شهادة من الداخل: تلفزيون سوريا في الميدان كيف انفرد وتقدم حيث غاب الآخرون
فايز النعيمي * – العربي القديم
“هذا أول بث مباشر لنا من مدينة حلب”.. جملة كان لها وقع كبير على مسامعي كمنتج في غرفة أخبار تلفزيون سوريا، حين قالها مراسلنا إبراهيم الخطيب في بداية مداخلته مع الزميلة آلاء هاشم، وذلك أثناء تغطيته لدخول الفصائل العسكرية إلى حي حلب الجديدة في الـ 29 من الشهر الماضي.
لم يكن تأثيرها إعلامي وحسب، كإعلان لبداية حدث كبير سننشغل به، بل كانت تحمل تأثيراً وطنياً علي كسوري يشهد تحرر حلب من حكم الطغيان ومليشيات الكبتاغون الإيرانية… حينها كنت وزملائي في غرفة التحكم (الغاليري) نراقب المشهد بفرح ودهشة، إذ بدا وكأنه إعلان رسمي بدخول كاميرات ومراسلي التلفزيون رسميا إلى قلب مدينة حلب، وقلت حينها إنه تحد كبير يضاف إلى تحديات كثيرة فرضتها الأحداث السورية المتشابكة سياسيا وعسكريا على علمنا في التلفزيون الذي يسعى لملاحقة تفاصيل الملف السوري، وفاء للاسم الذي يحمله على الأقل.
وبالفعل بدأت بعدها تجربة يمكنني وصفها بالمهنية الاستثنائية من خلال تغطية مراسلينا من قلب الأحداث الساخنة في مختلف المناطق، وللتطورات المتسارعة وانهيارات قوات النظام وأجهزته الأمنية وانسحابها من مدينة وأرياف حلب بهذا الشكل الذي شاهدتوه، بالتزامن مع انتشار مراسلين آخرين في الميدان لينقلوا مع زملاء آخرين التطورات في إدلب وريف حماة، ومعهم يؤدي صحفيو التلفزيون دورا متميزا بنقل المعلومات الدقيقة، ونشر الأخبار العاجلة لحظة وقوعها، ضمن خطة عمل وتغطية على مدار 24 ساعة وهو ما قررته إدارة التلفزيون فور بدء معركة ردع العدوان وما لحقها من ظهور ملامح تطورات مفاجئة وتقدم متسارع للفصائل العسكرية أذهل كل المتابعين.
كانت خطة نقل الخبر من مصادرنا الخاصة تتسم بالسرعة، ودقة المتابعة، والحذر من الوقوع في فخ المبالغات وبيع الأوهام التي تنشط في مثل هذه الحالات للأسف وفي غياب الإحساس بالمسؤولية الإعلامية لدى بعض الناشطين. حتى ليمكن القول إن تلفزيون سوريا، لم يتطور في نشر خبر كاذب، ولم ينجر وراء إغراء السبق الصحفي على حساب موضوعيته.
تخلق الأحداث الكبرى روحاً جديدة إذا استطعت أن تكون بحجم تلك الأحداث، وهذا ما نعيشه في أروقة تلفزيون سوريا، فقد تحول المكان من مؤسسة إعلامية يؤدي العاملون فيها عملهم ضمن مدة دوام رسمي ويومي محددة، إلى ورشة عمل على مدار أربع وعشرين ساعة، تسودها الروح الأسرية، وينسى فيها الجميع خلافاتهم الصغيرة، وملاحظاتهم غير الودودة على بعضهم بعض، ليعشوا ألق الإنجاز الجماعي الذي يسابق الوقت والحدث معاً.
بهذه الروح تفرد تلفزيون سوريا في نقل مجريات الأحداث معركة ردع العدوان ولاحقا فجر الحرية بعد توقف وإغلاق منابر إعلامية سورية لم تستطع الصمود أمام مزاجية المالك وتقلباته المريضة، وبالمقابل ظهر جليا التفاف السوريين حول شاشة تلفزيون سوريا من خلال تفاعلهم مع ما ينشره في منصاته على مواقع التواصل الاجتماعي، وعبروا عن أشواقهم وتطلعاتهم مع استعادة الفصائل العسكرية لمناطقهم من سيطرة قوات النظام، ومع عودتهم لتفقد بيوتهم غير عابئين بما تعرضت له من تدمير وتعفيش ممنهج.
يمكنني القول إن تغطية التلفزيون كانت وما تزال الأكثر كثافة وعمقا في الأخبار، وانفرد مراسلوها بالوصول بشجاعة لافتة إلى مناطق لم يصلها أحد، لاسيما أن الإعلام العربي لم يخصص حصة معتبرة لنقل ما يجري في سوريا، مكتفيا بانتقاء بعض الأخبار العاجلة ونشرها بصيغة تتناسب وسياسته التحريرية التي شهدت الكثير من التغيرات والتحولات فيما يخص سوريا… والكثير من التخاذل والتلاعب للأسف.
- إعلامي ومنتج أخبار في تلفزيون سوريا