قصص لا ينساها الحمويون: سائق إسعاف في مجزرة
العربي القديم – عمـر آغا
التاريخ اليوم ٢/٢/١٩٨٢ تاريخ كل يوم بتوقيت مدينة حماة.
لم أكن أعلم شيئاً، عمّا حصل في مدينتي الجميلة، حتى صرت بعمر الثانية عشرة، فلم يكن أحد يجرؤ على الكلام في قصة كهذه، أمام طفل إطلاقاً؛ بسبب الخوف الشديد من المخابرات.
كان خالي في زيارة قصيرة عندنا، وروى لأمي ما عايشه وما رآه. كنت لأول مرة أسمع عن قصص الرعب، وعن تلك المأساة التي لم تُمحَ من ذاكرة المدينة وأبنائها يوماً.
بدأ خالي يتكلم مع أمي، ويروي لها ما كان يحصل معه في أزقة المدينة في تلك الأيام السوداء، كما قال. كنت منصتاً لحديثه بشدة، وكنت خائفاً كثيراً من هول ما كان يقوله… جالساً في زاوية الغرفة بجانب المدفأة، ووجه خالي المصفر، يتراءى لي مكسواً بوهج النار، وهو يروي لأمي ما عايشه وقتها.
كان ينقل في سيارة الإسعاف التي يقودها جرحى الجيش إلى المشفى الوطني في حماة.
كان يقود سيارته بين الجثث، وفوقها في بعض الأزقة. نعم، فوقها! فلم يكن أمامه إلا أن يدهس بسيارته البيجو رؤوس وبطون الجثث. كان مجبراً أن يواصل السير، لم يكن الأمر بيده إذ كان هناك من يراقبه، وكان التلكؤ تهمة قد تودي به إلى المهالك. وبسبب الصعود والنزول بالسيارة، فوق جثث البشر كانت السيارة ترتفع وتنخفض، فتسبب دفعاً للجثث المكوّمة في سيارته أيضاً، حتى إنه مرة كان يمشي ليلاً، فارتفعت يد إحدى الجثث، ووقعت على كتفه، خاف كثيراً، لدرجة أنه لم يعد قادراً على كبس الفرامل للتوقف، ومشى إلى أن وصل للمشفى، فدخل في حالة إغماء شديد، لمدة ساعة وأكثر، كان وجهه شاحباً لا مشاعر فيه.
بعد المجزرة بقي خالي في حالة ذهول لفترة طويلة، وظل لا يتكلم مع أحد. لم يكن استثناء بين أبناء المدينة.. فكثر عاشوا حالة الوجوم هذه، وهم لا يصدقون أنهم عايشوا أحداثاً، بمثل هذه القسوة والوحشية.
توفي خالي سنة ١٩٩٤ بمرض السرطان، وكان عمره ٤٢ سنة لم يكن يحتمل ما رآه بالتأكيد، وكان مرضه؛ بسبب الحزن الشديد، والموت الذي عاشه في تلك الفترة… رحل خالي، وبقيت ذكراه وحكاياته معنا.
_____________________________________________
من مقالات العدد الثامن من مجلة (العربي القديم) شباط/ فبراير 2024