تفاصيل سورية | درس الفتوة والمظاهرة الدمشقية ضد انقلاب حافظ الأسد
بقلم: غسان المفلح
في نهاية السبعينيات، عندما تدرس الثانوية في مدرسة خاصة فأنت ترتاح من مادة ما يسمى الفتوة مقارنة، بالثانويات العامة. حيث تستطيع الإفلات بسهولة من درس الفتوة الأسبوعي، لكن لا تستطيع الإفلات من معسكر الفتوة الصيفي، الذي كانت مدته أسبوعين على مأ أذكر.
يجب أن تحلق شعرك قبل الالتحاق بالمعسكر. الفتوة التي عرفت لاحقا بمادة التربية العسكرية. طيلة تلك المرحلة لم أحضر أي درس أسبوعي. أما المعسكر الصيفي فقد التحقت به في ثانوية الكواكبي. نظام الفتوة عادة ما ينسب لحزب البعث في إقراره. لكنه أقر عام 1945. بقي بين أخذ ورد لزاوية تطبيقه بشدة نسبيا حتى عام 1963 بعد إنقلاب آذار البعثي- الناصري. ثم تحول اسمه في عهد الأسد الاب إلى مادة التربية العسكرية. التي تبدأ من الأول الإعدادي وتستمر حتى التخرج من الجامعة. ثم ألغيت بتاريخ 23 أيار عام 2003. لكن في منتصف الثمانينيات سميت الفتوة “مادة التربية العسكرية” وأقرت للمرحلة الإعدادية أيضا.
هذه المادة استفاد منها البعث والأسدية لاحقا في ترجمة التربية العسكرية لكوريا الشمالية في تمجيد القائد. تمجيد الأسد صار عنوانا لكثير من الأنشطة التي تفرض على الطلاب. كنت في ثانوية دمشق الوطنية الخاصة. أيضا لم أخرج بمسيرة من مسيرات الأسدية الأجبارية. تلك المسيرات المفروضة سنويا تقريبا بمناسبات الأسد القومية والوطنية! حيث يجبر العاملون في الدولة وطلاب المدارس والجامعات للخروج فيها تأييدا لنهج القائد، ثم صار اسمه القائد الخالد.
التحقت بمعسكر الفتوة في ثانوية الكواكبي بحي (أبو حبل) في منطقة الميدان. كان الدوام يومياً لمدة خمس ساعات تقريبا، نتدرب فيها على السلاح القديم لمدة أسبوعين. وبعض دروس ما يسمى “النظام المنضم” المشي العسكري الترادف والتحية العسكرية وغيره. كان المدرب العسكري يأتي من الجيش. لكن بعد فترة استحدثوا ما يسمى “مدرب فتوة” كاختصاص في المعهد الرياضي الذي يخرج أساتذة رياضة. بقي هذا الأمر حتى ألغيت مادة التربية العسكرية.
كان اللباس يشبه البدلة العسكرية في المعسكر مع البوط العسكري الذي وزنه أكثر من كيلوغرام. السيء أيضا في الموضوع أن هذا المعسكر يعكر على الطلاب أجواء العطلة الصيفية. يأخذ منها خمسة عشر يوما. في عهد الأسدية يمكننا القول عن ظاهرة عسكرة التعليم. حيث فرضت طلائع البعث أيضا على تلاميذ المرحلة الابتدائية. في مرحلة من تاريخ دمشق كانت الثانويات مركزاً لنشاط سياسي. لكن هذه المرحلة قامت الأسدية بدفنها. في عام 1970 تشرين الثاني بعدما قام الأسد بانقلابه خرجت بعض التظاهرات ضد الانقلاب. ومنها خروج ثانوية الكواكبي هذه في تظاهرة
من التظاهرات. لم اعد أذكر مدير الثانوية في تلك المرحلة، لكن لايزال يعلق في ذهني أنه من بيت شهاب الدين، لست متأكدا. لقد قاد التظاهرة بعدما خطب بالطلاب وشجعهم على الخروج فيها. خرجت الثانوية مع تجمعات أخرى. واجهتهم قوى الأمن وقوة سرية الدفاع عن العاصمة عن العاصمة التي يترأسها رفعت الأسد، والتي منها تمت تسميتها لاحقا قوات سرايا الدفاع. التي بثت الرعب في سكان دمشق طيلة وجودها. كان مدير الثانوية يضع نظارة طبية. كانت القوات المواجهة لهم ترتدي قلابيات مدنية، وتحمل ما يسمى بالنطاق العسكري لتضرب فيه المتظاهرين وتفرقهم. يهتفون وهم يضربون المتظاهرين بهاتف “جيش وشعب وشعب وجيش وياك يا حافظ أسد”. والمتظاهرون يهتفون بإسقاط الانقلاب. عندما اصطدم تجمع الكواكبي بالمعتدين وهم يهتفون، قام أحد هؤلاء بضرب مدير الثانوية بالنطاق العسكري من طرفه المعدني على وجهه. لتنكسر نظارة المدير، فما كان منه إلا أن التفت إلى الطلاب وبدأ يهتف: “جيش وشعب وشعب وجيش.. وياك يا حافظ أسد”. وتحولت تلك الحكاية إلى طرفة، لكنها طرفة أسست منذ تلك اللحظة للقمع الأسدي برمته.