أخطر مقال في الصحافة الإسرائيلية عن تدمير غزة وترحيل سكانها إلى دول مجاورة
بقلم: ألون بن دافيد
من الصعب أن نعرف أي اسم سيمنحه التاريخ للمعركة التي نوجد في بدايتها. هذا على ما يبدو لن يكون الاسم الذي منحه الجيش الإسرائيلي للحملة “سيوف حديدية”.
من المشكوك فيه أيضا أن تسمى “حرب غزة الأولى”، إذ إن جبهة الشمال قد تفتح في كل لحظة. الواضح منذ الآن للكثيرين منا ومن المهم لجميعنا أن نفهم، هو أننا في حرب على الوجود. إذا لم ننتصر ونحسم فيها، فلن نتمكن من الوجود في هذا المكان. هكذا ببساطة.
انهارت الكثير من الأمور، يوم السبت صباحا. الكثير من المنظومات، المفاهيم والمعتقدات. قيلت أكوام من الكلمات وكتبت حتى الآن عن الإخفاقات والقصورات التي سمحت بالمذبحة، وستُكتب كتب كثيرة أخرى عن العمى. ولكن في أساس الإخفاقات، انهار المفهوم الذي بموجبه يمكننا أن نعيش إلى جانب الجيران المفعمين بكراهيتنا مع تسويات اقتصادية تضمن للاحتكاك معهم أن يكون محتملا.
كان لهذا الاعتقاد شركاء كثيرون: من رئيس الوزراء، إلى قادة كل أجهزة الأمن لدينا، وأنا الصغير شخصيا أخطأت في ذلك. الاعتقاد بأنه يمكن الحفاظ على الاستقرار تجاه المنظمات الأصولية الإسلامية التي تعيش إلى جانبنا ذبح هو أيضا، صباح السبت. وقد جاءت الصحوة بالثمن الأكثر إيلاما الذي ما كان لأحد أن يتصوره، لكنه حاد وواضح: لا يمكن العيش بجيرة مع “الإسلام المتطرف”. إذا ما بقيت “حماس” في غزة في نهاية الحرب فسنتلقى صيغا متكررة من مذبحة السبت في المطلة، كفار سابا، وفي نتانيا. لن تكون هناك بلدات إسرائيلية في الغلاف، لا في الحدود الشمالية وفي النهاية، ولا في تل أبيب أيضا.
يوجد كثيرون آخرون لا يفهمون هذا، وينظرون إلى المعركة الحالية بتعابير الجولات القتالية في الماضي: ما هو وضع النهاية، ومن سيحكم في غزة بعد ذلك، وأي صفقة مطلوبة لأجل تحرير المخطوفين. لكن المزيد فالمزيد يفهمون كل يوم بأننا نخرج إلى معركة تستهدف قبل كل شيء الحسم: إبادة كل البنى التحتية والمقدرات لـ”حماس” وطردها من غزة، إلى جانب الكثيرين من سكان القطاع. فلن يتمكنوا من مواصلة السكن إلى جانبنا.
عندما تقف أمة أمام تهديد وجودي لا يطاق فهي ملزمة قبل كل شيء بأن تزيله. عندما تعرضت الولايات المتحدة للهجوم في بيرل هاربر، خرجت إلى معركة تستهدف إبادة قدرات وإرادة اليابان لمواصلة القتال دون أن تتردد فيما الذي ستكون عليه طبيعة النظام في اليابان بعد أن تنتهي الحرب. تواصلت المعركة اربع سنوات، وكلفت ثمنا رهيباً، لكن في نهايتها كفت اليابان عن أن تكون تهديدا على سلام العالم.
بعض أصحاب القرار لدينا يفهمون هذا منذ الآن، ومن المهم أن ينجح رئيس الوزراء أيضا في أن يفك ارتباطه بالانشغال بنفسه وبفشله وليواظب على تحقيق النصر. طيلة حياة نتنياهو وهو يتعلم ويتطلع ليشبه شخصيته المثلى، وينستون تشرتشل، وها هو التاريخ وفر له لحظة تشرتشلية. في الأيام الأخيرة هو وباقي القيادة الإسرائيلية يترددون في مسألة “حزب الله”. هل يأخذون المبادرة في الشمال، ويوجهون ضربة وقائية لـ”حزب الله” أم يركزون على الجنوب، ويعرفون أن “حزب الله” في أي لحظة قد يفتح علينا جبهة ثانية. توجد تعليلات جديدة لهذين النهجين.
مؤيدو الضربة الوقائية يدعون بأن هذه فرصة لا تتكرر: الجيش الإسرائيلي مجند وجاهز بقوة للدفاع في الشمال، والأسطول الأميركي إلى جانبنا، وإذا ما أزلنا تهديد “حزب الله” سنتمكن من التفرغ للتركيز على المعركة الطويلة التي بانتظارنا في غزة.
يقول معارضو الضربة الوقائية، انه بعد صدمة السبت سيصعب على المجتمع الإسرائيلي أن يجتاز صدمة قاسية أخرى لأبراج تسقط في تل أبيب، إصابة صواريخ دقيقة لمواقع استراتيجية، وإنزال قوات “حزب الله” في أماكن مختلفة في البلاد.
يخيل أن الرئيس الأميركي حل لنا المعضلة. في محادثاته مع نتنياهو أوصى بايدن بحرارة أن نركز على غزة، ووعد بأن تعرف قواته كيف تعالج “حزب الله” إذا ما فتح حربا ضدنا. توجد للأسطول الأميركي، الذي يرابط هنا، قدرات متنوعة لضرب وشل “حزب الله”، قدرات ليست لدولة إسرائيل. يكتفي “حزب الله” في هذه الأثناء بأعمال التحرش والاستفزاز على طول الحدود، ويحاول وزن التهديد الذي يقف أمامه. في وقت كتابة هذه السطور، لم يتخذ بعد القرار إذا كان سينضم إلى الحرب أم لا.
في الجيش الإسرائيلي، يعدون في هذه الأثناء خططا عملياتية جديدة تختلف عن كل ما خطط له حتى الآن في قيادة الجنوب. قامت الخطط العملياتية في الماضي على أساس مناورات سريعة ومركزة على مراكز قوة “حماس”، وأُعدت بمنطق الجولة. أما، الآن، فيعنون بخطط بعيدة الأثر بمنطق الحسم.
النية هي تدمير معظم المنطقة المبنية في شمال قطاع غزة بالنار، من خط الشجاعية – نتساريم شمالا: كل مدينة غزة، جباليا، بيت حانون وبيت لاهيا. تعتزم إسرائيل تفعيل قوى نارية لم يشهد لها مثيل في أي من حروبنا السابقة ودحر سكان شمال القطاع إلى قسمه الجنوبي. عندما ستدخل القوات المناورة لن تكون تقريبا مبان على الأرض ولا مدنيون. سيركز القتال على رجال “حماس” الذين سيتبقون في أنفاق غزة التحتية.
ستخلق هذه الخطوة ضغطا شديدا على حدود مصر وستؤدي إلى توتر مع المصريين، لكن ليس لإسرائيل الكثير من البدائل، فنحن ملزمون بإبعاد الغزيين عن بلداتنا. هنا سيكون مطلوبا حل سياسي لإسكان هؤلاء اللاجئين في دول أخرى.
هذه ليست خطوة يحركها الثأر، رغم أن مشاعر الثأر تعتمل في أوساطنا، هذه خطوة بقاء أمة كاملة. خراب غزة سيكون إشارة وعبارة للمصير المرتقب لكل جار لنا يقوم علينا. ستستغرق هذه المعركة أشهرا، ستكون لها أثمان باهظة، لكن في نهايتها سيتعين علينا أن نعرف بأنه لن تجد أي عائلة إسرائيلية نفسها مرة أخرى وحدها في الغرفة الأمنية أمام “وحوش إجرامية”.
عندما نرى حجم الخراب في الغلاف، من الصعب أن نتصور كيف وهل سيعود السكان الذين نجوا من المذبحة إلى هنا، لكننا ملزمون بأن نتجرأ على أن نتصور بأننا سنعيد بناء البلدات، ولعله ستكون لها هذه المرة مطلة على البحر أيضا.
عن صحيفة (معاريف) الإسرائيلية