الصِّفر بين حذف اللَّاشيء وتمثيله
يجب ألَّا تبخس حلَّ حذف الأصفار قيمته؛ لأنَّه حلٌّ مرحليٌّ جيِّد

د. مهنا بلال الرشيد – العربي القديم
في فيلم رسائل شفهيَّة يطلب فايز قزق (إسماعيل) من صديقه رامي رمضان (غسَّان) أن يوصل رسالته الشَّفهيَّة إلى رنا جمُّول (سلمى)، ويقول لها: (إنَّ إسماعيل يحبُّك، وإنَّه يؤلِّف لك كلَّ يوم ألف موَّال)؛ وعند عودة غسَّان يسأله صديقه إسماعيل عن جواب سلمى؛ فيقول له: سلمى تقول لك: (مئة موَّال فقط)؛ فيغضب إسماعيل من غسَّان (مرسال المراسيل)؛ ويعاتبه، ويقول له: أنا ما قلت لك مئة موَّال فقط؛ أنا قلت لك ألف موَّال! وكأنَّ المشكلة في مضاعفات المئة؛ أي في عدد الأصفار بجانب الرَّقم واحد؛ وهذا هو السِّرُّ الَّذي لم يستطع إسماعيل تقديره، أو الشِّيفرة (Code-Zefer) الَّتي لم يفهمها إسماعيل في فيلم (رسائل شفهيَّة)؛ لأنَّ شخصيَّته بسيطة في هذا الفيلم، ودوره هزليٌّ مضحك؛ ينتمي إلى دائرة الكوميديا السَّوداء (المضحك/ المبكي) في وقت واحد؛ تضحك على سوء تقديره بعض المواقف، وتتعاطف معه إنسانيًّا؛ فتشفق عليه، وتبكي بعد الضَّحك أحيانًا؛ لأنَّ الكاتب بهذه الحبكة وتلك الشَّخصيَّة استطاع أن يُضحكَكَ على بعض العادات والتَّقاليد، مثلما استطاع أن يثير شفقتك؛ لتتعاطف مع بعض النَّماذج البشريَّة برغم معرفتك بسوء تقديرها وضعف تفكيرها. والحقُّ أنَّ أسوأ ما في شخصيَّة إسماعيل البسيطة في فيلم رسائل شفهيَّة هو وقوف القدر بجانبها؛ لتؤدِّي دورًا من أدوار الحبِّ والبطولة برغم عجزها أو عدم كفاءتها لهذا الدَّور؛ ليغدو إسماعيل أمام سلمى قدرها الوحيد؛ ولتنقلب صورة المنافسة الشَّريفة في الحياة من شكلها التَّقليديِّ القائم على فكرة: (لسنا الوحيدين؛ لكنَّنا الأفضل)؛ ولهذا ولأنَّنا نحن الأفضل بين الآخرين فإنَّنا نحن قدرك؛ ولذلك أيضًا ستجوب بقاع العالم، وسترجع إلينا لأنَّنا الأفضل. أمَّا الصُّورة المقلوبة لتلك الفكرة أو المقولة؛ فهي: (لسنا الأفضل؛ لكنَّنا الوحيدون)؛ ولأنَّنا الوحيدين فنحن قدرك، وأنت مجبر على التَّعامل أو التَّعاون معنا؛ وسوف نستغلُّك ونبتزُّك أيضًا؛ ولا وجود لبدائك أخرى، ولا يمكنك أن تبحث عن غيرنا؛ لذلك أنت مضطرٌّ إلى التَّعامل معنا.
في ضوء هذه المقولة المعكوسة: (لسنا الأفضل لكنَّنا الوحيدون) نتفهَّم أسباب تصلُّب بعض الصِّغار في مواقفهم؛ لا هم بالأصفار، الَّتي نستطيع حذفها أو تجاهلها أو اختزالها أو تجاوزها، ولا هم بالأرقام الصَّحيحة، الَّتي نعرف قيمتها، ونستطيع التَّعامل معها، ونعطيها قدرها بسهولة؛ ومن هنا يبدو التَّعامل معها أشبه بحلٍّ من حلول الخوارزميَّة المعقَّدة؛ والخوارزميَّة لمن لا يعرفها: عمليَّة رياضيَّة أخذت اسمها من عالم الرِّياضيَّات المسلم أبي عبد الله محمَّد بن موسى الخوارزميِّ (780-850م)؛ أو هي مجموعة من التَّعليمات الرِّياضيَّة والمنطقيَّة المتسلسلة والمحدَّدة بوضوح، مصمَّمة لحلِّ مشكلة معيَّة-وركِّز معي قارئي العزيز على عبارة: (حلِّ مشكلة معيَّنة-أو لأداء مهمَّة معيَّنة بكفاءة)، عن طريق إدخال مجموعة من البيانات إلى تفكير الإنسان الحكيم أو المعلِّم للبحث عن حلولها، أو عن طريق إدخال هذه البيانات إلى معالج الحاسوب، وتحليلها والتَّعامل معها بعمليَّات منطقيَّة؛ وأطرح لك-قارئي العزيز ههنا-مثالًا عن خوارزميَّة تصحيح آلاف الأوراق الامتحانيَّة عبر برامج التَّصحيح المؤتمة وإصدار النَّتائج بعد الاختبار مباشرة واختصار العشرات أو المئات من ساعات العمل على الأكاديميِّين، فعندما تدخل ورقة الطَّالب إلى المعالج يتعرَّف الحاسوب على اسمه من خلال قراءة شيفرته أو رقمه عبر الماسح الضَّوئيِّ أو جهاز (السَّكانر)، ثمَّ يبدأ بقراءة جوابه على السُّؤال الأوَّل، فإن كان الطَّالب قد اختار الجواب الصَّحيح بين الاحتمالات: (A, B, C, D) يضيف له الحاسوب درجة هذا السُّؤال، وينتقل إلى السُّؤال الثَّاني، وإن لم يختر الطَّالب الجواب الصَّحيح سيضيف له الحاسوب درجة (الصِّفر)، وينتقل إلى تصحيح السُّؤال الثَّاني، ثمَّ الثَّالث فالرَّابع فالأخير، ثمَّ يجمع الحاسوب للطَّالب درجته من خلال خوارزميَّة التَّصحيح؛ فإن كان المجموع فوق الـ (60) سجَّل الحاسوب اسم الطَّالب بين الطُّلَّاب النَّاجحين، وإن كانت درجته أقلَّ من (60) سجَّل اسمه بين الرَّاسبين.
أهمِّيَّة الصِّفر
وههنا، وفي عالم الخوارزميَّات والبحث عن الحلول لتبسيط الحياة وحلِّ المعضلات واختصار الوقت تبرز أهمِّيَّة الصِّفر؛ لأنَّ الخوارزميَّة تقوم في أساسها على النِّظام الثُّنائيِّ: (0) أو (1)، يعني إمَّا لا شيء نمثِّله بالرَّقم (صفر) أو شيء نمثِّله بالرَّقم (واحد)، ونضيفه للمجموع، ونتابع مسيرتنا في تصحيح أوراق الطُّلَّاب أو خلال الواقع حتَّى نصل إلى شيفرة الحلِّ، ونعطي لكلِّ شخص أو طالب درجته أو قيمته الَّتي يستحقُّها، وههنا لا يجوز أبدًا مساواة (الصِّفر) (بالواحد)؛ أي لا يجوز إعطاء القيمة لشيء لا قيمة له، إذن تبرز لدينا في هذه الفقرة كلمة (صفر-Zefer- شيفرة) أو (شيفرة الحلِّ)، والشِّيفرة (Code) هي تحوير عن كلمة (صِفر) أو رقم (الصِّفر) في العربيَّة؛ ذلك الرَّقم الَّذي تنبَّه الخوارزميُّ مثل الهنود إلى أهمِّيَّته برغم دلالته على اللَّاشيء؛ وذلك لأنَّه-وعلى أقلِّ تقدير-يتميَّز الواحد من خلال وجوده بجوار الصِّفر، مثلما يتميَّز أيُّ شيء بضدِّه، أو تُعرف الأشياء بأضدادها؛ فتعرف قيمة الصَّادق حين نعاني من الكذَّاب، وتعرف قيمة الخلوق المتواضع حين تجلس بجوار المنافيخ ومسِّحة الجوخ، وتعرف قيمة الواحد بجوار الصِّفر، ويفقد الواحد قيمته إذا ساويناه بالصِّفر، وإنَّما قيمته بوجوده في الضِّفَّة الثَّانية المقابلة للصِّفر أو باختلافه عنه، وتمايزه منه على أقلِّ تقدير.
وعندما تجتمع الأصفار المنافيخ مع بعضها، وتجتمع الواحدات أو الآحاد المتواضعة مع بعضها أيضًا ندخل فلكًا جديدًا من أفلاك التَّعريف أو التَّعارف الاجتماعيِّ؛ فنقول: (قل لي من تصاحب أقل لك من أنت)! أي إن كنتُ لا أعرفك شخصيًّا فأنا أعرفك من صُحبتك، وقد أعرف أنَّك صفرًا أو مجرَّد مسِّيح جوخ مطبِّل أو مزمِّر لشخص هو بمثابة الصِّفر بسبب صحبتك معه، وكلُّكم فواصل عُشريَّة لا يمكنها أن تكون واحدًا؛ فأنت وأصحابك المنافيخ مجرَّد أصفار لا قيمة لها، ومع ذلك لا يمكن في الرّشياضيَّات والحياة الدِّيمقراطيَّة تجاوزها؛ وههنا يأتي دور الخبير الَّذي يعرف المرء بقرينه أو بخليله، ويعطي لأهل القدر قدرهم مثلما يصنع للمنافيخ هالاتٍ ترضي غرورهم؛ وهذه هي ضربات المعلِّمين!
ضربة المعلِّم بألف
يُحكى أنَّ رجلًا كان عنده آنيَّة نحاسيَّة مزخرفة، سقطت على الأرض؛ فاعوجَّ قوامها؛ فذهب بها إلى صائغ ماهر؛ فنظر فيها الصَّائغ مليًّا؛ ثمَّ طرقها بمطرقته طرقة واحدة؛ فاستقامت، واختفى اعوجاجها، وقال لصاحبها: أُجرتي ثلاثة دنانير؛ فقال صاحبها: أَعِدْها كما كانت! ولا أدفع لك ثلاثة دنانير على هذه الطَّرقة الخفيفة؛ فطرقها الصَّائغ الماهر طرقة أخرى، فعادت معوجَّة كما كانت؛ وذهب صاحبها يبحث عن صائغ آخر يُصلحها له بأجر قليل، لكنَّه تفاجأ بعجز الصَّاغة الآخرين عن القيام بمثل تلك الطَّرقة، وبعضهم طلب أجرًا كبيرًا، واعتذر بعضهم الآخر عن القيام بمثل هذه المهمَّة لقلَّة في خبرته، ونصحه آخرون بالعودة إلى الصَّائغ الأوَّل؛ لأنَّ مثل آنيته الجميلة لا يستطيع إصلاحها إلَّا الصَّائغ الماهر الأوَّل؛ فعاد صاحب الآنية إلى الصَّائغ الأوَّل؛ فقال الصَّائغ: سأصلِحها لك، وأُجرتي تسعة دنانير؛ ففكَّر صاحب الآنية مليًّا، ثمَّ وافق، ودفع له تسعة دنانير، وقال له: لماذا الآن تسعة دنانير؟ فقال الصَّائغ: ثلاثة لضربة الإصلاح الأولى، وثلاثة للضَّربة الثَّانية حين أعدتُ لآنيتك اعوجاجها، وثلاثة لهذه الضَّربة الأخيرة، والمجموع تسعة دنانير؛ كي تتعلَّم أنَّ ضربة المعلِّم بألف لو شلفها شلف! ولهذا كلِّه: ابحثوا دومًا عن الحكماء والخبراء المعلِّمين من أهل الاختصاص، وتعاملوا، وتعاونوا معهم! لأنَّهم وحدهم هم القادرون على اجتراح الحلول المُثلى، حتَّى وإن كانت حلولهم صعبة فهي-وبلا أدنى شكٍّ-أفضل وأجمل وأرخص تكلفة من حلول الآخرين.
الحلُّ بالتَّصفير ثمَّ بالحذف
التَّصفير ههنا بمعنى تقريب المشكلات من طراز الفواصل العشريَّة إلى الرَّقم (صفر) أو تحويلها إلى حلٍّ أو شيفرة مأخوذة من الرَّقم (صفر Zefer)؛ وذلك لأنَّ تلك المشكلات وأصحابها الَّذين يعدلون فواصل عُشريَّة لا يرقون لأن يكونوا قيمة ذات فاعليَّة إيجابيَّة بمقدار واحد؛ وتصفير تلك الأشياء لا يكون بالعناد معها، وإنَّما بإعطائها للخبراء من أهل الاختصاص لتصفيرها، وهذه الفكرة يمكن تطبيقها في السِّياسة فتُعرف باسم: (سياسة صفر مشاكل)، ويمكن تطبيقها في الاقتصاد وإصدار الأوراق النَّقديَّة فتُعرف بسياسة (حذف الأصفار)؛ لكنَّ هذا الحذف من السَّهل الممتنع؛ أي لا يمكن أن يكون حذفًا عشوائيًّا؛ لأنَّه بحاجة إلى تعاون أبناء البلد والجيران والأصدقاء؛ لأنَّهم هم الَّذين سيتعاملون بهذه الأوراق؛ لذلك فالمشكلة ليست في الأصفار ذاتها كما ظنَّ (فايز قزق-إسماعيل) حين قال لصديقه: (أنا قلت لك ألف موَّال…أنا ما قلت لك مئة فقط)!
كذلك يقول المثل العربيُّ: (المشكلة مو مشكلة رمَّانة…المشكلة أنَّ القلوب مليانة)؛ وهذا هو سرُّ المعضلة في العجز عن تصفير بعض المشكلات مع قسد ومظلوم عبدي في الجزيرة الفراتيَّة أو مع الهجريِّ وبعض سُكَّان السُّويداء جنوب سوريا، وربَّما تكون هذه هي مشكلة كلِّ حاقد؛ ومع ذلك فلو بحث الخبراء العقلاء عن الحلول سيجدون أنَّها كثيرة وكثيرة جدًّا، وإن ظنَّتْ بعض الفواصل العشريَّة الحاقدة أنَّها الكلُّ أو الواحد الموحَّد الفرد الأوحد فهي مخطئة؛ (والواحد هو أصل الوجود عند فيثاغورث…وفيثاغورث أحد الأقطاب أو الحدود المقدِّسة في العقيدة الدُّرزيَّة)؛ فهذا الظَّنُّ الخاطئ بداية المعضلة وبداية الحقد وامتلاء القلوب، وربَّما عرفتْ بعض الفواصل العشريَّة حجمها الطَّبيعيَّ بأنَّها جزء من الواحد، وليست الواحد كلَّه؛ لذلك تُعاند مثل عِناد وئام وهَّاب في لبنان؛ لأنَّ حجمه الانتخابيِّ مع حزبه أقلُّ من الحصول على نائب في البرلمان اللُّبنانيِّ؛ أي هو وكتلته مجرَّد فواصل عُشريَّة، وعند أي تسوية تذهب الفواصل العشريَّة عند تقريب وجهات النَّظر أو تقريب الفواصل العشريَّة؛ لذلك تُعاند بعض الفواصل العُشريَّة؛ لتصنع مشكلة القلوب المليانة، أو لتبني وجودها على مشكلة ما بعد الرُّمَّانة؛ وكيلا يزيد امتلاء القلوب حتَّى تأتي القطرة الَّتي تفيض بها الكأس أو تَظْهَر القشَّة الَّتي تقصم ظهر البعير يعود منطق الخبراء المعلِّمين؛ ليفرض نفسه في السِّياسة والاقتصاد وتوزيع الأدوار الفاعلة على المعلِّمين الَّذين يجيدون العمل في الظِّلِّ، واستحداث الألقاب الرَّنَّانة على عُشَّاق الألقاب وإرضاء البعض الآخر بلقب المستشار أيضًا…
من سياسة العبَّاس -رضي الله عنه- حتَّى سياسة حذف الأصفار من الأوراق النَّقديَّة
يكشف لي التَّأمُّل في المشهد السُّوريِّ الرَّاهن عن وجود غير قليل من الأكفاء الخبراء المعلِّمين، الَّذين يعملون في الظِّلِّ من خلف الكواليس، ويضربون ضربات المعلِّمين، ويستحدثون بعض الألقاب أو التَّسميات الجديدة مثل وظيفة (مدير المديريَّات) وغيرها؛ ممَّا يعكس براغماتيَّتهم وكفاءتهم في قراءة الواقع، وهذا ما يدفعنا إلى تشجيع هذه السِّياسة بالبحث دومًا عن أصحاب الخبرة في التَّعامل مع تطوُّرات سوريا الانتقاليَّة يومًا بيوم، من توسيع عدد أعضاء مجلس الشَّعب؛ لمثيل المحافظات تمثيلًا أوسع، إلى اقتراح تأجيل الانتخابات في الحسكة والسُّويداء ودير الزَّور، وربَّما يتوصَّل الخبراء غدًا أو بعد غدٍ إلى حلٍّ بمشاركة أهلنا في الانتخابات، وربَّما وجد الخبراء تأجيل الانتخابات أو تأجيل بعضها إلى ما بعد الإحصاء، ويبقى الشَّيء المؤكَّد أنَّ كلَّ فكرة يقترحها الخبراء، ويستطيعون ترويجها أو الدِّفاع عنها بالمنطق والعقل تبقى أفضل من غيرها من الأفكار العشوائيَّة بكثير.
ويبدو لي أنَّ قسمًا لا بأس به من خُبراء الظِّلِّ يشاركون ابن عبَّاس-رضي الله عنه-في عقله، وأنت حين تقرأ حديثًا أو كتابًا لشخص ما تشاركه في عقله؛ فقد جاء في سنن أبي داود عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم جاءه العبَّاس بن عبد المطَّلب بأبي سفيان بن حرب؛ فأسلم بمرِّ الظَّهران؛ فقال له العبَّاس: يا رسول الله! إنَّ أبا سفيان رجلٌ يحبُّ هذا الفخر، فلو جعلتَ له شيئًا؛ قال: (نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن). ومن هنا أجد فكرة تأجيل الانتخابات في بعض المحافظات السُّوريَّة فكرة مقبولة هذا اليوم، وربَّما تكون فكرة الانتخابات الشَّاملة غدًا أفضل منها، وربَّما تصير فكرة الانتخابات بعد الإحصاء أفضل وأفضل، لكن، يبقى هذا كلُّه رهنًا بتطوُّر الأحداث في سوريا نحو الأفضل، وقد صار حذف صفرين من الأوراق النَّقديَّة السُّوريَّة ما يشبه الحقيقة، الَّتي ننتظر ظهورها في الذِّكرى السَّنويَّة الأولى لتحرير سوريا من عصابة آل الأسد المجرمة في الثَّامن من كانون الأوَّل القادم؛ لتغدو الورقة النَّقديَّة من فئة عشرة آلاف ليرة سوريَّة (10000) مئة ليرة سوريَّة (100) فقط، ويصبح الدوَّلار الأمريكيُّ الواحد بسعر مئة ليرة سوريَّة تقريبًا بعد أن كان بسعر عشرة آلاف ليرة سوريَّة.
قد يرى البعض أنَّ حذف الأصفار حلٌّ شكليٌّ إجرائيٌّ أكثر منه حلًّا عمليًّا واقعيًّا، والأفضل منه رفع مستوى دخل الفرد ورفع أجور العاملين في الدَّولة وغير العاملين فيها أيضًا مع رفع القيمة الشِّرائيَّة للَّيرة السُّوريَّة، وهذه آراء منطقيَّة؛ لكنَّها يجب ألَّا تبخس حلَّ حذف الأصفار قيمته؛ لأنَّه حلٌّ مرحليٌّ جيِّد، ولم يكن بوسع المجرم المخلوع بشَّار الأسد أن يقوم به، أو أن يقوم بمثله؛ لأنَّ مثل هذا الحلِّ يحتاج إلى محبَّة السُّوريِّين والجيران والأصدقاء، ويحتاج إلى تعاونهم جميعًا، ولم يُبق المجرم المخلوع بشَّار الأسد لنفسه صديقًا أو صاحبًا بسبب إسرافه في جرائمه، وتماديه بها أيضًا، وبعد هذا يُحسب للخوارزميِّ وللعرب وللمسلمين براغماتيَّتهم، الَّتي دفعتهم إلى الاهتمام بالصِّفر وإدارك قيمته ودوره إلى الحدِّ الَّذي صارت فيه كلمة (الشِّيفرة Code) المحوَّرة عن كلمة (الصِّفر Zefer) اختراعًا عربيًّا، ولُغزًا أو شيفرة تحلُّ كثيرًا من معضلاتنا الرَّاهنة إذا تولَّاها خبراء ومعلِّمون!