الرأي العام

المفتي حسون في السجن: هل أخطأوا باعتقاله؟

ألم يأخذ المفتي السابق وأشباهه دوراً دعائياً وتحريضياً مشابهاً للحالة النازية في مقابلاتهم وخطبهم ودروسهم؟

عبد الرحمن ريا- العربي القديم

ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بجدل كبير بعد الإعلان عن اعتقال الشيخ أحمد بدر الدين حسون في مطار دمشق الدولي أثناء محاولته الخروج إلى الأردن. السواد الثوري السوري رحب باعتقال الشيخ الذي اعتبر ثورة سورية “فتنة” و “مؤامرة” زاعماً أن من قتل أطفال وثوار سورية هم الثوار أنفسهم![1]. قبل أن يؤوّل نصوص القرآن لمصلحة الأسد الساقط حين قال إن السوريين في الداخل مقصودون بقول الله تعالى: “لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم” وأن الذين نزحوا وهاجروا خلال سنوات الثورة، هم أسفل السافلين، والدليل الآية القرآنية” ثم رددناه أسفل سافلين”[2].

أما أتباع المفتي، وبعض من يتبنون فكر المصالحة والعفو، فقد استنكروا اعتقال شيخ إسلامي يجب أن تكون له حصانة “العمامة”، خصوصاً أنه غير متورط بالقتل أو التعذيب والتعفيش.

فأي الفريقين أقرب للحق والعدل؟

بعد الحرب العالمية الثانية، ومحاكمات نورنبرغ للجيش النازي بضباطه وجنوده والمتعاطفين معه؛ كان هناك سؤال حيّر مراكز الأبحاث حول العالم، وأجريت عليه دراسات عديدة:

هل الجنود الذين نفّذوا مجازر الهولوكوست مجرمون وقتلة، أم أنهم مجرّد منفّذين للأوامر؟

أو بصيغة أكثر عمومية:

كيف يتجاوب اي شخص مع سلطة شرعية تطلب إليه الإساءة لفرد ثالث؟

في محاولة الإجابة على السؤال أجرى الدكتور “ستانلي ملغرام” مجموعة تجارب مثيرة، صدمت نتائجها العالم…

قام ملغرام بنشر إعلان في الصحف يطلب فيه متطوعين للقيام بتجربة بحثية لصالح جامعة “ييل”، لقياس دور العقاب في التعليم: يقوم بالتجربة اثنان من المتطوعين، أولهما يجري التجربة، والآخر يحاول الإجابة على مجموعة أسئلة (وهو متطوع وهمي، تم الاتفاق معه لتمثيل دور الضحية). يعرض المتطوع الأول الأسئلة على المتطوع الثاني (الممثل). عقوبة كل إجابة خاطئة ستكون صعقة كهربائية، ستتزايد شدتها من بضعة فولتات، إلى ما يصل إلى 450 فولت.

رغم أن “الممثل” كان يتظاهر ان الصعقات تؤذيه، وأنه يتألم ويصرخ أحياناً، أو يتظاهر أنه مريض بالقلب وعلى وشك إصابة يمكنها أن تكون مميتة. إلا أن ثلثي المتطوعين كانوا يستمرون بالصعق وتنفيذ تعليمات المشرف الذي يرتدي الجلباب الأبيض ويمثل “السلطة”.

أبدى المتطوعون في التجربة حرصاً كبيراً على تنفيذ الأوامر بكل مهارة، بينما كان قلقهم بشأن القيم الأخلاقية محدوداً، لقد تركوا تقييم الأهداف والاخلاقيات للمشرف “للسلطة”. وعندما سُئلوا بعد ذلك، أجابوا بشكل مشابه لمتهمي نورنبرغ “لقد كنت أنفّذ واجبي”.

حلّل “ملغرام” تجربته في كتابه الشهير “الانصياع للسلطة  Obedience To Authority”:

“لقد كانت مرجعية التجربة لجامعة ييل المعروفة، بالإضافة إلى ثياب المشرف المهنية، وطبيعة الإعلان، كافية لأخذ دور السلطة الشرعية عند المتطوعين. أما في الحالة الألمانية النازية (والكلام لملغرام) فقد اشتغلت الدعاية المعادية لليهود بشكل منهجي على اقناع الألمان بقبول تدمير اليهود… خطوة بخطوة تم استبعاد اليهود من فئة المواطن، ثم تم حرمانهم من صفة بشر!”

في الحالة السورية، ألم يأخذ المفتي السابق وأشباهه دوراً دعائياً وتحريضياً مشابهاً للحالة النازية في مقابلاتهم وخطبهم ودروسهم و و و…. ألم يسوّقوا رواية السلطة ويشرعنوها تحت مظلة العمامة حيناً، والرصيد الفني أو الثقافي أحياناً أخرى؟

أشرف الأسد الأب وبعده ابنه على تشكيل المؤسسة الدينية والثقافية والفنية الرسمية بشكل مدروس لتتبنى خطابه وتسوّقه وتبشر به، واتبع سياسة الجزرة وصيدنايا؛ إما أن تكون معنا فتصبح من الفئة الناجية وتنال رضانا ومكافأتنا، أو ألا تكون فتصبح من الفئة الباغية المتآمرة الخائنة.

اختار “حسّون” وأشباهه الجزرة، فكانوا شركاء السلطة التي أشرفت على القتل والاجرام وبرّرته، أما من نفذوا فربما كانوا أحياناً مجرد وكلاء ينفذون رغبة وإرادة “الأخ الأكبر”، دون أن ننفي مسؤوليتهم وضرورة محاسبتهم بالطبع.

إن مجرد وقوف بدر الدين حسون وأمثاله تحت قوس العدالة، نادماً متأسفاً على ما أجرم بلسانه أمر له رمزية استثنائية؛ ليس بقصد التشفي، ولكن ليكون مؤسّساً للكثير من العبر لأجيال سورية القادمة.


[1] قال ذلك منذ بداية الثورة في مقابلة معروفة مع قناة الجزيرة الفضائية.

[2]  ذكر حسون ذلك خلال خطبته في عزاء الفنان صباح فخري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى