بليغ حمدي في ذكرى رحيله الثلاثين... ماذا كان رأي عبد الوهاب الحقيقي في فنّه؟!
تحتفل الأوساط الفنية العربية هذا العام، بالذكرى الثلاثين لرحيل الموسيقار المصري بليغ حمدي الذي رحل عن عالمنا في الثاني عشر من أيلول/ سبتمبر عام 1993 عن عمر لم يتجاوز الثانية والستين عاماً، تاركاً بصمة لا تُمحى في الوجدان العربي كلّه.
أمل مصر في الموسيقى
بليغ حمدي المولود في حي شبرا بالقاهرة، عام 1931 لأب كان يعمل أستاذاً للفيزياء فى جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حالياً)، وصفه المطرب عبدالحليم حافظ، حين كان يُقدّم الفرقة الموسيقية التى ستعزف معه أغنية “حاول تفتكرنى” فى عيد الربيع عام 1973، بأنه “أمل مصر في الموسيقى” وكانت (حاول تفتكرني) التي لحنها له بليغ حمدي لحليم أغنية الموسم المدوّية، في تعاون أنتج (29) عملاً غنائياً، افتتحه عام 1957 بلحن “تخونوه” في فيلم (الوسادة الخالية)، واختتمه عام 1977 بقصيدة (حبيبتي مَن تكون) التي صدرت بعد وفاة عبد الحليم حافظ بأعوام.
ورغم المسيرة الحافلة، والمتوهجة بقمم الأعمال الغنائية التي وقّعها بليغ حمدي، لعمالقة العصر الذهبي للغناء، وفي مقدمتهم بالطبع السيدة أمّ كلثوم التي غنّت له (11) لحناً، كان أولها (حب إيه) عام 1960 وآخرها (حكم علينا الهوى) عام 1973التي كانت آخر ما غنّت في حياتها، فسجلتها في الأستوديو، ولم تقدمها على المسرح بسبب مرضها، ورغم ما قدمه من عشرات الأغاني لوردة، وشادية، وصباح، ونجاة الصغيرة، وفايزة أحمد، وسعاد محمد، وعزيرة جلال، ومحمد رشدي، ومحرم فؤاد، وهاني شاكر، وعفاف راضي، وسميرة سعيد، وميادة الحناوي، إلا أن موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب كان له رأي خاص في فنّه وشخصه، يمكن وصفه بأنه أقرب للذمّ منه للمديح، أو ذمّ بصيغة المدح!
عبد الوهاب الماكر
كان الموسيقار محمد عبد الوهاب رجلاً ماكراً، يحتفظ بآرائه الحقيقية في زملائه المطربين والملحنين، وفي السياسة والمجتمع، والفن والمرأة، ويُبدي في مقابلاته الصحفية والتلفزيونية، آراءه غير الحقيقية المليئة بالمجاملة طيلة حياته.
وقبيل وفاته، دوّن عبد الوهاب كلّ ما يريد قوله، وأوصى زوجته نهلة القدسي أن تعطي أوراقه الخاصة، بعد وفاته لصديقه الشاعر فاروق جويدة، لتنقيحها ونشرها بعد رحيله. طبّقت وصية عبد الوهاب، وصدر الكتاب بعنوان (رحلتي: الأوراق الخاصة جداً) بطبعة أولى عام 1998، ما أتاح لنا أن نطلع على رأيه الحقيقي في بليغ حمدي، حيث قال:
موهوب ولماح ولكن…!
بليغ حمدي ملحن موهوب لماح. وهو يوحى إليه بجمل على مستوى رفيع من الجمال والفن، وعندما يعثر على جملة يستطيع بذكائه أن يستغلها أكبر استغلال، فهو يلحّ عليها، ويُعيدها ويبرزها، ويعصرها عصراً، حتى يلفت أذن المستمع إليها، فيصادقها ويحفظها. وهو تاجر في فنّه، وليس تاجراً في حياته الأخرى. وعندما يجد الجملة الجميلة يعتبر نفسه أنه وضع يده على عمل فنّي يستحقّ الظهور بسرعة، ويزيد في رصيد فنّه وماله، فلا يعبأ بما يحيط بهذه الجملة، المهم أن العمل يخرج إلى الناس، ويقبض الثمن.
لذلك فهو يضع للجمل الجميلة أيّ شيء. أيّ كلام. لا يهمه العمل ككل، ما دام يضمن أنّ هناك جملة سترضي الناس.
فمثلاً إذا أعطينا جملته الموسيقية عشرة على عشرة، يمكننا أن نعطي الإطار الذي قُدّمت فيه هذه الجملة اثنين من عشرة، لذلك نجد أن الفرق كبير وواضح بين الجملة في عمله، وبين ما أضاف عليها، والحكمة تقول: وبضدّها تتميز الأشياء، ولذلك نجد أن إطار الجملة، وما أحيط بها، أو ما قُدّم بها لا شيء.
وبليغ ملحن صالون وشارع، لكنه ملحن شارع أكثر. وبليغ عنده صمم لألحان غيره، فهو لا يحسّ بجمال غيره، ولا يريد أن يحسّ بهذا الجمال، وإذا ما مدحته في حضوره انتفخ كالديك الرومي، وقال من غير أن يقول: هل من مزيد. بليغ ليس فيه خجل الفنان الكبير.
وبليغ تجاري في فنّه، مع ما يستلزم ذلك من السرعة، وعدم التأمل في تركيب العمل ككل، لذلك تحسّ بأن عمله عبارة عن “مونتاج”، وعندما أسمع لبليغ خاطراً جميلاً، أشعر بأنه ليس صاحب الفضل فيه، وإنما جاءه الخاطر من الغيب، وبليغ عندما يريد وضع هذا الخاطر في عمل، ويجيء دوره كمبدع بتفكيره، وعنائه وتأمله، أشعر بالفرق بين الخاطر الذي جاءه من الغيب، والعمل الذي صاغه بنفسه”.