مستقبل سوريا: ضبابية وحيرة وتمنيات أم خطط ومعلومات؟
فيا أيتها القيادة الجديدة: الكتم يجلب الغم.. والصراحة تجلب الراحة.. والحمل الثقيل يحتاج لحاملين يتشاركون ولايتنافرون..
محمد زاهر حمودة – العربي القديم
تنتابنا الحيرة بعد تجاوز لحظة النصر الباهرة والفرح غير الموصوف بالفرج العظيم، كأمر لا مفر منه، لكل سوري طال به زمان الإنتظار والحلم لما يقرب من أربع عشرة سنة، فضلاً عن العقود السالفة قبل إندلاع الثورة، لم يفارقه حلمه وتوقه ولو لساعة لا في صباحٍ ولا في ظهر ولا في مساءٍ باليقين بالنصر القادم والخلاص الزاهر والنهائي من أقذر نظام ديكتاتوري مجرم على كافة الصعد، ولم يكن هذا السوري ليعلم متى سيأتي نصر الله الذي كان قريباً، كنا جميعاً في عتمة الليل الحالك نواظب على سقاية شجرة الأمل التي قد زرعناها في قلوبنا منذ لحظة اندلاع ثورتنا العظيمة فنقول.. أليس صبح سورية بقريب؟!
ولقد كان الصبح يتجهز، ثم ما لبث أن انفلق صباح سورية السعيد مباغتاً للهفة تَرقُّبِنا كأروع بشرى على صعيد العمر كله لأي سوري حر شريف، وأشرقت شمس الفرج والحرية على ترابكِ يا سورية، وسقط النظام وهرب بشار يا ناااس… فيا رب لكل الحمد بلا حد ولا عدد، لا نحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك… ولكن ماذا حل بنا بعد أسابيع قليلة من ذلك التاريخ، وما هو حالنا الآن؟!، عن حيرة أبناء الوطن أحدثكم..
نعم، إنها حيرة كل أبناء الوطن الشرفاء
باستثناء المجرمين والعملاء. بكل صراحة، لا أحد الآن في سورية يستطيع الجزم بشرح أي شيء عن المستقبل بدون أن ينتابه عدم اليقين بمصداقية ما سيقول، سوى الأمل والرجاء بأنه إنشاء الله ستسير الأمور على ما يرام وسيكون غدنا أجمل..
سنكون بخير، نعم إن شاء الله، ولكن هل ندري كيف سنكون بخير؟! نحن لا نمتلك أي قاعدة بيانات صحيحة عن أي شيء فيما يتعلق بغدنا، ليس لدينا لا خارطة طريق موصوفة، ولا شخصيات وازنة صريحة ومبادرة تقترح حلول غير تقليدية لواقع غير طبيعي، ولا أحزاب جديدة قيد التشكل، ولا نخب سياسية غير متناحرة، ولا مؤسسات إعلامية مستقلة، ولا مركز أبحاث اقتصادية واحد يقول لنا ما هو المناسب لسورية وماذا بأمكاننا أن نفعل من هنا لسنة أو لسنتين مثلاً.
حتى الآن لدينا فقط أحمد الشرع، ومعه رئيس حكومته ووزير خارجيته ووزير دفاعه ورئيس مخابراته، وباقي وزراء حكومة الإنقاذ، صرّحوا أن صلاحياتهم محدودة وهم مؤقتون لمرحلة تصريف الأعمال حتى آذار، عدا ذلك، هل لدينا شخص واحد في كل سورية يستطيع أن يتكرم علينا فيخبرنا أي معلومة قطعية عن ما بعد آذار؟!، ألا يغالبنا شعور قوي بأنه لا أحد يعلم حتى من وزراء حكومة الحالية شيئاً دقيقاً عن تفاصيل تشكيل الحكومة الجديدة الموسعة وكيفية إنجاز مؤتمر الحوار الوطني وطريقة حل مشكلاته المعقدة؟.
المسؤوليات جسيمة والمخاطر كبيرة والإمكانيات شحيحة والصلاحيات محدودة، نعم هذا كله صحيح وتدركه الناس تماماً ولذلك فهي تصبر وتصابر وتلتمس الأعذار، ولكن والحال كذلك ألا يزيد السيد الشرع وحكومته الطين بلّة علينا وعلى أنفسهم باتباع سياسة التكتم والتحفظ أمام الرأي العام؟!..
بصراحة، نحن الآن كالأطرش في الزفة، نحن لا نعلم أي شيء عن أي شيء سيحصل في سورية لا قريباً ولا بعيداً، ولا نملك لتصبير أنفسنا سوى بعض الوعود والكثير من الأحلام، ولا شيء أكثر البتة.. فلنسأل أنفسنا وليتشارك معنا أحمد الشرع والبشير والشيباني وأبو قصرة في طرح التساؤلات الكبرى عن كيفية النهوض بمستقبلنا كلنا جميعاً، مثلاً..
– ماذا نملك على وجه الدقة من أرقام دقيقة عن ثروات سورية المنهوبة؟
– ماذا لدينا من معلومات مفصلة عن موارد سورية الإقتصادية الطبيعية الحالية؟
– ماذا نملك من رؤية واقعية مفصلة للتعاطي مع إنقساماتنا الفئوية الخطيرة والتي بدونها لن نضمن لا وحدة جيش ولا أمناً مستدام؟
– ماذا نعلم عن حجم البطالة لدينا؟
– ماذا نعلم عن حجم الأميّة وعدم التأهيل المهني لشبابنا؟
– ماذا نعلم عن شح مياه الشرب لدينا؟
– ماذا نعلم عن مشاكل التغير المناخي في منطقتنا؟
– ماذا نعلم عن حجم اليد العاملة الفنية المدربة لدينا سواء في الداخل أو التي في الخارج والمستعدة للعودة لتنخرط في مرحلة النهوض الإقتصادي؟
– ماهي تقديراتنا لنسبة تفشي الإنحراف والجريمة في المجتمع؟
– ماهي معلوماتنا عن كفاءة مهندسينا في المجالات التقنية حصراً كي نتوقع مقدار إعتمادنا على أنفسنا من مقدار احتياجنا للإستعانة بالخارج للنهوض بالقطاعات الحساسة؟
– ماذا عن الحلول الذكية والصديقة للبيئة في مسألة تجاوز الكلفة الباهظة لإعادة الإعمار بالطريقة الكلاسيكية؟
– ماذا عن الأراضي المشاع ومسألة توسيع حق الإنتفاع للمزارعين لزيادة رقعة المساحات المزروعة؟
– ماذا عن الإستثمار في تدوير القمامة والإستفادة من مياه الصرف الصحي لزراعة الأعلاف وإنتاج الوقود الحيوي؟
– ماذا عن طاقة الشمس والرياح وإنتاج الهيدروجين..
-هل نعلم حجم السيلكون والمعادن المختلفة الموجودة في باديتنا؟!
– ماذا عن تطوير حياة رعاة الماشية ودعم توسع المراعي وبالتالي انتعاش قطاع اللحوم والألبان والأجبان والدجاج والبيض، أي الأمن الغذائي برمته والذي بدونه لن يعود من في الخارج أبداً؟
-ماذا عن حتمية تطوير صناعاتنا الكيميائية ذاتياً أحب من أحب وكره من كره، لإسعاف أنفسنا وإنتاج كافة الأدوية والمستهلكات الطبية الضرورية بأقصى سرعة والتي بدونها لا يمكن لأي مخبول أن ينتظر أي فرجٍ في القطاع الصحي ونحن نستورد الأدوية الفعالة للأمراض المزمنة ونبيعها بأسعار باهظة للغاية على المواطن ونتسول الدعم لتأمين لوجستيات مشافينا من الخارج!.
-هل سيكون لدينا نظام رعاية صحية؟
– ماذا عن ترفيع محاميي الثورة إلى قضاة محلفين وإنشاء محاكم خاصة بالمذبحة السورية، وماذا عن تطهير النظام القضائي القديم ومحاسبة القضاة الفاسدين وإنشاء جسم قضائي جديد وطني ومستقل يصون العدالة ويحمي حقوق الإنسان السوري؟
– ماذا عن التجمعات السكنية البديلة للمناطق المهدمة، لماذا لا نتحدث عن إنشاء مدن جديدة وشقق مسبقة الصنع بكلف بسيطة من مواد خفيفة من طابق أو طابقين على الأكثر على أراضي جديدة وغنية بمياه الشرب وقريبة من مصادر الرزق؟
– لماذا لا نستحدث محافظات جديدة على ساحل البحر الأبيض أو على ضفاف نهر الفرات مثلاً، كتوسيع السكن في جبلة وبانياس ومنبج بدلاً من أن ننهك وقتنا وجيوبنا لرفع الأنقاض وإعادة بناء أحياء كانت عشوائية أصلاً وتعاني من شح مياه الشرب ولا تملك مقومات الديمومة.
– ماذا عن الرياضة ونظام الإحتراف الذي كان يحاربه النظام البائد، والذي يستطيع أن يحول الأندية ومسابقاتها إلى قطاع اقتصادي ربحي؟
– ثم ماذا عن السياسة، ماذا نعلم عن عدد الكوادر السياسية المؤهلة للعمل السياسي الإيجابي وليس المناكف في المرحلة القادمة كي نتحدث عن نجاح المرحلة الإنتقالية؟!
– ماذا عن ثقافة الحوار والتنازل المتبادل والشراكة والتخلي عن الأنانية، وهو الأمر المنعدم لدى مجموعاتنا الأيديولوجية القديمة؟
– وبالعودة لمسألة الحكومة المرتقبة بعد آذار، من هي الأسماء المحتملة لتولي منصب رئاسة الحكومة التشاركية القادمة، هل للناس رأي في الترشيح؟!
– ماذا عن مشكلة ثقافتنا الدينية، ماذا عن مذاهبنا وطرقنا وشيوخنا المتناحرين والمتعصبين والفاسدين؟
– ماذا عن إنشاء إعلامٍ حرٍ ومستقل غير مرتهن للخارج، ومن سيحميه إن كانت حكوماتنا وسياسيونا سيرتهنون لأموال الخليجيين ودعم الأطراف الخارجية؟
بالله عليكم أجيبونا، إنها سورية العظيمة، وليست سورية الشرع وحكومة إنقاذه، وليست سورية الائتلاف وهيئة التفاوض، وليست سورية مظلوم عبدي وحكمت الهجري، فهل من مجيبين يبددون حيرتنا ويطمأنون خواطرنا، كفى تحفظاً وخداعاً للأنفس فما نيل المستقبل بالتمني، أما أن نستنكف حتى عن طرح الأسئلة ونخضع لتنويم أدمغتنا مسايرةً للقيادة الحالية بإن انتظروا وتمهلوا ولا تستعجلوا…!!، فهذا أمر عجيب بعد صوم كل تلك السنين، ألا يحق للصائم أن يعرف ماذا سيتناول عند الإفطار؟!، الأسئلة الكبرى هي التي ستأتي بالأجوبة العظيمة، وتُقضَى الحوائج بالكتمان إن كانت فقط ضد الأعداء والحاسدين، وأما العمل في الشأن العام لصالح الوطن والمواطنين فلا يكون إلا بالانفتاح والحديث الدائم معهم والمكاشفة وتبادل الاقتراحات.
فيا أيتها القيادة الجديدة: الكتم يجلب الغم.. والصراحة تجلب الراحة.. والحمل الثقيل يحتاج لحاملين كثر يتشاركون ولا يتنافرون..
فهل للنصيحة من سامع؟! حما الله سورية وجعل مستقبلها زاهراً ظافراً، اللهم آمين