تفاصيل سورية | سيرة عائلات سورية مع السجن السياسي الأسدي
يكتبها: غسان المفلح
من الصعب علينا المرور على ملف السجن والاعتقال والتعذيب عند السجان العام الأسدي دون المرور على قصص واقعية من جهة وحقيقية من جهة أخرى. الواقع السوري في ظل السجان العام الأسدي كان رعبا بالمعنى الحقيقي للمفهوم. كان فظيعا أيضا.
كثيرة هي المفاهيم التي هي عبارة عن حقائق يفرزها واقع ممنوع الكلام عنه قبل الثورة تقريبا، السجان العام عندما كانت الصحافة الغربية تسأله عن وجود الاعتقال السياسي في سورية بطريقة مجرمة وواضحة، كان يجيب: ليس لدينا معتقلون سياسيون لدينا مجرمون. هذا الواقع الذي كان السجان العام حريصا على إخفائه دوما مهما كلفه ذلك من ثمن.
ثمة قصص يجب أن توثق حتى لو كان هنالك ظرف ما لأصحابها لا يستطيعوا هم أنفسهم توثيقها مرئيا أو مسموعا أو مكتوبا. هذه القصص ربما تكون بعدد المعتقلين الذي اعتقلهم هذا السجان الأسدي العام على مدار أقل من ستة عقود من عمر الزمن السوري. عندما نتحدث عن هذا العدد نحن نتحدث عن ملايين، ربما إذا أضفنا لهم أعداد المغيبين والمختفين قسريا عدا قصص ملايين القتلى أيضا. لكن ما نرويه من قصص نعرفها وعايشنا جزء منها يعطي مؤشرا قويا عن هذا السجان العام وكيف يتعامل مع السوريين. من هذه القصص قصة عائلة الصديق فاروق الزعبي وعائلة الصديق فرج بيرقدار. عائلتان كان بينهما مصاهرة وتاريخ في سجون الفاشية الاسدية.
اعتقل فاروق العلي وأخوه محمود أول مرة عام ١٩٧٨ في شهر أيلول. خرج محمود بعد فترة قصيرة، وخرج فاروق في شباط ١٩٨٠.
اعتقلت شفق العلي ومحمود وبسام في نفس اليوم من حملة ١٩٨٦. التي بدأت في يوم الأرض من ذلك العام على اللجان الشعبية وحزب العمل الشيوعي. كنت قد كتبت عن هذه الحملة في زاويا سابقة. بعدها بأشهر لحق فيهم أخوهم الرابع فاروق العلي. شفق التي كانت متزوجة من الشاعر السوري فرج بيرقدار الذي اعتقل أيضا في اليوم التالي لاعتقال زوجته شفق العلي.
كما قلت اعتقل فاروق للمرة الثانية نهاية عام ١٩٨٦. خرجت شفق وخرج بسام نتيجة المرض 1990. خرج محمود عام ١٩٩١ شهر أيار.
توفي بسام بعد فترة متأثرا بمرضه. شفق مريضة حتى تاريخ كتابة هذه الزاوية وتعيش في درعا. الأذى طال كل أفراد الأسرة دون استثناء وخاصة الوالد رحمه الله. كان مظهر فارس رئيس فرع فلسطين، يستدعي والدهم تقريبا كل يوم ويتركه واقفا أمام الفرع حتى ساعة متأخرة من الليل، ثم يبلغه أن يعود غدا وهكذا. في حالة من الانتقام الأسدي العام.
من جهة أخرى اعتقلت هند قهوجي زوجة فاروق العلي مرتين:
المرة الأولى :12 / 06 / 1982
بقيت بالفرع بالزنزانة أو المنفردة كما تسمى أيضا لوحدها حتى خرجت من فرع التحقيق العسكري :
27 / 03 / 1983. تسعة أشهر تقريبا وهند في المنفردة.
الاعتقال الثاني لهند من قبل فرع التحقيق العسكري: 19 / 03 / 1984
وخرجت من السجن: 26 / 11 / 1991.
اعتقل الشاعر السوري فرج بيرقدار 31 آذار 1987 واعتقل أخوه ابراهيم 13 تشرين الأول 1987 أما الأخ الأكبر لهما حسن بيرقدار فقد اعتقل عام 1981 وبقي في تدمر حتى أفرج عنه بعد 11 عاما. ويكون حسن وبعده فرج قد زارا سجن تدمر بوصفه مجزرة ثابتة في العهدة الأسدية. أما إبراهيم قضاها بين فرع فلسطين وسجن صيدنايا لمدة ثمان سنوات. الاعتقالات في العائلتين عموما بتهمة حزب العمل الشيوعي. الموضوع برمته إغلاق ملف الحريات بشكل كامل منذ جاء الانقلاب التصحيحي 1970. أطلق سراح فرج في العام 2000.
لقد غطى الصديق الشاعر فرج بيرقدار هذا الزمن في السجون الأسدية من خلال أشعاره وكتاباته النثرية المتعددة. أصدر في عام 2011، كتاب “خيانات اللغة والصمت” عن دار “الجديد”، الذي وثّق من خلاله تجربة اعتقاله في سجون تدمر وصيدنايا. كما أصدر “الخروج من الكهف: يوميات السجن والحرية” المؤسسة العربية للدراسات والنشر 2013. وغيرها من القصائد التي كتبها في السجن. يمكن للقارئ الكريم العودة إليها. كما أن إبراهيم بيرقدار خرج من السجن عازف عود، لطالما كان يتمنى ذلك قبل السجن.
عن تجربة السجن والموسيقا وتفاصيلها كتب كثر من الأصدقاء. يمكن العودة لمقال الصديق مالك داغستاني” على مقام “الصَّبا”.. موسيقى سجن صيدنايا”. ومقابلة مع الصديق إبراهيم بيرقدار مع راديو روزنة بعنوان” حفلة موسيقية في سجن صيدنايا العسكري”. ومواد أخرى تتحدث عن هذه التجربة، كمواد العوادين اسعد شلاش حسان عبد الرحمن. ما أود قوله هنا عن بعض التعليقات التي تأتي على هكذا نوع من النشاط في السجن. تتمحور أن جماعة اليسار السوري كانت تعيش في سجن خمس نجوم، قياسيا ببقية المعتقلين من الإخوان المسلمين وبعث العراق وغيرهم. هذا صحيح طبعا، لكن علينا فهمه في سياق العقلية الأسدية ليس إلا. السجن بالنسبة لحافظ الأسد هو تغييب زمني للمعتقل. هذا هو الهدف الأساسي له. حزب العمل الشيوعي عبارة عن حزب يضم مثقفين ومشاريع مثقفين وطلبة. لم يكن يشكل أي خطر على الأسدية. ليس حزب العمل وحده بل كل تيارات اليسار كانت أقرب لحركات مثقفين وحركات طلاب منفردة وصغيرة الحجم والفعل أيضا. مع ذلك لا يقبل السجان العام بمثل هذا. علما أن تجربة اليساريين بتدمر كانت تقارب تجربة بقية معتقلين تدمر. كما يرويها أكثر من صديق. كيف يتعامل السجّان العام مع سجنائه؟ هذا السؤال الذي يمكن أن يستنتج المرء من خلال الإجابة عليه، أن حسابات هذه الأسدية تتمحور أساسا حول تغييب أي صوت أو رأي آخر. التفاصيل تتعلق بمدى شعور الأسد بالخطورة من هذه المجموعة أو تلك من جهة، ومن خلال البعد الانتقامي الفظيع في شخصية الأسد. الفظيع والرهيب في هذه التجربة نجده في كتابات ياسين الحاج صالح عن هذه التجربة. كتابات تنم عن فهم عميق لهذا السجان وسجنه، كما أشرت في الزاوية السابقة.
لماذا أوردت هذه المواد الشواهد؟
في الواقع حاولت أن أوسع زاوية الرؤيا للأسدية وسجانها العام في سورية من جهة، وللتحول الأفظع والأكثر رهبة لهذا السجن الأسدي بعد الثورة السورية آذار 2011.
مع ذلك يبقى علينا في زاويا قادة تحليل كيف يفكر الأسد في الشعب السوري من خلال وضعه في السجن.