التاريخ السوري

أديرة الجزيرة الفراتية: أشاعت الفرح وأحسنت الضيافة وأمتعت الوافدين

مهند الكاطع- العربي القديم

عرّف البلدانيون والمؤرخون العرب الدير بأنه بيت يتعبّد فيه الرّهبان، يكون فى الصحارى والمواضع المنقطعة عن الناس، فيه مساكن الرهبان تسمى القلّايات، أما الدير الذي بقرب العمران فإنه يسمّى العمر، وإذا كان بقرب العمران ولا مساكن فيه للرهبان فإنه يسمّى بيعة، وقد يسمّى الكنيسة أيضاً، وكان أهل العراق يخصّون الكنيسة باليهود والبيعة بالنصارى، وقلّ أن يكون دير أو عمر يخلو عن بستان الدير. قال الجوهري: “دير النصارى أصله وجمعه أديارٌ”، وقال أبو منصور:  “صاحبه الذي يسكنه ويعمُرُه ديرانيّ وديارٌ”.

خريطة الجزيرة وتشمل المناطق الواقعة بين نهري دجلة والفرات في كل من سورية والعراق وتركيا (موقع البخاري)

كان للأديرة شأن عظيم في العصرين الأموي والعباسي بالتقديس وإشاعة الفرح والسرور وحسن الضيافة وإمتاع الوافدين، جاء في لسان العرب: الدير خان النصارى، وهو كذلك فكان قاصديه يأكلون ويشربون ويطربون وينامون. سنستعرض من خلال هذا المقال أهم الأديرة التي ذكرتها المصادر العربية في الجزيرة الفراتية.

دير يوحنا الطائي

يقع في جبل طور عابدين المشرف على مدينة القامشلي الحالية، وينسب يوحنا مؤسس الدير إلى قبيلة طيء، وهو أحد تلاميذ مار أوجين الذي كان أول من أدخل الرهبانيّة إلى كنيسة المشرق في القرن الرابع للميلاد (قبل ظهور الاسلام بثلاثة قرون). وقد دُفن يوحنا الطائي في ديره على جبل طورعابدين قرب نصيبين، وشيّد الرهبان فوق ضريحه كنيسة مقببة فخيمة.

 دير حنظلة الطائي

وهو بالقرب من شاطئ الفرات من الجانب الشرقي أسفل من رحبة مالك بن طوق (الميادين حالياً)، نُسب إلى رجل من طيء يقال له حنظلة بن أبي عفراء بن النعمان بن حية بن سعنة بن الحارث بن الحويرث بن ربيعة بن مالك بن سفر بن هني بن عمرو بن الغوث بن طيء. وحنظلة هو عم إياس بن قبيصة بن أبي عفراء الذي كان ملك الحيرة ومن رهطه أبو زبيد الطائي الشاعر، وكان من شعراء الجاهلية، وكان قد نسك في الجاهلية وتنصر وبنى هذا الدير فعرف به إلى الآن.

وفي هذا الدير يقول الشاعر:

يا دير حنظلة المهيّج لي الهوى … هل تستطيع دواء عشقِ العاشقِ

وفي هذا الدير يقول عبد الله بن محمد الأمين بن الرشيد وقد نزل به فاستطابه:

ألا يا دير حنظلة المفدّى… لقد أورثتني سقما وكدّا

أزفّ من الفرات إليك دنّا… وأجعل حوله الورد المندّى

دير قنسرين

يقع هذا الدير في منطقة الناقوطة (أو البيلونة نسبة لطبيعة الصخر اللين) من بلدة الشيوخ الفوقاني، على بعد حوالي /6/ كم وعلى الضفة الشرقية لنهر الفرات شرقي مدينة جرابلس وإلى الجنوب من قرية زور مغار الواقعة على الحدود السورية التركية.  وهو دير كبير تأسس على يد القديس يوحنا الرهاوي سنة 530م و كان فيه أيام عمارته 370 راهباً، وكان مركزاً دينياً هاماً في منطقة الفرات الأوسط،  وبقي مزدهراً حتى القرن التاسع للميلاد، وقد شاع ذكره من خلال مشاهير العلماء والأحباروالرهبان، منهم:  المفسر جرجس أسقف العرب، وايليا الحراني،  ووِجدَ في هيكله مكتوبًا:

أيا ديّرُ قِنسري كفى بكَ نُزهةً… لِمَنْ كَانَ بالدُنيا يَلذّ ويَطْرَبُ

فلا زِلتَ معمورًا ولا زلتَ آهلًا … ولا زِلتَ مُخَضَرّا تُزَارُ وتُعْجَبُ

دير أحويشا

أحويشا بالسريانية تعني الحبيس، وهذا الدير بإسعرت (سعرد)، وهي مدينة بدياربكر، وهو دير كبير عظيم، وهو في نهاية العمارة وحسن الموقع وكثرة الفاكهة والخمور. وفيه يقول أبو بكر اللبادي:

نؤم بديرِ أحويشا غزالا… غريب الحُسنِ كالقمرِ اللياحِ

وكابدنا السَرى شوقاً إليه… فوافينا الصباحَ معَ الصباحِ

دير الزعفران

دير الزعفران ويسمى عمر الزعفران، هذا العمر بنصيبين، مما يلي الجانب الشرقي منها، في جبل طور عابدين المشرف على البلد، وهو من الديارات الموصوفة والمواقع المذكورة بالطيب والحسن. وفيه عيون تتدفق. وهو كثير القلايات والرهبان. وشرابه موصوف، يحمل إلى نصيبين وغيرها. وليس يخلو من أهل القصف واللعب.

ولمصعب الكاتب، في دير عمر الزعفران:

عُمرت بقاع عمر الزعفران… بفتيان غطارفةٍ هجان

دير قرتمين

دير قرتمين أو دير العمر هو المعروف اليوم بدير مار كبرئيل، وهو عماد أديرة طور عبدين يقع شرقي مديات على مسافة 24 كم. أسسه مار شموئيل الصوري ومار شمعون القرتميني سنة 397 م. عرف أولاً باسميهما ثم دعي باسم مار جبرائيل القسياني الذي كان رئيسه ومطرانه حتى سنة 668م، تعرض للتدمير في حملة تيمورلنك التي اجتاحت الجزيرة.

اشتهر رهبانها خصوصاً بصنع الرقوق وتهيئتها لنسخ الكتوب، وتفننوا بتجويد الخطوط وتجديد الكتابة السطرنجيلية على يد رئيسهم المطران يوحنا عام 988م.

دَيْرُ زَكَّي

هو دير بالرّها (أورفا) بإزائه تلّ يقال له تل زفر بن الحارث الكلابي، وفيه ضيعة يقال لها الصالحية اختطها عبد الملك بن صالح الهاشمي، كذا قال الأصبهاني، وقال الخالدي:  هو بالرّقة قريب من الفرات، قال الشابشتي:  هو بالرقة وعلى جنبيه نهر البليخ، وهو من أحسن الديارات موقعاً وأنزهها موضعاً. وكانت الملوك إذا اجتازت به نزلته وأقامت فيه، لأنه يجتمع فيه كل ما يريدونه من عمارته ونفاسة أبنيته وطيب المواضع التي به. وليس يخلو من المتطربين لطيبه، سيما أيام الربيع، فإن له في ذلك الوقت منظراً عجيباً.

وللصنوبري، فيه:

أراق سجاله بالرّقتين … جنوبيٌّ صخوب الجانبين

كأن عناق نهري دير زكّي … إذا اعتنقا عناق متيّمين

وللرشيد، يذكر هذا الدير:

سلامٌ على النازح المغترب … تحية صبٍ به مكتئب

غزالٌ مراتعه بالبليخ … إلى دير زكى فقصر الخشب

دير قرقفة

موقعه على نهر الخابور بين رأس العين والحسكة بالقرب من تل مجدل، وعرفت مدرسته بمدرسة رأس العين، وتفرد رهبانها بضبط حركات وألفاظ الكتاب المقدس وتجويد قراءته، وعُرف من رأس العين سرجيس الرأسعيني (536م) إمام عصره في الطب والفلسفة والمنطق، وهو أول النقلة من اليونانية إلى السريانية.

دير مار آباي

موقع هذا الدير شمالي قرية قلث بطور عابدين، وهو دير عظيم تأسس في القرن السادس، وعصف الدير بهبانه حوالي السنة 1700، وكان يقطنه ستون راهباً، طول بنائه تسعون ذراعاً في عرض ستين ذراعاً، وعلى أحد أبوابه صورة أسد رابض، وقد زار هذا الدير نجم الدين الأرتقي ملك ماردين (1135-1176) في أثناء مرضه.

دير مار سرجيس ومار باخس

هذا الدير موقعه في شمالي قرية حاح بطور عابدين، ويُشاهد في رواقه الغربي أثنا عشر حجراً مكتوبة بالسطرنجيلية، يرقى أقدمها إلى شهر حزيران 1500 للإسكندر (1189م) ، وعلى باب كنسية الدير الشمالي صليب نُقشت حوله آية داود النبي (أنظروا إليه وترجوا ووجوهكم لا تخزى).

دير ما سرجيس

وهذا الدير بعانة، وعانة مدينة على الفرات عامرة، وبها هذا الدير. وهو كبير حسن كثير الرهبان. والناس يقصدونه من هيت وغيرها للتنزه فيه. وبهذا الموضع، قبر أم الفضل بن يحيى بن خالد بن برمك مرضعة الرشيد.

ولابن أبي طالب المكفوف الواسطي، فيه:

قد خلونا بظبيه نجتليه… يوم سبت إلى صباح الخميس

بين ورد ونرجسٍ وبهار… وسط بستان دير ما سرجيس

دَيرُ الرُّصافَة

يقول ياقوت الحموي، هو في رصافة هشام بن عبد الملك التي بينها وبين الرقّة مرحلة للحمالين، وهو من عجائب الدنيا حسنا وعمارة، وأظن أنّ هشاما بنى عنده مدينته وأنه قبلها، وفيه رهبان ومعابد، وهو في وسط البلد، وقد اجتاز أبو نواس بهذا الدير وقال فيه:

ليس كالدير بالرّصافة دير… فيه ما تشتهي النفوس وتهوى

وكان المتوكل على الله في اجتيازه إلى دمشق قد وجد في حائط من حيطان الدير رقعة ملصقة مكتوب فيها:

أيا منزلا بالدير أصبح خاليا… تلاعب فيه شمأل ودبور

كأنك لم تسكنك بيض أوانس.. ولم تتبختر في فنائك حور

دَيْرمَرْيونانَ

ويقال عمر ماريونان، بالأنبار على الفرات، كبير وعليه سور محكم والجامع ملاصقه، وفيه يقول الحسين بن الضحاك:

آذنك الناقوس بالفجر… وغرّد الراهب في العمر

واطرّدت عيناك في روضة… تضحك عن حمر وعن صفر

دَير أَبُّونَ

يقول ياقوت الحموي: ويقال أبيون وهو الصحيح بقردى بين جزيرة ابن عمر وقرية ثمانين قرب باسورين، وهو دير جليل عندهم فيه رهبان كثيرة، ويزعمون أن به قبر نوح، عليه السلام، وفيه يقول بعضهم يذكر محبوبة له كردية عشقها بقربه:

فيا ظبية الوعساء! هل فيك مطمع… لصاد إلى تقبيل خدّيك ظمآن؟

وإنّي الى الثرثار والحضر حلّتي… ودارك دير أبّون أو برزمهران

دير الشياطين

وهذا الدير غربي دجلة، من أعمال بلد، له منظر حسن وموقع جليل، وله سور يحيط به، ومشترف على سطح هيكله يشرف على دجلة والجبل. والناس يطرقونه للشرب فيه. وللخباز البلدي، فيه:

رهبان دير سقوني الخمر صافية… مثل الشياطين في دير الشياطين

مشوا إلى الراح مشي الرخ وانصرفوا… والراح تمشي بهم مشي الفرازين

أديرة أخرى تم ذكرها في معاجم البلدان

دير لبّي

قيل: لبنى بالنون، دير قديم، على شرقيّ الفرات من منازل بنى تغلب.

دَيرُ الأَبيض

في جبل مطلّ على الرّها فإذا ضرب ناقوسه سمع بالرها وهو يشرف على بقعة حرّان.

دير باشهرا

بين الموصل والحديثة، على شاطى دجلة

دير باغوث

على شاطىء دجلة، بين الموصل وجزيرة ابن عمر

دير الزرنوق

على شاطىء دجلة، بينه وبين جزيرة ابن عمر فرسخان.

دير العذارى

بين الموصل وباجرمى، من أعمال الرّقة: دير قديم يسكنه نساء عذارى قد ترهبن، وأقمن به.

دير منصور

في شرقي الموصل مطلّ على نهر الخابور.

دير الخنافس

وهو بين الموصل وبلد.

دير الكلب

وهو بين الموصل وبلد. يعالج فيه من عضه كلب كلِب كما يزعمون.

دير سعيد

بغربي الموصل قريب من دجلة حسن البناء واسع الفناء وحوله قلالي كثيرة للرهبان، وهو إلى جانب تلّ يقال له تلّ بادع يكتسي أيام الربيع طرائف الزهر، وكانت عنده وقعة بين مونس الخادم وبين بني حمدان، وفيها قتل داود بن حمدان سنة ٣٢٠هـ .

دَيْرُ مَرتُومَا

هذا الدير بميّافارقين على فرسخين منها على جبل عال.

دير القيارة

على أربع فراسخ من الموصل، في الجانب الغربي، مشرف على دجلة، تحته عين قير، وهي عين تفور بماء حار تصب في دجلة ويخرج منه القير.

دير القائم الأقصى

على شاطىء الفرات من الجانب الغربىّ، فى طريق الرّقة، من بغداد، كان عنده قائم وهو بناء عال كان مرقبا للفرس على الروم، وهو حدّ بين المملكتين، والدّير خراب.

دير مرماعوث

على غربىّ الفرات، والعمارة حوله قليلة، وللعرب عليه خفارة، بقرب منبج.

دير نعم

قيل أنه قرب رحبة مالك بن طوق (الميادين)

دير ابي يوسف

 فوق الموصل، دون بلد بفرسخ، على شاطىء دجلة.

أديار ماردين في المصادر السريانية

دير عين حلف:  ويقع جنوب ماردين، جاء ذكره في أخبار يوحنا الأفسي اليعقوبي في القرن السادس.

دير ثاودوطا: شيده ثاودوطا مطران آمد ويقع بين آمد وبلد.

دير قرقفتا:  الذي ترهّب فيه يوحنا مطران الرقّة الذي استلب البطريكية سنة ( 758-790).

دير القطرة: وهو أقدم من دير الزعفران كما ذكر يوحنا مطران ماردين.  

دير مار آباي: ذكره ابن العبري سنة 1153 في عهد حسام الدين تمرتاش صاحب ماردين.

دير مار جرجس: في وادي شعبا غربي قرية شعبا.

دير مار ديمط: في وادي عرقا.

دير أثناسيوس: شيده اثنانيوس السندلي (756-758م) عند قرية غربي ماردين، والسندلي تم تعيينه من قبل الخليفة الاموي مروان الثاني ابن محمد

دير مار اسطفانس: بين قريتي بنابيل ورشمل

دير ماردانيال الجلشي الناسك: في قرية ديركه شمال ماردين، كان عامراً سنة 1230.

دير برصوما:  بالقرب من قريتي تل قباب وبغدشية.  

دير مار عزرائيل: فوق دير الزعفران

دير السمكة: تحت ماردين

دير مار شعيا: في الزنار وادي الصفا

المصادر:

  1. ياقوت الحموي، كتاب الخزل والدأل بين الدور والدارات والديرة
  2. صفي الدين عبد المؤمن القطيعي البغدادي، كتاب مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع
  3. ياقوت الحموي، معجم البلدان
  4. أبو الحسن الشابشتي، كتاب الديارات
  5. يوحنا الافسي، تاريخ الكنيسة
  6. إسحق أرملة، لمعة تاريخية في أديار ماردين، مجلة المشرق، 1909م.
  7. ابن العبري، تاريخ مختصر الدول
زر الذهاب إلى الأعلى