هذا من فضل الكبتاغون!
العربي القديم – حسام الدين الفرا
في مدينتنا التي تركناها مكرهين فراراً من القصف، ومن الغربان السود، كان يوجد بناء جميل على شكل فيلا، وفي مدخل البناء كُتبت عبارة فوق الباب على قطعة من الرخام (هذا من فضل ربي). تعجبت حين عرفت لمَن تعود هذه الفيلا، فهي لإحدى الحجيات. والحجّيات أو النَوَر كما يسمّون مجموعة من الفتيات يقدمن خدماتهن، لزبائن آخر الليل الذين يقصدون أماكنهنّ المشبوهة طلباً للمتعة، وتزجية أوقات الفراغ، فقد اشتهرت الحجّيات بالرقص والغناء، وللحجّيّات والنور وجود في مدن أخرى، ولاسيما في حي البياضة في حمص، وحي التجارة الراقي في دمشق، ويمتلكن فيه شققاً فخمة، وطبعاً كل ذلك من فضل عملهن.
النظام السوري يبدو أنه ليس بحاجة إلى أن يكتب على بوّاباته الحدودية (هذا من فضل الكبتاغون)، فواضح أنه يعيش بفعل تجارة وصناعة الكبتاغون، ويمكن القول: إن الكبتاغون شريان الحياة لهذا النظام، فلولا الكبتاغون ربما لانهار اقتصاد البلاد.
وحسب دراسة بريطانية، فإن تجارة وتهريب الكبتاغون تدرّ على النظام أكثر من ٥٧ مليار دولار سنوياً. وبناء على الدراسة فإن ماهر الأسد قائد الفرقة الرابعة، (بعد أن خلع البيجاما) تفرّغ لهذا الأمر الجلل، فهو مَن يقوم بالإشراف على تصنيع وتهريب هذه المادة.
بات الكبتاغون هاجساً يؤرق دول العالم، وخاصة الدول المحيطة بسورية، فعلى ما يبدو هناك سعيٌ حثيث لنشره في هذه الدول، ولم تبق وسيلة إلا واستُخدمت من أجل تهريبه، ومن أغرب الطرق حشو ثمار الزيتون، والفاكهة، كالرمان والليمون، والخضار، وأمعاء الخراف، ووضعه ضمن معجون الطماطم، وإطارات السيارات، وكل يوم تطالعنا الأخبار، وتتحدث عن إحباط عمليات لتهريب الكبتاغون، والقبض على المهربين، وهذا ما أدى إلى استنفار الجيش الأردني لمواجهة عمليات التهريب، والقيام بملاحقة المهربين وقتلهم.
ووصلت الأمور إلى استخدام الطائرات لمحاربة مهربي الكبتاغون الذين استفادوا حتى من التقنيات الجديدة لخدمة مصالحهم، وحمّلوا شحنات الكبتاغون بمسيّرات الدرون.
وبسبب الكبتاغون اتخذت أوربا، وأمريكا عقوبات، بحق بعض المهربين، وضباط الجيش السوري، وربما إذا استمرّ الوضع بهذا الشكل، سيؤدي الكبتاغون إلى نشوب حرب تُسمى (حرب الكبتاغون)، كما حدثت حرب سابقاً بين الصين وإنكلترا، وسميت (حرب الأفيون) عام ١٨٣٩، وفيها حاولت الصين الحدّ من زراعة الأفيون واستيراده، مما دفع بريطانيا إلى الوقوف في وجهها، بسبب الأرباح الكبيرة التي كانت تجنيها بريطانيا من تجارة الأفيون في الصين.
بغياب العقول الاقتصادية الوازنة التي يمكن أن تخطط، وتصحح الوضع الاقتصادي المزري في سوريا، فقد توفّي الدكتور عصام الزعيم قهراً، وهو الأكاديمي المشهود له بخبرته الاقتصادية في المحافل الدولية، وذلك بعد التضييق عليه من قبل زعماء الفساد في البلاد. وكان الكاتب والصحافي طلال سلمان صاحب جريدة السفير قد كتب يوماً في ذكرى وفاته: “ألقابه العلمية كثيرة، وإن ظل الأردأ فيها اللقب السياسي (معالي الوزير) الذي استُدرج به، ليخدم وطنه، فخسرناه بغير أن يربح الوطن”.
وكذلك تعرّض الدكتور عارف دليلة للسجن لأكثر من سبع سنوات، وهو الباحث الاقتصادي المرموق، وبعد خروجه من السجن يمم شطر أوربا.
بغياب هؤلاء الأكاديميين الاقتصاديين الأفذاذ أصبحت الساحة والمنابر الاقتصادية في عهدة أبواق النظام المسبّحين بحمده وشكره، آناء الليل وأطراف النهار، كالدكتور حيان سلمان، والدكتور عمار بكداش، وبالتأكيد عمار بكداش باعتباره شيوعياً يعرف مقولة ماركس عن فضل القيمة، لكنه قد لا يجرؤ على نقاش فضل الكبتاغون.
لم يتبقَّ أحد من الاقتصاديين، حتى قدري جميل نائب رئيس مجلس الوزراء على علّاته طفّشوه، وترك البلد وأقام في موسكو، عند أحبابه الروس، حيث يترأس منصة موسكو المزعومة، والمحسوبة على المعارضة، ولكن المعارضة الوطنية، كما تُصنَّف.
___________________________
من مقالات العدد السابع من مجلة (العربي القديم) كانون الثاني/ يناير 2024