الشعر الناطق بالعربي في ملتقى فيينا
غسان المفلح – العربي القديم
سافرنا إلى فيينا لمدة يومين بشكل عاجل، لحضور ملتقى الشعر العربي الذي انطلق يوم الجمعة 26/4/2024 وعدنا محملين بتعب السفر من جهة، والفرح النسبي في رؤية أصدقاء وتعرفنا إلى أصدقاء جدد من جهة أخرى. ليس كلهم شعراء بالطبع. كان الجمهور أكثر من الشعراء.
بداية قبل المتابعة لا بد من شكر طاقم عمل البيت العربي النمساوي من جهة وبشكل خاص الشاعر السوري الجميل علي الحسن. علي حاول منذ لحظة البداية – الفكرة أن ينجح مشروعه في لم كوكبة من الشعراء العرب من خارج النمسا، لإقامة مهرجان شعري بمناسبة يوم الكتاب العالمي. بغض النظر عن السلبيات الخفيفة المتفرقة هنا وهناك، فقد نجح علي في تحقيق فكرته وجمع قسما قليلا على الأقل من أهل فيينا ليستمعوا إلى شعراء يكتبون بالعربية، من خارج فيينا. علي أجاد فيما قدمه شعريا. خاصة مسرحة الشعر في افتتاح قصائده. في الحقيقة كانت احتلال للمسرح كله في فقرته الخاصة. يمكننا تسميته “احتلال شعري للمسرح”. كان يتحرك كممثل وشاعر معا. هذا ليس مدحا بل تصوير واقعة. لأننا اختلفنا أنا وعلي لاحقا على بعض رؤى وتفاصيل تخص التجربة الشعرية للشعراء السوريين خاصة في المغترب والمنفى.
كانت هنالك أصوات شعرية من العراق ومن الجزائر والمغرب وسورية، عربا وكردا وفلسطين، لكل نكهتها وحكايتها ولغتها. بالطبع قصيدة النثر هي التي كانت طاغية، باستثناء العراقيين إياد الهاشم ومفيد بلداوي والشاعر السوري فايز العباس، فايز كان مفاجئا لي بما ألقاه لأول مرة أستمع إليه، من زاوية تمكنه من لغته الخاصة في خطه الشعري.
محمد المطرود السوري العربي الكردي كان حاضراً بطريقته الشعرية التي تحاول اجتراح الاختلاف عن السائد أيضا. أما الشاعر السوري الكردي الجميل محمد زادة فشهادتي مجروحة به. أولا لأنني كنت للمرة الثانية أستمع له يلقي نفس المقطع من نفس القصيدة الطويلة التي تحمل عنوان” الكرد يحبون الله كثيرا” وثانيا لأنه يمتلك تجربة شعرية أتابعها منذ أكثر من سبع سنوات. تجربة متميزة منفتحة على الإنسان عامة والسوري خاصة، والكردي بشكل أخص، في مزيج متفرد وخاص به.
قبل أن أنتقل للحديث عن الصوت النسائي الشعري، لابد لي من القول والتأكيد على أن معيار الحكم على الشعر والشعرية بالعموم هو ذاتي. أما الحكم الموضوعي فهو لايزال مثار خلاف عميق أحدثته اختراقات قصيدة النثر. اختراقات أكثرها سردية تقريرية وقليلها شعر. الأصوات النسائية التي استمعت إليها، تشير إلى إمكانية بروز تجربة شعرية نسائية متميزة. لكن التجربة الوحيدة التي قرأت لها قبل ذلك هي تجربة الشاعرة الفلسطينية بيسان فارس، في الواقع بالنسبة لي هي قصيدة تقرأ وتستحق أن تقرأ لكنها لا تلقى في مهرجان فيه جمهور متنوع. بالمقابل دون أن اذكر أسماء كان هنالك تقريرية وسرد غير موفق أحيانا.
حاولت بمعرفتي ومتابعتي الشعرية القليلة أن اكتب هذه المادة، لأنني وجدت أنه من الضروري جدا العمل الدائم والدؤوب لخلق أجيال شعرية جديدة في المنفى أو الاغتراب بشكل عام. تجربة تتواصل بشكل أو بآخر مع هموم الانسان المقموع والمنتهك في بلداننا العربية، من قبل سلطات طاغية وفاسدة. إيصال صوته بشكل أو بآخر وبطرائق لا تقلل أبدا من الشعرية بأية حال.
كل زفرة معتقل في سجوننا السورية والعربية هي لوحدها قصيدة. كل اسم قتل على يد طاغية من أجل الحرية هو ديوان شعر ورواية وقصة. كل صوت امرأة مقموعة أو معتقلة أو مفتولة في سياق تجربة تحرر إنساننا العام في منطقتنا، هي جزء رئيسي من حكاياتنا العامة.
لكن للأسف دوماً في كثير من النشاطات تشتم روائح سلطاتنا العربية الديكتاتورية النهّابة والقاتلة دوماُ كلما اقتضت مصالحها. ماذا يعني أن تقول: نحن مؤسسة لا تريد التدخل في السياسة. حسنا لكن مطلوب منها أن تتدخل بالهم الإنساني العام لابن منطقتنا العربية.
فماهي هموم ابن منطقتنا في التجربة الشعرية في بلاد اللجوء والاغتراب والمنفى؟
بقي أن أكتب عن تجربة القائمين على مسرح “للاش” الفنانة القديرة نيكار حسيب وزوجها السيد شامال أمين. كان لهما فقرتان خاصتان قدما من خلالهما غناءً شعرياً مُمسرحاً قليلا. فنانة أذهلتنا بصوتها كما أذهلتنا طريقة إلقاء قصائدهما المغناة. كما نشكر الصوت الرخيم والذي يطرب حقا صوت الدكتور صفاء رومايا الذي قدم وصلتيْ طرب أحبها الجمهور جداً.