الرأي العام

نوافذ الاثنين | النكد العائلي في زمن الشيخوخة بين الرجل والمرأة

يكتبها: ميخائيل سعد

قررت ترك بيتي في الفاكهاني (بيروت ١٩٨١)، والانتقال للسكن في رأس بيروت، في شقة مفروشة، ولما كانت الشقة تطل على البحر، فقد كانت تستقبل كثيرا من السوريين المعارضين الفارين من سورية. أحد الأيام زارني فنان سوري معروف مع خطيبته القادمة في زيارة إلى بيروت، وكنت سعيدا بهما. أثناء تحضيري للقهوة نشب حوار بين العاشقين، ولما كانت مفردات الفنان غير فنية وشديدة القسوة على الصبية، تدخلت قائلا لله: ما لك يا رجل احترم قليلا الصبية التي قطعت حدود وبحور الأسد كي تراك، ما مبرر هذه القسوة؟

قال: تعلمت من أبي الذي تعلم من أبيه، الذي تعلم من جده، الحكمة التالية: الزوجة بعد سن الخمسين ستكون هي قائدة البيت، فهي ستستقوي بعمرها الصغير وأولادها على زوجها الذي يكبرها في أغلب الأحيان، بعقد من الزمان عمريا، وسيخضع لها، لذلك أنا أنتقم منها منذ الآن وآخذ حقوقي.

ضحكت من خرافة الرأي، وتابعت حياة العزوبية، وانجبت وهاجرت وبلغت سن التقاعد أي الخامسة والستين، وكانت زوجتي ما تزال في بداية الخمسين من عمرها؛ شابة، قوية، منتجة، أنجبت صبيين طوع يمينها، وكنت كهلا بدأ بالترهل، لا أحد يسمع كلمته، وكانت ذاكرتي القديمة تستحضر ذلك الصديق الذي مرّ بحياتي قبل أربعين عاما وأراد الانتقام من زوجته وهو في عزّ الشباب. فمع تقدم العمر، تغيرت الأدوار التقليدية بين الرجل والمرأة، ووجدت صعوبة في التكيف مع هذه التغييرات، ما أدى إلى صراعات. شبه يومية، كنت غالبا فيها الخسران. أثرت التحديات الصحية على مزاجي وسلوكي. كما أن الأمراض المزمنة أدت إلى مشاعر الإحباط والنكد. ومع التقدم العمر، كانت اهتماماتنا المختلفة تؤدي بدورها إلى سوء الفهم والنكد والصراعات حول كيفية قضاء الوقت سوياً، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالشؤون المالية، فقد أصبحت هي المنتجة الأولى، وصاحبة الدخل نتيجة استمرارها في العمل، في الوقت الذي أُحلت فيه على التقاعد.

الخلاصة، للتغلب على النكد العائلي في زمن الشيخوخة، كان لا بدّ من تعزيز التواصل، وفهم احتياجات بعضنا البعض، والبحث عن أنشطة مشتركة تعزز العلاقة التي دخلت بدورها في حالة تقاعد، فكاد عليّ أن أبحث عن نشاطات تثير اهتمام زوجتي ومنها هذه القصة التي أرويها لكم، مع التأكيد على حق كل منكم بقراءتها بالطريقة التي يريد، وتفسيرها على هواه.

البحث عن كمّاشة

أرادت السيدة أت تقطع سلكا كهربائيا فطلبت مني كماشة أو بينسة أو أي شيء قادرا على القطع، وعندما عجزت عن العثور على ما تريده اقترحت عليها الذهاب إلى أحد المخازن التي تبيع هذه المعدات. كان الوقت مساء يوم الجمعة، والمحلات تبقى مفتوحة حتى التاسعة مساء. وجدنا الكماشة التي تلبي الحاجة وكان سعرها عليها (١٠ دولارات).

قالت السيدة: إنها غالية، ونوعيتها لا تستحق هذا السعر.

قلت لها: هذه متوسطة الجودة، النوع الجيد منها يصل سعره إلى أكثر من عشرين دولارا.

قالت: لن أدفع هذا السعر ولا غيره، نذهب غدا السبت إلى (سوق البراغيت)، في السان أوستاش، ونشتري كماشة مستعملة. وفي الوقت نفسه نعمل مشوار.

وحرصا مني على خلق فرص للتواصل والتقارب معها، قررت الصمت والموافقة على الذهاب إلى السوق الشعبي الذي يشبه سوق الجمعة في المدن السورية، قبل أن يدمرها ابن الأسد ببراميله المتفجرة.

في صباح السبت، غادرنا بيتنا، باتجاه مدينة السان أوستاش التي تبعد عن مونتريال بحدود ٥٠ كم، وفي الطريق طلبت السيدة شراء فنجانين من القهوة مع كعكتين لتناول الإفطار السريع في السيارة.

كان السوق مزدحما بالبشر، والمواد المعروضة للبيع، الجديد منها والمستعمل، وبعد حوالي الساعة من البحث والبحش وجدنا الكماشة والبينسة التي تريد، وقد طلب البائع خمس دولارات سعر القطعتين، وكان فرح السيدة عظيما، لقد حققت طموحها بالعثور على حاجتها، ووفرت أكثر من عشرة دولارات.

في طريق العودة، بدأت زوجتي بالاتصال ببعض صديقاتها تخبرهن بالانتصار العظيم الذي حققته على الرأسمالية العالمية، وجشع التجار، مُبرزة في الوقت نفسه مهارتها في المفاوضة وتخفيض السعر، وشارحة كيف كان تلوح بيدها بورقة الخمس دولات كعامل ضغط على البائع.

بعد أن انتهت من صديقاتها، ونالت كلمات الاعجاب بها وبمهارتها ما يرضي غرورها، التفت إليٌ تعيد الكلام نفسه، وكأنيي لم أكن موجودا.

حاولت أن لا أردّ عليها، ولكن في النهاية قررت بقّ البحصة وقول ما عندي.

قلت لها: تعالي يا سيدتي نحسب ما دفعناها في مشوارنا هذا، ولنرى إذا كنت حقا قد حققت انتصارا كبيرا أم خسرت خسارة فادحة، أقول هذا لأن تبجحك بالانتصار ذكرني بكل انتصار زعمائنا السياسيين في معاركم الخاسرة مع العدو، ولنبدأ:

  • قطعنا ذهابا وإيابا ١٠٠ كيلو متر، وهذا استهلك واحد بالمئة من قيمة السيارة. (٨٠ دولار)
  • دفعنا ٣٠ دولارا ثمن وقود لأن سيارتنا ٦ سلندر.
  • دفعنا ١٠ دولارات ثمن قهوة وكعك.
  • استغرق مشوارنا أربع ساعات، أجرة الحد الأدنى لساعة العمل ١٦ دورلارا:
  •  ١٦X٤X٢= ١٢٨ دولارا، أُجرتنا في العمل، لو اشتغلنا.
  • المجموع: ٢٤٨ دولارا كلفة المشوار الحقيقية.
  • لو اشترينا القطعتين من النوعية الممتازة، من مخزن قرب البيت كنا دفعنا ٤٠ دولارا فقط.
  • يعني نحن خسرنا بالواقع: ٢٤٨-٤٠=٢٠٨ دولارات، بالإضافة إلى النوعية المستعملة والرديئة للعدة.

فعن أي انتصار تتكلمين يا سيدتي، ألا يشبه انتصارك انتصارات الزعماء العرب!!!؟؟؟؟

مونتريال ٧/١٠/٢٠٢٤

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى