كانت مجرد تكتيكات سياسية لتغطية سياساته القمعية في الداخل.

مع بداية الثورة السورية، انكشفت مواقف فصائل ما يسمى “محور الممانعة”، التي كانت تدعي الوقوف إلى جانب الشعوب والمقاومة، ولكنها في الواقع أثبتت ولاءها للمصالح السياسية الضيقة والممولة من إيران. على رأس هذه الفصائل جاء حزب الله الإرهابي، الذي سرعان ما تحول من قوة تتبنى خطاب المقاومة إلى قوة عسكرية تدعم نظام الأسد في قمع الشعب السوري. بينما أخذت حركة حماس، التي كانت تربطها بالسوريين علاقات تاريخية قوية، موقفًا سياسيًا ملتبسًا، حاولت فيه الحفاظ على تحالفاتها مع الأطراف المختلفة، ما جعلها تفقد ثقة العديد من داعميها في الشارع السوري. هذا الانقلاب في المواقف كشف حقيقة محور الممانعة كأداة تخدم أجندات خارجية، بدلاً من أن تكون مدافعة عن الشعوب وقضاياها العادلة.

في المقابل، تميزت شبكة الجزيرة في بداية الثورة السورية بدعمها للثوار وتغطية الأحداث بجرأة، مما أكسبها احتراماً واسعاً بين السوريين. ومع ذلك، بدأت تتضح مع مرور الوقت تأثيرات تلك الشريحة من الإعلاميين الذين كانوا يسعون لتلميع صورة بعض الأطراف، ومحاولة تبييض أيدي القتلة… كما ظهرت المؤثرات الإيرانية وخصوصا بعد مقتل المجرم قاسم سليماني ووصفه من قبل إحدى منصات الشبكة بالشهيد… مما أثار حالة من السخط والاستياء العارمين، قبل أن يغدو الرضا الإيراني هدفاً واضحاً لا يمكن للمتابع أن يخطئه على شاشة (الجزيرة) التي كانت تتضاءل وتتهاوى يوماً بعد يوم، وهي تفتقد مصداقيتها غير عابئة بالقيم المهنية، وغير مكترثة  إلا برضى المالك القطري على أدائها.

كما لا يمكن أن نتجاهل ما يكتبه إعلاميوها. في البداية ظهرت أصواتهم بشكل محدود على صفحاتهم الشخصية، لكن تدريجياً بدأت تلك الجهود تتسع، لتشمل تلميع صورة النظام وأعوانه. ومؤخراً، أظهرت التقارير الإعلامية أن الشبكة قامت بحذف عدد من التقارير التي كانت تسلط الضوء على جرائم حزب الله في سوريا، مما أثار جدلاً واسعًا حول تراجع مصداقية الشبكة والتأثيرات السياسية على تغطيتها للأحداث.

في ذهني، يدور حوار عميق مليء بالتساؤلات والدهشة: هل يمكن أن يكون التعصب الأعمى للقضية الفلسطينية هو ما يدفع البعض لتجاهل ما يحدث في سوريا؟ هل حقاً تُصنَّف الدماء بناءً على الجغرافيا أو الولاءات؟ هل دماء الفلسطينيين حمراء ودماء السوريين التي يسفكها حزب الله زرقاء؟ أم أن الأمر أعمق من ذلك؟

ربما هي “دروشة سياسية”، تلبس قناع المقاومة لكنها في جوهرها انتقائية وكاذبة، تسعى لتبرير ما لا يمكن تبريره. أم لعلها الطبيعة المريضة لهؤلاء، الذين استخدموا القضية الفلسطينية كغطاء لإخفاء تواطؤهم مع قوى القمع والقتل، متناسين أن الإنسان وحقوقه لا تتجزأ، وأن دماء الأبرياء في أي مكان لها نفس القدر من القداسة.

زر الذهاب إلى الأعلى