الرأي العام

تفاصيل سورية | تنظيم سري لإسقاط حافظ الأسد

بقلم: غسان المفلح

أستطيع القول بكل بساطة أنه منذ سنة الشهادة الثانوية، لم تعد حياتي مفصولة عن السياسة والشأن العام.

رغم مرضي الذي حدثتكم عنه في زاوية سابقة، استطعت أن أحصل على علامات تدخلني كلية هندسة الميكانيك بجامعة حلب على ما أذكر، لكن كشيوعي اخترت كلية الاقتصاد والتجارة في جامعة دمشق. منذ ذلك الوقت لم يعد لي علاقات صداقة خارج السياسة كما كانت قبلها. رغم أن بعض تلك العلاقات استمر حتى الآن، وبعيدا عن السياسة.

حدثتكم عن خليل، رغم أن الحديث عن خليل يحتاج إلى الكثير من الكتابة، في هذا السياق أيضا، عن طريق خليل تعرفت على صديقي المرحوم زياد سخنيني. زياد الذي كان يسكن مع عائلته الفلسطينية تقريبا أول شارع لوبية. في تلك الاثناء كان التضامن يغلي مع المخيم، حيث بدأت ما عرفت بأحداث نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن العشرين. أو الصراع بين الإخوان المسلمين و”الطليعة المقاتلة” من جهة وبين النظام الأسدي الفاشي. في تلك الفترة تم تفتيش حي التضامن الملاصق للمخيم بيتا بيتا من قبل المخابرات. كعادتهم يدخلون البيوت بطريقة استعراضية مسلحة، دون مراعاة لأية حرمة لهذه البيوت. هذا الحدث الذي ترك بصمته من زاوية القمع الشرس الذي مارسته الأسدية. ويحيلنا إلى أن جماعة الاخوان المسلمين لم يتعلموا الدرس في أن إسقاط الأسد يحتاج إلى أطياف الشعب السوري كلها من جهة، وإلى تبني برنامج ديمقراطي واضح المعالم، إضافة إلى دستور علماني متواشج مع دولة القانون والحريات عامة وفردية.

 رغم كل محاولات الإخوان لاحقا الخروج من قوقعتهم الدينية، إلا أنهم سرعان ما يعودوا إليها أحيانا لا سباب داخلية وأحيانا أخرى لضغوطات خارجية. في هذه الأجواء بعدما عرفني خليل على زياد تعرفت على ما كان يعرف آنذاك برابطة العمل الشيوعي. حيث كان يمر إلى بيت زياد الصديق والرفيق فاروق العلي، والصديقة والرفيقة هند قهوجي التي اعتقلت لاحقا لمدة تزيد عن ست سنوات في سجون الأسد. كان لفاروق صديقا من درعا يستأجر غرفة في منزل زياد المؤلف من طابقين. نشأت علاقة خاصة بيني وبين زياد وأهله خاصة والده رحمه الله. كنت ذاهبا لبيت زياد بزيارة سريعة فرأيت فاروق وهند في باحة المنزل ويهمان بالخروج، سلمت عليهما مع زياد. وعندما خرجا قال لي: الشب والصبية أعضاء في رابطة العمل الشيوعي. تنظيم سري يهدف إلى إسقاط الأسد.

أصبت برجفة خوف في الحقيقة. ضحك زياد وقال لي على أساس انت شيوعي ومناضل!! مع ضحكة. كان لزياد ابتسامة خاصة لم ولن أنساها. بعدها عدت وسألت خليل عن الرابطة. قال لي بالحرف لاأزال أذكر” شباب ممتازين بس عندهم أحلام مختلطة بالأوهام”. مع ذلك لم أهتم بما قاله خليل، بدأت أبحث لوحدي عنهم. أيضا قبل ان نغرق في تفاصيل السياسة وعلاقاتها واجوائها، لابد لي من ذكر علاقتي بأبي زهير رحمه الله (والد زياد). بعد أن عرفني زياد عليه نشأت بيني وبين علاقة خاصة. كان يحبني ويمازحني دوما. كان أيضا قد عرف من زياد أنني أقيم لوحدي في منزل أهلي، بعدما أصرت أم غسان رحمها الله العودة إلى (الشيخ مسكين) والإقامة هناك في بيتنا الجديد، الذي بناه والدي رحمه الله. كان من عادة أبو زهير أن يجلس على البلكون في الطابق الثاني، ويتفحص القادم والمغادر إلى حارته. صار عندما يراني قادما، يصيح بأم زهير والدة زياد رحمها الله: “أتى الحوراني، شوفي شو عندنا أكل بايت سخنيه خليه يأكل خطي عايش لحاله أحسن ما نكبه”. ويفرقعها ضحكة!

 المهم في الموضوع كل حارة زياد باتت تعرفني من وراء أبي زهير أنني “حوراني عايش لحاله” هههه. لكن أم زهير تقول لي: “لا ترد عليه يا خالتي البيت بيتك”. كانت فعلا كل مرة تجبرني على الغداء أو العشاء حسب وقت زيارتي. لكن في مرة من المرات كان زياد قد أحب فتاة يبدو أن أبا زهير وأم زهير لم تعجبهما. أتيت لزيارة زياد مرة لأمر هام، لم أعد اذكره لكن له علاقة بعلمنا مع المقاومة الفلسطينية، ولهذا الملف بحث آخر. لم أجد زياد فأجبرني أبو زهير على الصعود وقال لزوجته كالعادة: “شوفي شو في أكل بايت…” بعدما أكلت ولم يأتِ زياد وتأخر الوقت، خطرت ببالي فكرة شيطانية؛ قلت له: “عمي أبو زهير أنا أتيت لعند زياد لأنه البارحة أخذ مني 150 ليرة كي يدفع فاتورة عيد ميلاد حبيبته في المطعم”. هنا تغيرت ملامح الرجل، وسألني كم بلغت الفاتورة قلت له بحدود 800 ليرة، فصرخ “يا ساتر”. وأنا غدا آخر يوم بالتسجيل بالجامعة ولا أملك هذا المبلغ. رأيته ينهض من مكانه ويحضر لي المبلغ ويقول: “لا تخاف عمي أنا زي أبوك” وأعطاني إياه.

 خرجت من البيت مسرعا وأنا اضحك. وفي قرارة نفسي قلت طالعت من العم أبو زهير الخمير والفطير. لكن الطامة الكبرى أنه في الواحدة ليلا سمعت نقرا على شباك غرفتي، فتحت الشباك وإذ بزياد يقول لي: “افتح يا عرصة هههه قلعني أبو زهير من البيت وقلي اسأل صاحبك الحوراني”.

 عندما عاد زياد إلى البيت كان والده بانتظاره على البلكون وقال له: “ما في نومة بالبيت روح لعند الذين دفعت لأجلهم فاتورة ب 800 ليرة بالمطعم”. حاول زياد أن يشرح لكن عبث. أتى ليفهم ما هي القصة من جهة ولينام عندي من جهة أخرى، فنكلت به قليلا وقلت له: ” روح يا أخي.. الله يبعث لك”. فقال عتضباً:  “افتح يا ابن الحرام الدنيا وجه الصبح”. هذه المحطة تذكرني دوما بهذه العائلة الرائعة. فيما بعد تصالحت مع أبي زهير وأعدت له المبلغ.

زر الذهاب إلى الأعلى