فنون وآداب

كوميديا (ما اختلفنا): تهريج باسم ياخور بأموال قطرية وهروب من التفاصيل المحلية!

العربي القديم – أحمد صلال

يعيش المشهد الدرامي السوري مفارقة واضحة؛ فالدراما السورية تعيش فترة اضمحلال على مستوىالمحتوى والنوع، رغم وفرة الإنتاج على مستوى الكم، مدعوماً بالمال العربي… وهي تعاني من عدم وجود تجارب وأنماط تمثيلية مختلفة تقدم جديداً في الصيغة الفنية أو الرؤى، ويأتي المسلسل السوري “ما اختلفنا” سيناريو وحوار مجموعة من الكتاب العرب تحت إشراف زياد ساري وإخراج وائل أبو شعر وإنتاج”ميتافورا” القطرية لتقدم نموذجاً عن هذه الإشكالية.

مع ميتافورا القطرية يحضر باسم ياخور هذه المرة، وباسم يحط رحاله أنى تفوح رائحة المال… حتى لو كان في دولة ماتزال تصف النظام الذي يدافع عنه بالنظام المجرم… أما الوسائل التي يستخدمها باسم ياخور في أدائه لإثارة الضحك فضلا عن اعتماده  أسباب الضحك المفترض وجودها في النص, فهي وفق الآتي:

ـ المبالغة: المبالغة من التقنيات الهامة التي استخدمها معظم الممثلين، وهي أن تتحدث عن أشياء صغيرة كما لو كانت كبيرة، ولابد أن تكون المبالغة ممنهجة. وباسم فنان في المبالغة غير الممنهجة، وحتى الشطط والإسراف مستندا على إرثه في السلسلة التهريجية عيلة ست وسبع وثمان نجوم!

– التكرار: يأخذ التكرار عددة أوجه, منها التكرار في الكلمة والحركة والموقف,

ـ النكتة: يلجأ بعض الممثلين الكوميديين إلى استخدام النكتة الشائعة والمتداولة لإضحاك الجمهور, ولا يخلو عرض من العروض الكوميدية إلا وكانت هناك نكتة ما مولفة في هذا المشهد أو ذاك.. والنكتة كلام يثير الضحك حينما يقال بطريقة معينة ويشمل على تناقضات في الأحداث أو بنية الموقف

– التناقض: حينما يسمع السامع مقطعين من الكلام يعاكس أحدهما الأخر أو يشاهد المشاهد حركتين تعاكس إحداهما الأخرى أو موقفين يعاكس أحدهما الآخر، أو شخصين يتعاكسان في شكلهما أو في سلوكهما عند ذلك يحدث الضحك.

ـ التورية: يقصد بالتورية القول الذي يخفى قائلة مقصداً آخر غير المقصد الظاهر…

الهروب من البيئة

يسير مسلسل “ما اختلفنا” من خلال لوحات تمثيلية يفترض أنها كوميدية، لكنها تأتي باردة ومستهلكة، لأنها تحاول أن تسلط الضوء على مشكلات مثل الفساد وتأنيب الضمير والبطالة والبحث عن عمل وأزمات شرطة المرور النفسية، لكنه يهرب من الجغرافيا ومن البيئة الحاضنة، فتبدو هذه المشكلات معلقة بالهواء لا تعالج واقعاً معيناً بل تحاول أن تلامس حالة عامة باهتة لا تتعمق في التفاصيل ولا في رسم الملامح والوجوه، ثمة عدم سلاسة بين ما يفترضه حمولات الحوار والسيناريو والصورة البصرية وحركة الكاميرا وأداء الممثلين، وما يفرضه من سير سلس بين الآفات الاجتماعية والهموم اليومية في حياة الإنسان العربي، مستعرضاً في هزل وسطحية وبأسلوب غير خلاق، الفشل في إبراز التغييرات التي فرضتها الظروف من النواحي الاقتصادية والسياسية والمعيشية وحتى التكنولوجية على الإنسان العربي… والسبب أن الواقع العربي متفاوت جداً بين منطقة وأخرى، بين بلد وآخر، واللهجة السورية التي يتحدث بها العمل، تفترض إضاءة على الواقع السوري، بينما ولأسباب تشبيحية صرفة يحاول صناع العمل الهروب منها

البديل في هذه الحال الهروب إلى الحالة الافتراضية والإلكترونية، وفي هذا الإطار، برزت لوحة بعنوان “خيارك الذكي” التي خاضت بأسلوب كاريكاتوري، التأثيرات التي أحدثتها شبكات التواصل الاجتماعي من خلال قصة شاب يذهب مع أهله لطلب يد فتاة نالت إعجابه. حتى الآن الموقف تقليدي بامتياز، لكنه يبدأ بالتحول إلى العكس، حين لا يكترث والد الفتاة (باسم ياخور) بشهادة الشاب الجامعية، معتبراً أن عمله كـ”مؤثّر سوشيال ميديا” (انفلوونسر) أهم بكثير، مضيفاً: “هذا هو المستقبل”. محاولة لمواكبة قيم العصر ونجومه لكنه تفتقر إلى الطرافة والصياغة الكوميدية اللماحة واللاذعة.

وتستدعي هذه المواقف بطبيعة الحال السؤال عن منزل الزوجية والنقد والمؤخر والعلامة وغيرها من الطلبات المألوفة والطبيعية، لكنّ الموقف هنا مغاير تماماً، فالمنزل عبارة عن “سفاسف لا تهمّ” مقابل عدد متابعي العريس على “تيك توك” وإنستغرام”، هذا هو “الرصيد الحقيقي”.

وهكذا يحدّد ربّ الأسرة المتأخر بنصف مليون من الـ”فولوورز”، و”ملبوس البدن” بكلمات السرّ (باسوورد) الخاصة بحسابات العريس، فابنته (دلع نادر) تستحقّ الأفضل، لأنّها “فاشينيستا عصامية تنال صورة رجلها أكثر من خمسين ألف إعجاب (لايك).

وتنتهي اللوحة بخلاف أفراد العائلتين والوالدتين (سلمى المصري ورنا شميس) المشتغلتين على التوالي بتوقّعات الفلك والطبخ على مواقع التواصل الاجتماعي، وبالطبع يستغلون المشادة من خلال بثها مباشرة عبر “هواتفهم الذكيّة”.

المهرج!

لا تختلف الشخصية المضحكة “الكوميدية” التي يقدمها المهرج باسم ياخور، الشخصية التي يقدمها من حيث أبعادها  وصفاتها ولو بشكل نسبي، والجسم عضوياً وجسمانياً مغيب تماماً لصالح حضور البساطة والعفوية الزائدة عن اللزوم قد تأتي في نتائج عكسية، والتعبير الجسماني والصوتي هو الآخر غائب، يحل بديلاً عنه “تقافز” أمام الكاميرا؛ وهنا تأتي المبالغة والاصطناع لتقودنا إلى تشوهات كوميدية؛ ولا يبدو أن ياخور يمتلك قدرات تعبيرية كافية لتفنيد هذا الكم من الشخصيات المتبانية التي تظهر في لوحات العمل،  إذ تغيب عن أدواره أيضاً  التلوين والمرونة التي لا تحضر في المتغيرات الكثيرة والسريعة. وهو لا يقدم جهداً  استثنائياً في مقاربة الشخصيات التي يؤديها دور فيبدو هزلي وفقير كوميدياً وميال للتهريج حين تعوزه الحيلة، وينقصه الكثير الكثير من أن يوصف بأنه “نجم الشباك”، أداء لا يجعلنا سعداء ومسروريين بقدر ما يثير”الضحك الأسود”، من هذه الخلطة وهذا الاستسهال، وسط حضور ممثلين كوميدين باتوا يستخدمون حضورهم التقليدي في الكوميديا دون أي تجديد يذكر كمحمد خير الجراح وجرجس جبارة وجمال العلي، وإنو كانوا بالطبع أفضل من ياخور كحضور.   

خارج التفاصيل الفنية فقد شن نشطاء سوريون على شبكات التواصل الاجتماعي هجوماً لاذعاً على قناة “العربي2” وشركة “ميتافورا” وهي الشركة المشغلة تلفزيون سوريا، وقد صفوهما بأنهما  يدخلان مئات الآلاف من الدولارات لجيوب شبيحة النظام ويسهمان في إنعاش سوق الدراما التشبيحية المتعثر، وخرق لمبادئ الثورة عبر عرض عمل يلمع صورة النظام ويدعمه؛ نظام قتل وهجر واعتقل وغيب وعاث فساداً بالبلد والشجر والحجر. ولب المشكلة أن قطر ماتزال تبدو رافضة للتطبيع مع النظام ومهتمة بإبراز جرائمة في المحافل الدولية، بينما تسلك مؤسساتها في الفن والإعلام مسارا آخر، يجعل السوريين بين عاتبين عليها وغاضبين من إزدواجيتها. ولاشك أن استقطاب وجوه غارقة في التشبيح في إنتاجاتها يبقى أمراً غير مستساغ، مهما جرى تسويقه بتبريرات شتى. 

زر الذهاب إلى الأعلى