غزة التي يُتاجر بآلامها الجبناء
بقلم: عبد الرحمن عمرين
على مدار سنوات الثورة السورية، كان عنف قوات النظام يتغوّل، كلما طالب رئيس غربي، أو المجتمع الدولي، بالكف عن قصف المدن، والبلدات السورية، والحفاظ على أرواح المدنيين! خطوط أوباما الحمراء، لاءات الأنظمة العربية، وغير العربية، مناشدات المنظمات الدولية، وغير الدولية! كلما أدانت جهة ما القصف، ارتفعت وتيرته، وارتفع عدد الضحايا! في حالة تُشعر المراقب أن عمليات النظام السوري كلها كانت نكاية، وهذا ما يحصل اليوم، رغم أنه لم يعد أحد يطالب بإنقاذ حياة السوريين، فكلما قصفت إسرائيل مطار دمشق، أو حلب، أو أي مستنقع ترتع فيه الميليشيات الإيرانية، تسارع قوات الأسد، والطيران الروسي لقصف إدلب! أصحبنا نفتقد أيام الاحتفاظ بحق الرد.
وبينما يواجه أهل غزة وحدهم، وسط صمت القريب، ودعم البعيد، نيران الاحتلال الإسرائيلي وهمجيته. تناطح ميليشيا حزب الله أحد أبراج المراقبة في جنوب لبنان، وتستعرض إيران جيوشها وجحوشها في اليمن والعراق، ويصبح بوتين حمامة سلام قلقة على المدنيين، والصين تتحول لمنظمة هيومان رايتش ووتش، وكل الذين صمتوا على قتل المدنيين والأبرياء في سوريا، يركبون موجة النضال، ويذرفون دموع التماسيح على أطفال غزة.. هؤلاء الصغار الذين يلمّع القتلة على حسابهم تاريخهم الموغل بالعنف والإجرام.
لك الله يا غزة، فأنت كما قال الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش: “إن سألوكَ عن غزة قل لهم بها شهيد، يسعفه شهيد، ويصوره شهيد، ويودعه شهيد، ويصلي عليه شهيد”. وأنا سأضيف: “ويتاجر به الجبناء”. نعم للأسف، يتاجرون بدماء الأبرياء، ليمسحوا عن أيديهم دماء الأبرياء، تلك الدماء الذكية التي سفكها محور الممانعة في طريقه إلى القدس، عبر حلب، وكل المدن والبلدات السورية، دون أن يصل وجهته!
كنت أشاهد الأم الفلسطينية، وهي تصف ابنها يوسف لطاقم الإسعاف في إحدى مشافي القطاع الوحيد: “عمرو سبع سنين، شعره كيرلي، أبيضاني وحلو”! قالتها، وصوتها يرتجف، خوفاً من إجابة كانت تعرفها مسبقاً.. لقد أصبح طيراً من طيور الجنة. وتذكرت مشهد الأطفال في غوطة دمشق، بعد أن قصفهم الأسد بالسلاح الكيماوي قبل سنوات، وأطفال إدلب اليوم، الذين ترفرف أرواحهم إلى بارئها، بينما القتلة يتباكون على يوسف وغزة.. لن تلوثوا طهر غزة، فهي منكم براء.
من مقالات العدد الخامس من صحيفة (العربي القديم) تشرين الثاني/ نوفمبر 2023