العربي الآن

التلفزيون العربي يتابع المهمة: بين اعترافات جهاد مقدسي المتأخرة وصفاقة مُحاوره المُنفرّة

الرجل الذي يحمل إرثاً إعلامياً مليئاً بالطائفية والرخص يحاول الآن أن يظهر بمظهر الناقد المهذب

بلال الخلف – العربي القديم

أطل علينا جهاد مقدسي، الدبلوماسي السابق لدى نظام الأسد، في لقاء تلفزيوني على شاشة التلفزيون العربي القطرية، مع أنس أزرق، الشخصية التي يمكن وصفها بالنسبة لي بالمقيتة إعلامياً. أزرق، الذي بات متخصصاً في تلميع الوجوه المتورطة وإعادة تدوير نفايات نظام الأسد، حاول بجهده المعتاد إظهار مقدسي كحمامة سلام جديدة، تماماَ كما حاول سابقًا مع أسماء مثل محمد سلمان، وزير الإعلام الفاسد، الذي ما زالت أحجار الرقة شاهدة على جرائمه وحكايات مدراء ومذيعات التلفزيون شاهدة على حجم ارتكاباته…

استمعت للقاء بنصف أذن. ليس لأن حديث مقدسي كان فارغاً، بل لأن صوت أنس أزرق الحاد والواخز وحده كفيل بإثارة اشمئزازي. الرجل الذي يحمل إرثاً إعلامياً مليئاً بالطائفية والرخص يحاول الآن أن يظهر بمظهر الناقد المهذب. لكن ما أثار اهتمامي حقاً في اللقاء لم يكن كلام أزرق أو مقدسي فقط، بل ثلاث محطات تستحق الوقوف عندها.

أولاً: صلافة أنس أزرق

في إحدى لحظات اللقاء، تناول أزرق بيان جهاد مقدسي عن مجزرة الحولة، واصفًا بيانه الذي قدمه في مؤتمر صحفي بدمشق عام 2012 بـ”الكارثي”. توقفت هنا ليس لأني مهتم بتبريرات مقدسي، بل لأن صلافة أزرق كانت بلا حدود. هذا الشخص، الذي كان مراسلًا حربيًا لقناة المنار في بداية الثورة السورية، قدم خلال تلك الفترة تقارير طائفية مشينة، لا تزال عالقة في ذاكرة من عايشوا تلك المرحلة. كيف يجرؤ الآن على اتخاذ موقف أخلاقي ضد مقدسي؟ كيف لمن مارس أبشع أشكال التحريض الطائفي في نفس الفترة أن ينتقد أحداً فعل الشيء نفسه؟

ثانياً: توقيت ظهور مقدسي

لماذا قرر جهاد مقدسي الحديث الآن؟ لماذا انتظر حتى نهاية عام 2024 ليكشف عن “جرأته” المزعومة في الحديث عن كواليس النظام رغم أنه انشق عنه منذ أكثر من عشر سنوات؟ هذا السؤال وحده كفيل بنسف أي مصداقية قد يحاول بناءها. الرجل الذي غاب عن المشهد لسنوات، والذي ظهر على منصة القاهرة قبل أن يختفي مجدداً، لا يبدو أنه اختار هذا التوقيت إلا لأنه وجد فرصة جديدة للظهور، سواء بدافع شخصي أو بترتيب خارجي.

ثالثاً: الاعتراف بالظلم

رغم كل ما سبق، كان هناك اعتراف مثير للاهتمام في حديث مقدسي، وهو إقراره بالظلم الذي وقع على السنة في سوريا، ووصفه لهم بأنهم “الحامل لقيام الدولة والسلم الأهلي”. بغض النظر عن نوايا هذا التصريح، سواء كان محاولة لتلميع صورته أو تعبيراً عن قناعة حقيقية، فإنه يبقى نقطة تستحق التوقف. لكنه أيضاً يفتح الباب لتساؤل آخر: لماذا الآن؟ ولماذا بعد كل هذه السنوات؟

قراءة أخيرة

جهاد مقدسي لم يكن في يوم من الأيام شخصية موثوقة. من متحدث باسم النظام إلى معارض مزعوم، مسيرته مليئة بالتناقضات التي تجعل من الصعب أخذ كلامه على محمل الجد. أما أنس أزرق، فهو نموذج صارخ للإعلامي الذي فقد مصداقيته منذ زمن، ويحاول الآن الاستمرار في لعب أدواره الملتبسة.

هذا اللقاء لم يكن سوى محاولة جديدة من أزرق لتلميع صورة شخص آخر، ومحاولة من مقدسي لتقديم نفسه بوجه مختلف. لكن في النهاية، يبقى المشهد السوري أكثر تعقيداً من أن تشرحه لقاءات كهذه، وأكثر ألماً من أن تتحمله أصوات لا تتمتع بحد أدنى من المصداقية  كصوت أنس أزرق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى