فنون وآداب

تجربة مثيرة عن فيلم يصنعه الابن والأب: (مطاردة الضوء المبهر): ياسر قصاب على خطى والده

أحمد صلال- العربي القديم

في بلدة صغيرة في وسط السويد، ينطلق ياسر في رحلة بحثاً عن مصدر إلهام؛ لصنع فيلم مرتبط بمكانه الجديد، لكنه يجد نفسه محاطاً بالعزلة والفراغ. يقرّر والده في حلب، من خلال المكالمات الهاتفية مساعدته في البحث، ناصحاً إيّاه صنع فيلم بعيداً عما يحدث في سوريّة.

وبينما كان ياسر يبحث عن أصل هذا الشغف الذي يتملكّه، يفصح له والده، بأنّ حلمه لم يتحقق منذ أربعين سنة، في دراسة السينما ليصبح مخرجاً، إذ رفضت لجنة الاختيار ترشيحه للدراسة في الاتحاد السوفيتيّ، فقرر السّفر للعمل في ألمانيا الغربيّة.

يزيد اكتشاف تلك القصة من دافع ياسر وشغفه؛ لتحقيق حلمه في صناعة الأفلام. وفي هذه الأثناء، تتبنى السويد سياسة هجرة أكثر صرامة، ويتوجب على ياسر إيجاد عمل ثابت؛ لتجديد تصريح إقامته، فيقرر الانتقال إلى ستوكهولم لدراسة السينما، وصنع فيلم مع والده حول جيلين، وعائلة شتتتها الحرب…إنه فيلم عن تجربتين في المنفى، يجمعهما شغفهما الكبير، وحبهما للسينما.

سار المخرج ياسر قصاب على خطى والده الذي هاجر في شبابه من سوريا إلى أوروبا.  مثله تماماً، لديه الطموح لأن يصبح مخرجاً سينمائياً بعد أن حرم الفساد الحكومي والوساطات الطائفية والده من أن يحقق هذا الحلم.  لكن اليوم، يعمل الأب والابن معاً عن بعد على صناعة فيلم.  ومن سوريا، عبر الهاتف أو عبر مكالمات الفيديو، يقدم الأب لابنه توجيهات لمشاريع الأفلام أو ينصحه بكيفية تنظيم حياته.  وهنا نحن نشارك هذه المحادثات المحببة التي يمتزج فيها الشغف الفني مع الخبرة الحياتية وتتخللها نصائح أبوية حسنة النية.

 تأثر أعضاء لجنة التحكيم في المهرجانات بشكل كبير بسيطرة المخرج الكاملة على اللغة السينمائية، واستخدام عناصر بسيطة للغاية، وحتى متشددة، وأعجب الجمهور بروح الدعابة الذكية والثاقبة لرواية قصة معقدة عن المنفى، وعن فقدان الأسرة، والحنين والوحدة والحزن.  فعل ياسر ذلك بطريقة تأملية وطريفة ومؤثرة في آن.

وكان ياسر قصاب المخرج المولود في سوريّة، والمقيم في ستوكهولم، والحاصل على درجة الماجستير في السينما من جامعة غوتنبرغ، قد اشتهر بفيلم “حافة الحياة”، الذي عُرض لأول مرّة في مهرجان سينما دو ريل، وحصل على جائزة جوريس إيفينز، وجائزة المركز الوطنيّ للفنون الكلاسيكية، كأفضل عمل أوّل.

وحصل في مهرجان دي بوبولي، على جائزة أفضل فيلم وثائقيّ متوسط الطول، وجوائز أخرى. أما فيلمه “لم أرَ شيئَا، رأيت كل شيء” فقد عرض في مهرجان فيجيون دو رييل، في 2019. كما عُرض الفيلمان في عدد من المهرجانات، منها؛ مهرجان الفيلم الوثائقيّ الدّوليّ أمستردام، ومهرجان مونتريال الدّوليّ للأفلام الوثائقيّة، ومهرجان تيمبو للأفلام الوثائقيّة، ومهرجان قرطاج السّينمائيّ، ومهرجان القاهرة السّينمائيّ الدّوليّ.

فيلم ياسر قصاب (مطاردة الضوء المبهر) ليس مجرد مطاردة لأحلام الأضواء السينمائية المبهرة في وجدان عاشقيها وحسب، بل لأحلام أكثر من جيل من السوريين الذين ضيع الاستبداد والفساد أحلامهم، ودمر أمانيهم وبلادهم ثم رماهم في المنافي يكابدون وجع الحنين، أو تيه البحث عن موضوعات جديدة.

.

زر الذهاب إلى الأعلى