الرأي العام

دلالات وقضايا | لماذا برهن العامريُّ على وجود الخالق بدل البرهنة على الأنبياء؟

مهنَّا بلال الرَّشيد

أحال الدُّكتور سامي العامريُّ القارئَ في مستهلِّ كتابه: (الوجود التَّاريخيِّ للأنبياء) إلى كتابه الآخر: (براهين النُّبوَّة)؛ وبرغم تَعبِي من هذه الإحالة؛ لأنَّني قارئ مهتمٌّ بقضيَّة الوجود التَّاريخيِّ للأنبياء، ولأنَّ المنطق يدعو إلى تلخيص هذه البراهين في الكتاب الجديد المختصِّ جدًّا بهذا الموضوع بدل الإحالة إليها في مكان آخر رجعتُ إلى كتاب (براهين النُّبوَّة)، ولخَّصتُ ردودَ العامريِّ على اعتراضات المعترضين على النُّبوَّة، ووضعتُ بين يدي القارئ الكريم هذه الرُّدود، الَّتي صاغها لإثبات معقوليَّة النُّبوَّة؛ ليكون القارئ حكمًا على الاعتراضات وردود العامريِّ عليها:

استهلَّ العامريُّ براهينه على النُّبوَّة بردِّه على اعتراضات أصحاب المذهب الرُّبوبيِّ، الَّذين يؤمنون بوجود خالق لهذا الكون، وينكرون رسالات الوحي ومعجزات الأنبياء لعدم الحاجة لوجود الأنبياء؛ لأنَّ عقل الإنسان-من وجهة نظرهم الأولى-قادر بمفرده على الوصول إلى الإيمان بوجود خالق لهذا الكون الكبير، ويعتقدون في وجهة نظرهم الثَّانية أنَّ الأدلَّة لم تتضافر على صِدْقِ نبوَّات الرُّسُل باستثناء حديث جماعات من النَّاس عن بعض المعجزات الخارقة والمخالفة لقوانين العلم، تلك التَّي رواها عدد من أتباع الرَّسول أو المؤمنين به مقارنة بالعدد الهائل من باقي أهل الأرض، والدَّليل التَّضافريُّ عند تشومسكي هو الدَّليل المنسجم مع قوانين العقل والعلم في كلِّ وقت وحين.

يعترض الرُّبوبيُّون على فكرة التَّسليم بوجود الأنبياء والمعجزات، ويرون أنَّ هذا النَّوع من الإيمان أو التَّسليم لا يعطي المؤمن به ميزة تميِّزه من غيره، وبرغم إقرار العامريِّ بوجاهة هذا الاعتراض يؤكِّد في مستهلِّ الفصل الأوَّل من كتابه على اصطفاء الله طائفة المؤمنين وتمييزها من غيرها وإعدادها للإيمان بالأنبياء، ويؤكِّد أنَّ حاجة البشر إلى الرُّسل دليل على وجودهم وكثرتهم أيضًا، وما كثرتُهم إلَّا دليل على شدَّة الحاجة لهم؛ حيث صار الوجود دليلًا على الحاجة، والحاجة دليلًا على الوجود؛ فهل أقنع العامريُّ القارئ في هذه الفقرة؟ أو هل كان برهانه برهانًا تضافريًّا؟

يُعتِّب العامريُّ لفصله الأوَّل المعنون بـ:(الحاجة إلى النُّبوَّة) بقوله تعالى: (ومَن لم يجعل الله له نورًا فما له من نور). [سورة النُّور، الآية: 40]، ويردفه بقول آخر لابن تيميَّة: (كلَّما كان النَّاس إلى الشَّيء أحوج، كان الرَّبُّ به أجود)، ونلمح في هذا التَّعتيب بالآية القرآنيَّة الكريمة شيئًا من تسيير البشر أو عدم تخييرهم؛ لأنَّ الإيمان بالأنبياء نور يؤتيه الله مَن يشاء مِن عباده، ويحجبه عمَّن يشاء. كما نفهم من التَّعتيب بقول ابن تيميَّة: أنَّ كثرة الأنبياء المذكورين في الشَّواهد الأركيولوجيَّة والكُتب المقدَّسة دليل على شدَّة حاجة النَّاس لهم، ونتساءل ههنا عن أسباب كثرة الأنبياء المبعوثين بين زمن إبراهيم عليه السَّلام حوالي (1900-1800) قبل الميلاد، وزمن بعثة الرَّسول الكريم محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم بين (610-630) بعد الميلاد؟ ونستفسرُ عن أسباب تزامن رسولين أو نبيَّين في مرحلة تاريخيَّة واحدة ومنطقة جغرافيَّة صغيرة داخل كلٍّ من الجزيرة العربيَّة وبلاد الرَّافدين وبلاد الشَّام؛ لنقول: هل استوجب عدد البشر الكبير وشرورهم وآثامهم الكثيرة في تلك المرحلة وجود عدد كبير من الأنبياء؟ وهل صلحت المجتمعات الإنسانيَّة ولم يعد البشر بحاجة لوجود الرُّسل لتُختَتم النُّبوَّات ببعثة الرَّسول الكريم محمَّد-صلَّى الله عليه وسلَّم-قبل ما يقرب من (1400) من وقتنا الرَّاهن مع أنَّ عدد البشر ومفاتن الحياة في ظلِّ الثَّورتين الصِّناعيَّة والرَّقميَّة المعاصرة قد بلغت حدًّا لا يوصف؟

العامريُّ والغنوصيَّة

بعد التَّعتيب كشف العامريُّ عن حقِّ العقل بالتَّساؤل عن طريقة الخالق في التَّواصل مع البشر الَّذين خلقهم على الأرض، ورأى أنَّ هذا التَّواصل يكون من خلال طُرُق عدَّة؛ مثل: طريقة إرسال الأنبياء؛ وهم بشر اصطفاهم؛ ليكونوا صلة الوصل بينه وبين البشر الآخرين، ولم يعترض العامريُّ على هذه الطَّريقة؛ أي طريقة اصطفاء الرُّسل بل عدَّها دليلًا على وجود الخالق، وأفرد لها كتابه عن الوجود التَّاريخيِّ للأنبياء؛ فهل أقنع العامريُّ القارئ عندما عدَّ إرسال الرُّسل دليلًا على وجود الخالق، وعدَّ وجود الخالق دليلًا على حاجتا إلى الرُّسل؟

وجد العامريُّ أنَّ الغنوصيَّة الفاسدة هي الطَّريقة الثَّانية الَّتي تقود إلى معرفة الخالق أو التَّواصل معه لدى مجموعة من المؤمنين بالغنوصيَّة من أبناء الأمم والدِّيانات المختلفة، الذَّين يرون أنَّ المؤمن الزَّاهد قادر على الوصول إلى معرفة الخالق أو التَّواصل معه من خلال الزُّهد في الدُّنيا، وعندما يتفرَّغ المخلوق إلى تأمُّل عظمة الخالق عبر الرِّياضة النَّفسيَّة يصل إلى مرحلة الاستبصار النَّفسيِّ أو الكشف والإلهام، وقد سجَّل العامريُّ ملاحظته على فساد دعوى الغنوصيِّين الشَّائعة بين كثير من الأمم والدِّيانات المتباعدة أو المتنافرة؛ لأنَّ طريق الحقَّ الواحدة لا تقود إلى عقائد متنافرة-من وجهة نظره-كما هو الحال لدى غنوصيَّات الأمم والدِّيانات المتعدِّدة، بالإضافة إلى أحاديث الغنصويَّة المخالفة لبداهة العقل السَّليم؛ كحديثهم عن صراع آلهة الخير وآلهة الشَّرِّ وشطحاتهم الصُّوفيَّة الشَّبيهة بالهلاوس والطَّلاسم، الَّتي يصعب فهمها أو تأويلها أو فكُّ شيفرتها. ويقودنا حديث العامريُّ في هذه الفقرة إلى التَّساؤل عن الفرق بين الإيمان بمعجزات الأنبياء من جانب والإيمان بشطحات الغنوصيَّة والصُّوفيَّة من حيث مخالفتها لبداهة العقل السَّليم من جانب آخر؛ أي لماذا تحدَّث العامريُّ عن مخالفة الغنوصيَّة والشَّطحات الصُّوفيَّة لبداهة العقل السَّليم؟ ولم يرَ في الخوارق والمعجزات مخالفة لهذه البداهة؟

وجد العامريُّ أن طريقة النَّظر العقليِّ هي الطَّريقة الثَّالثة لإثبات وجود الخالق، وآمن بهذه الطَّريقة نفر من قدماء الفلاسفة، وانتهج بعضهم طريق العقل لإثبات وجود الخالق، وانتهج آخرون طريق العقل ذاته لنفي وجود الخالق. وبرغم خروج العامريِّ من حيِّز البرهة على وجود الأنبياء إلى البرهنة على وجود الخالق راح يتحدَّث عن معارضات كثيرة لأفكار الفلاسفة العقليَّة كلِّها، بالإضافة إلى عجز العقل عن إدراك الماورائيَّات إن لم يكن عليها آثار محسوسة، وقصوره عن فهم الحكمة من وراء وجود المخلوق وتفاصيل حقائق الشَّرائع السَّماويَّة؛ لأنَّ العقل يهدي إلى الحقِّ، ولا يهدي إلى العلم بكلِّ حقٍّ، واستشهد بقول للفيلسوف (الرُّبوبيِّ)-بحسب توصيفه-جون جاك روسو رأى فيه أنَّ الغموض والإلغاز في الكون والنَّفس الإنسانيَّة أكبر من معارفنا الضَّئيلة حول هذين الموضوعين.

نلحظ ههنا اختلاط الاستدلال-عند العامريِّ-على وجود الخالق بالاستدلال على وجود الأنبياء الَّذين يتواصلون مع الخالق، مع أنَّ ما يصلح للاستدلال على وجود الخالق؛ كاحتياج هذا الكون لوجود خالق لا يصلح بالضَّرورة للاستدلال على وجود معجزات الأنبياء، الَّتي مكَّنتهم من التَّواصل مع الخالق من خلال الوحي؛ لذلك تزيد الحاجة-عند العامريِّ-إلى وجود الأنبياء؛ لضمان صلة الوصل والتَّواصل بين البشر وخالقهم من خلال الأنبياء المؤيَّدين بالمعجزات والتَّواصل من خلال الوحي. ويلفت انتباهنا ههنا تفرُّد مجموعة من أتباع الأنبياء المؤمنين بهم بنقل أخبار المعجزات برغم تعارضها مع قوانين بداهة العقل، وهذا التَّعارض يضعها في خانة أحاديث الغنوصيَّة المنافية لبداهة العقول وكلامهم على صراع آلهة الخير والشَّرِّ، ولا تختلف عن شطحات الصُّوفيَّة الغامضة، الَّتي يصعب تأويلها أو الإيمان بها؛ فلماذا أبعد العامريُّ تأمُّلات الغنوصيَّة وشطحات الصُّوفيَّة من أدلَّته؟ ولماذا أبقى معجزات الأنبياء؟ ولماذا راح يستدلُّ على وجود الخالق بدل الاستدلال على معقوليَّة النُّبوَّة؟ ولماذا يتحدَّث العامريُّ عن معقوليَّة النُّبوَّة ومعقوليَّة معجزات الأنبياء ووجودهم التَّاريخيِّ بدل تقديم أدلَّة بداهة العقل الدَّامغة؟ وهل لدى العامريِّ ومدرسة الحدِّ الأعلى من المؤمنين بصدق الخبر التَّوراتيِّ والمدافعين عنه برغم ما فيه من أخطاء يعترفون بوجودها أدلَّة بداهة عقليَّة دامغة؟

رأى العامريُّ أنَّ الغنوصيِّين تفرَّقوا إلى طرائق متنافرة، وتقسَّمت عقول الفلاسفة إلى مذاهب شتَّى، وتفرَّد الإيمان بالنُّبوَّة بتقديم المَدَد الإلهيِّ-ونلحظ أنَّ عبارة المدد الإلهيِّ عند العامريِّ محض عبارة صوفيَّة-لا يمكن الاستدلال بها على قضايا البعث والحساب والنَّشر ممَّا يستعصي على العقول إدراكه أو ممَّا تتكافأ فيه أدلَّة المُثبتين والمنكرين؛ فهل حقًّا سيقتنع القارئ الكريم بحديث العامريِّ عن استعانة العقل بمَدد المعجزات البعيد عن العقل والبداهة ليبلغ رجاءه بيقين؟ ولماذا نستعين بالمدد لفهم هذه القضايا الصَّعبة؟ ونعدُّ قضايا المدد بالعقل عند الغنوصيَّة وبالشَّطحات عند الصُّوفيَّة قضايا منافية للعقل والبداهة؟

كذلك نلحظ ههنا أنَّ تفرُّق المؤمنين بالأنبياء وصراعاتهم فيما بينهم أكبر من تفرَّق غنوصيَّات الأمم الأخرى وغير بعيدة عن شطحات متصوِّفيها؛ فلماذا تفرَّق أتباع الأنبياء، ووصلوا إلى تنافر وصراعات دامية؟ لماذا نعثر على خلافات واختلافات كبرى بين معتقدات اليهود والمسيحيِّين والمسلمين؟ لماذا تفرَّقت طوائف اليهود وطوائف المسيحيِّين ولم تثبت على معتقد واحد؟ ولماذا تقسَّم المسلمون إلى شيعة وسُنَّة ودروز وعلويَّة وإسماعيليَّة وغيرها برغم إيمانهم بالمعجزات والمَدد الإلهيِّ؟ وإن عدَّ المنطق تفرُّقَ متصوِّفة الأمم وأتباع غنوصيَّاتها دليل نفيٍ؛ فإنَّ المنطق ذاته سيعدُّ تفرَّق أتباع الأنبياء وأتباع دياناتهم وتفرَّق أتباع النَّبيِّ الواحد إلى مِلل ونِحل شتَّى دليلَ نفيٍ أيضًا.

دعوة إلى التَّأمُّل في بعض من براهين العامريِّ الأخرى

يرى العامريُّ أنَّ الاحتكام للغريزة في تنظيم حياة البشر يورث الدَّم والظُّلم، والعقل البشريُّ وحده قاصر عن تحقيق العدالة في إدارة حياة البشر داخل هذا الكون الجميل، والإنسان بحاجة إلى النُّبوَّة كي يجبر نقص العقل، ولترسم النُّبوَّة للبشر حدود الواجب والمباح والمحظور، وتحتاج النَّفس البشريَّة مَن يصدُّها عن هواها من خارج حدودها، وقال ابن تيميَّة: (لولا الرِّسالة لم يهتدِ العقل إلى تفاصيل المنافع والمضارِّ في المعاش)؛ فهل تنفرد أخبار المعجزات في الشَّرائع بقدرتها على صدِّ النَّفس عن هواها وجَبْرِ نقص العقل أو إنَّ أخبار هذه المعجزات تزيد المشكلة عندما تُناقض بديهات العقل، وتتصارع معها مثل تناقُضِ تأمُّلات الغنوصيَّة وشطحات الصُّوفيَّة مع البديهات العقليَّة؟

يرى العامريُّ أنَّ معرفة الله تورث الطَّاعة والحبَّ، وقد يعرف الإنسان شيئاً عن خالقه، لكنَّ النُّبوَّة الواردة من الخالق والمخبرة عنه بكلامه أوسع كشفًا عنه؛ فهل خبر هذه النُّبوَّة عن وجود الخالق دليل على صدق النُّبوَّة ذاتها؟ وهل ما كتبه محرِّرو التَّوراة، ونسبوه للخالق فيها خلال ألف عام من تحريرها دليل على نبوَّة كاتبيها أو محرِّريها؟

يرى العامريُّ أنَّ شرائع الأنبياء المؤيَّدة بالمعجزات والكتب السَّماويَّة والأخبار التَّاريخيَّة تُقيم الحجَّة على البشر من خلال بلاغ الرُّسل، وتُلزم العقل الواعي أن يلحق بالرَّكب؛ فلا يتيه في معترك الاجتهادات الَّتي لا ضمانة على صوابها؛ وهنا نتساءل: كيف لمعجزة أن تخرق قوانين العقل وتُناقضَ قوانين المنطق أن تقود العقل الواعي؟ هذا إن حدثت المعجزة على مرأى البشر كلِّهم، وإن لم يتفرَّد بنقلها مجموعة من أتباع النَّبيِّ أو محرِّري التَّوراة خلال ألف عام تقريبًا من التَّحرير والتَّأليف.

يرى العامريُّ أنَّ الإنسان بحاجة إلى القدوة، الَّتي تقوده في الحياة، والنَّبيُّ خير قدوة، فهل حاجة الإنسان للقدوة دليل على نبوَّة النَّبيِّ، ونرى ههنا أنَّ العامريَّ يرى في حاجة الإنسان للقدوة والهداية دليلًا دائمًا على النُّبوَّة؛ وإذا استسغنا هذه الدَّليل على إطلاقه فمن حقِّ أيِّ واعظ أو أيِّ كاتب في علم الأخلاق أن يدِّعي النُّبوَّة طالما أنَّه يلبِّي حاجات للبشر للقدوة الواعظة!

يخلص العامريُّ إلى أنَّ الإنسان قادر على تصوُّر طُرق أخرى للتَّبليغ بأوامر خالق هذا الكون ونواهيه؛ لكنَّ التَّبليغ من خلال اصطفاء بعض البشر أفضل طريقة لتحقيق أغراض الرِّسالة بإقناع البشر؛ فهل حديث محرِّري التَّوراة عن اصطفاء الخالق لهم دليل على نبوَّتهم؟ وفي حال وجود المُتَنبِّين أي الأشخاص الَّذين يدَّعون النُّبوَّة من غير الصَّادقين كيف نميِّز النَّبيَّ الحقيقيَّ المرسل من الله سبحانه وتعالى من المتنبِّي المدِّعي الخطَّاء أو الكاذب في ظلِّ حاجتنا إلى من يُكمل نقص عقولنا، ويأخذ بأيدينا إلى عوالم الخلاص بعد أن ثبت وجود الأخطاء في الأخبار التَّوراتيَّة برغم اشتراك عدد كبير من المحرِّرين في تأليفها؟

يرى العامريُّ أنَّ الحاجة للاقتداء بالأنبياء خير دليل على معقوليَّة النُّبوَّة ووجود الأنبياء؛ وههنا نتساءل عن رأي العامريِّ بالبشر البعيدين في أطراف العالم ممَّن لم تُبعث فيهم الرُّسل، ولم يثبت البحث الأركيولوجيُّ أو الدِّيانات السَّماويَّة تبليغهم بأيِّ رسالة إن كانت تأمُّلات عقولهم الغنوصيَّة وشطحات أفكارهم الصُّوفيَّة ستقودهم إلى الجنَّة أو ستلقي بهم في المهالك؟ ولماذا حُرموا من الرُّسل برغم حاجتهم إلى من يأخذ بأيديهم؟ ولماذا لم يُرسَل المددُ الإلهيُّ ليكمل عقولَهم النَّاقصة؟

يخلص العامريُّ إلى أنَّ الإنسان دون وجود نبيٍّ يأخذ بيده سيفقد ذاته أو ذاتيَّته كإنسان، وينتكس إلى مستوى الشَّيء الَّذي لا غاية له ولا إحساس عنده، وسيكون مجرَّد أبعاد فيزيائيَّة بلا غاية؛ فهل ينطبق هذا التَّوصيف على كثير من البشر المعاصرين في أوروبَّا وأمريكا وآسيا وأفريقيا وغيرها ممَّن لا يعرفون شيئًا عن الأنبياء بحكم تربيتهم اللَّادينيَّة في منازلهم، وقد ينقضي ردحٌ طويلٌ من أعمارهم، وهم لا يدرون شيئًا عن النُّبوَّات بعد مرور أكثر من (1400) سنة على انقطاع الوحي؟!

عرضنا في هذا المقال جملة من محاولات العامريِّ في مجال البرهنة على وجود الأنبياء؛ ووضعناها بين يدي القارئ الكريم؛ ليتأمَّل فيها، ويحكم عليها؛ وتركنا بعضًا من أفكار العامريِّ الأخرى لنتناولها في مقالات قادمة؛ كحديثه عن الفرق بين المؤمن الألوهيِّ والإنسان الرُّبوبيِّ وخصوصيَّة النُّبوَّة والعدل الإلهيِّ وانتقاله إلى قضايا شائكة ومثيرة جدًّا مثل العقل والدِّين والأخلاق والخير والشَّرِّ.

زر الذهاب إلى الأعلى