فنون وآداب

الإعلام وتشكيل الوعي السياسي: التحديات في عصر طوفان المعلومات والأخبار الكاذبة

محمد الخلف – العربي القديم 

الإعلام هو القوة الناعمة التي تلعب دوراً رئيسياً في تشكيل الوعي السياسي والتأثير على الرأي العام. وعلى مر العصور شكّلت وسائل الإعلام التقليدية من صحف وإذاعات وتلفزيونات العقول والمواقف تجاه القضايا السياسية الكبرى، ومع صعود الإعلام الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي، ازدادت سطوة الإعلام في حياتنا اليومية، ولكن هذه القوة والسطوة تحمّل العاملين في مجال الإعلام مسؤولية كبيرة، خصوصاً في ظل انتشار الأخبار الزائفة، وتزايد التأثير السلبي الذي قد يُحدِثه الإعلام غير المسؤول.

سنستعرض في هذا المقال دور الإعلام في تشكيل الوعي السياسي، ونحلل التحديات التي تواجه الإعلام التقليدي والحديث في هذا السياق، بما في ذلك خطر الأخبار الزائفة وتأثيرها.

دور الإعلام التقليدي: توجيه وتشكيل!

عبر التاريخ، كان للإعلام التقليدي دور حاسم في تشكيل الوعي السياسي. الصحف، الإذاعات، ثم التلفزيونات والفضائيات كانت المصادر الأساسية التي يعتمد عليها الجمهور للحصول على المعلومات حول الأحداث السياسية من خلال تغطياتها الإخبارية، وتحليلاتها، واستطلاعات الرأي. وقد ساهمت هذه الوسائل في توجيه الرأي العام وتشكيل مواقف الأفراد تجاه القضايا الوطنية والدولية.

تعدّ الصحافة المكتوبة، منذ ظهورها في القرن السابع عشر، أداة أساسية في نقل المعلومات السياسية وإيصالها إلى العامة، حيث كانت الجرائد والمجلات تقدم الأخبار والتحليلات السياسية التي تساعد الجمهور في فهم تطورات الأحداث، وكانت قادرة على تشكيل وعي سياسي نقدي لدى القراء من خلال تحقيقاتها الصحفية ومقالاتها الافتتاحية.

من جانب آخر، كان للراديو والتلفزيون تأثير هائل على المجتمعات، حيث أتاحت هذه الوسائل وصول المعلومات إلى شرائح أوسع من الجمهور، ومع ظهور التلفزيون في منتصف القرن العشرين، أصبح نقل الأخبار مصحوباً بالصورة، مما أضاف بعداً جديداً في قدرة الإعلام على إيصال الرسائل السياسية وإثارة مشاعر الجمهور.

على الرغم من أهمية الإعلام التقليدي، إلا أنه واجه تحديات كبيرة في العقود الأخيرة بسبب ظهور الإنترنت ووسائل الإعلام الرقمية. وفي هذا السياق فإن وسائل الإعلام التقليدية باتت تجد نفسها في منافسة شرسة مع وسائل الإعلام الحديثة، وهو ما يتطلب منها التأقلم والتكيف مع التطورات التكنولوجية.

تأثير الإعلام الحديث ووسائل التواصل الاجتماعي

مع دخولنا عصر الإعلام الرقمي، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا أساسيًا من حياة الناس اليومية، حيث يمكن للأفراد الآن الحصول على المعلومات السياسية في لحظات وبطرق أكثر تفاعلية من ذي قبل، بل وأصبح بإمكان كل فرد أن يكون “مراسلًا” بفضل منصات مثل “فيسبوك”، “تويتر”، و”يوتيوب”، وهو ما خلق تحولًا جذريًا في كيفية استهلاك الأخبار وتداول المعلومات.

إحدى أهم المزايا التي قدمتها وسائل الإعلام الحديثة، هو تيسير التواصل المباشر بين السياسيين والجمهور، فالعديد من القادة السياسيين يعتمدون على منصات التواصل الاجتماعي للتفاعل مع الجمهور وإيصال رسائلهم بشكل غير مفلتر، دون الحاجة إلى المرور عبر وسائل الإعلام التقليدية

 هذا الاتصال المباشر يعزز من قدرة القادة على التأثير في الرأي العام، لكنه في نفس الوقت يثير تساؤلات حول مدى دقة المعلومات المقدمة.

تُعدّ وسائل التواصل الاجتماعي أيضًا ساحة خصبة لنشوء الحركات السياسية والاجتماعية، حيث استخدمها الناشطون على مر السنين لتنظيم الاحتجاجات والتظاهرات، ومن خلال هذه المنصات يمكن للحركات السياسية كسر القيود التي تفرضها وسائل الإعلام التقليدية والوصول إلى جماهير واسعة. لكن على الرغم من الإمكانيات الهائلة التي تتيحها وسائل التواصل الاجتماعي، فإن هناك مخاطر كبيرة أيضاً تتمثل في انتشار الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة التي تؤثر للأسف على ملايين من رواد التواصل الاجتماعي.

تأثير الأخبار الزائفة على الوعي السياسي

إحدى أكبر التحديات التي تواجه الإعلام في العصر الرقمي هي انتشار الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة وهذه الظاهرة تفاقمت بسبب سهولة نشر الأخبار على منصات التواصل الاجتماعي دون أي رقابة تذكر ويمكن لأي شخص أن يكتب خبراً زائفاً أو يشارك معلومة غير صحيحة، وقد تنتشر هذه المعلومات بسرعة فائقة، لتصل إلى ملايين الأشخاص في وقت قصير.

تأثير الأخبار الزائفة على الوعي السياسي يمكن أن يكون مدمراً،  ففي الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016 على سبيل المثال، كان للأخبار الزائفة التي انتشرت على الإنترنت تأثير كبير في تضليل الرأي العام وتشويه صورة المرشحين، وهذه الظاهرة لم تقتصر على الولايات المتحدة، بل إن العديد من الدول حول العالم شهدت تأثيرًا مماثلًا للأخبار الزائفة في تشكيل مواقف الناس تجاه الأحداث السياسية.

الإعلام غير المسؤول،  قد يستغل انتشار الأخبار الزائفة لأهداف سياسية أو اقتصادية، وهو ما يهدد بتشويه الوعي السياسي للجماهير ويؤدي إلى تآكل الثقة بين الناس والمؤسسات الإعلامية، فعندما يصبح الجمهور غير قادر على التمييز بين الأخبار الصحيحة والزائفة، يضعف دور الإعلام في توجيه الوعي السياسي نحو القضايا الحقيقية، ويصبح التلاعب بالرأي العام أكثر سهولة.

الإعلام بين المسؤولية والحرية

في ظل كل هذه التحديات، تقع على عاتق الإعلام مسؤولية كبيرة في الحفاظ على نزاهته ومصداقيته فالإعلاميون هم الحراس الذين يقفون بين الحقيقة والجمهور، وعليهم أن يلتزموا بأعلى معايير الأخلاقيات المهنية، خاصة في ظل المنافسة الشديدة التي يشهدها العالم الرقمي.

الإعلام يجب أن يكون حرًا في نقل المعلومات وانتقاد السياسات، ولكن في نفس الوقت، عليه أن يكون مسؤولًا في كيفية تقديم هذه المعلومات وهذا يعني أن الإعلام بحاجة إلى تبني نهج شفاف ودقيق في التحقق من صحة الأخبار قبل نشرها، خاصة في ظل الانتشار السريع للأخبار على وسائل التواصل الاجتماعي.

العديد من المنظمات الإعلامية بدأت بالفعل في اتخاذ خطوات لمعالجة مشكلة الأخبار الزائفة، بعض هذه الجهود تشمل تدريب الصحفيين على التحقق من صحة المعلومات، وإنشاء منصات للتحقق من الحقائق. ناهيك عما اتخذته وسائل التواصل نفسها من إجراءات تقنية مثل إلزام المؤسسات الصحفية بتحديد مكان الحدث عند نشر فيديو ما، وتوجيه عقوبات على من يتم التحقق من نشرهم أخبارا زائفة، وتقييد وصولهم.  

في الختام، يمكن القول إن الإعلام، سواء التقليدي أو الحديث، يلعب دوراً حاسمًا في تشكيل الوعي السياسي وتوجيه الرأي العام ومع ذلك، فإن هذا الدور يأتي مع تحديات كبيرة لا تقتصر على انتشار الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة وحسب، بل على وجود أشخاص غير مهنيين ويفتقدون لفهم روح المعايير الإعلامية، في صدارة إدارة المؤسسات الإعلاميةـ وخصوصا العربية، وهذا يتطلب من القارئ والمتابع التسلح بالوعي والثقافة لمحاكمة ما تقدمه له وسائل الإعلام،  وأن تتحلى إداراتها بالمسؤولية والمهنية، وتلتزم بدورها كحارس للحقائق، خاصة في ظل التحولات الكبيرة التي يشهدها العالم الإعلامي باستمرار اليوم.

الإعلام هو السلاح ذو حدين.. يمكنه أن يكون قوة إيجابية تدفع نحو التغيير والتقدم السياسي، لكنه أيضاً قد يكون وسيلة للتلاعب بالوعي إذا لم يُستخدم بشكل مسؤول.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى