صناعة الدراما في غزة: مفاجآت وإبداعات مجهولة ومسلسل (قبضة الأحرار) يكرس فشل الموساد والشاباك!
العربي القديم- خاص:
لم يكن ينقص الاستخبارات الإسرائيلية وجهاز (الشاباك) المختص بمتابعة علميات المقاومة ومراقبة تحركاتها وإحباطها، سوى الحديث عن مسلسل تلفزيوني أنتج في غزة، وعرض في موسم رمضان عام 2022، وكان يصور بحرفية متطابقة سيناريو عملية (طوفان الأقصى) حتى يثار مجددا فشل هذه الاستخبارات في قراءة الإشارات التي كانت ترسلها حماس عن عملية من هذا النوع، فيما اسرائيل تتعامل معها باستخفاف!
وعلى الرغم من أجواء التضليل التي بثّتها «حماس» بأنّها منشغلة عن قتال إسرائيل في أمور اجتماعية واقتصادية وسياسية وأمنية داخل قطاع غزّة، رعت الحركة إنتاج مسلسل «قبضة الأحرار»، الذي ينتمي بأحداثه ورسالته إلى المقاومة وصراعها العسكري والأمني مع الاحتلال. وقد بدا الأمر في سياق ردّ «حماس» عبر الدراما، على الأعمال التلفزيونية الإسرائيلية… دون أن يتصور أحد أنه كان تحضيرا بشكل أو بآخر لعملية مشابهة، تتجاوز التمثيل نحو الواقع الحقيقي… والأسرى فيها ليسوا ممثلين بل جنود ومواطنين إسرائيليين سيقعون في قبضة حماس.. رغم أن رئيس الحركة في حماس، يحيى السنوار يحيى السنوار، قال خلال الاحتفال بإنتتاج الجزء الأول من المسلسل إن “قبضة الأحرار لا ينفصل عن إعداد كتائب القسام واستخباراتها ومجالات عملها المختلفة”. واصف العمل بأنه “فوق الخيال”!.
وفي واقع التفاوت في الإمكانات الصناعية والفنية بين إسرائيل و(حماس)، لم يؤخذ «قبضة الأحرار» تالذي لم تتجاوز تكلفته 300 ألف دولارعلى محمل الجد، فنّياً ولا استخباراتياً… فقد اعتبر أنه يدخل في دائرة الأعمال التوجيهية التي تنتجها الحركة للجمهور الفلسطيني. وخصوصا بعد أن عرضته قناتا (الأقصى) و(المنار) المنتميتان إلى نمط الإعلام التوجيهي التلقيني، أ نظر إليه كنوع من محاولة الرد على المسلسلات الإسرائيلية، وخصوصا مسلسل «فوضى» الذي انتجته إسرائيل في أربعة أجزاء، وشاهده الملايين على «نتفلكس» ومنصات أخرى وحاز جوائز عالمية… وهو يحكي عن مغامرات أجهزة الاستخبارات وقدراتها ومؤهّلات رجالها. وعلى هذا النحو المتأثّر بالمذهب السينمائي الأميركي الذي يروّج للمؤسّسة العسكرية واستخباراتها، ويصوّر البطل الخارق، يجعل «فوضى» الجانبَ الإسرائيلي قادراً بسهولة على اختراق الجانب الفلسطيني، مجتمعاً ومنظمات عسكرية. واستكمالاً لهذا النهج، ينشط «فوضى» لتظهير إنسانية الإسرائيلي. وفي المقابل، يؤطّر الفلسطيني في قوالب وأحكام مسبقة: شرّيرٌ، حاقدٌ، لا يحرّكه سوى شهوةالانتقام.
أما مسلسل (قبضة الأحرار) الذي كتبه فارس عبد الحميد وتسنيم المحروق وحافظ فارس، وأخرجه محمد خليفة، وتأليف فارس عبد الحميد وتسنيم المحروق وحافظ فارس، وتمثيل رشاد أبو سخيلة وزهير البلبيسي وإبراهيم سلمان وجواد حرودة… فيحكي المسلسل عن الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، مصوراً واقعه في قطاع غزّة المحاصر، وعالم الحرب الاستخباراتية والعسكرية بين «حماس» والأجهزة الأمنية والعسكرية الإسرائيليّة. إضافة إلى كونه من إنتاج الحركة وبموافقة السنوار، الذي يُعتبر على رأس الحلقة الضيّقة التي أعدّت بتكتّم شديد لعملية «طوفان الأقصى»، ما يرشّحه ليكون مادة بديهية ومثيرة لاهتمام التحليل الاستخباري الإسرائيلي. فهو، في الأقل، يمكن أن يكشف كيف تفكّر «حماس» وما تطمح إليه أو تتخيّل أنها يمكن أن تفعله. وهذا بحدّ ذاته مادة استخبارية. فهل يُضاف «قبضة الأحرار» إلى الملف الذي سماه كثيرون بما فيه الإعلام الإسرائيلي «إخفاقاً أمنياً وعسكرياً إسرائيليّاً»؟
يطرح إقدام «حماس» على صناعة هذا المسلسل الذي يحمل ذاك السيناريو المفاجئ إلى حدّ الصدمة (في الحلقات الأخيرة وخصوصاً 30)، كثيراً من الأسئلة التي يتكتّم على إجاباتها رئيس الحركة في غزّة يحيى السنوار. ويزيد من حرارة اللغز أن السنوار، قال خلال الاحتفال بالجزء الأول من المسلسل إن «قبضة الأحرار لا ينفصل عن إعداد كتائب القسام واستخباراتها ومجالات عملها المختلفة». ووصف العمل بأنه «فوق الخيال».
ولعل السؤال الأهم في هذا السياق: هل شاهدت «قبضة الأحرار» وحلّلته، أم أنها لم تكترث بالدراما الفلسطينية وأدرجت المسلسل في خانة التسلية التلفزيونية الرمضانية وبروباغندا «حماس» وتضخيمها ذاتها؟
صناعة الدراما في غزة
ولعل هذا المسلسل الذي يجتاح الحديث عنه وساائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي على حد سواء، يستدعي الحديث عن تجربة صناعة الدراما في غزّة، وهي صناعة حديثة العهد وتفتقد إلى البنية التحتية والإمكانات والخبرات، إضافة إلى ظروف الحصار. وقد افتتحت «حماس» في 2017مدينة للإنتاج الإعلامي. ومسلسل «قبضة الأحرار» الذي أعلنت «دائرة الإنتاج الفني» لحركة «حماس» قبل أيام من عملية 7 تشرين الأول 2023 عن المباشرة في الجزء الثاني منه، ليس الأول أو الوحيد. فالعمل الأول الذي أنتجته الدائرة التي أُنشئت عام 2007 كان عن (عماد عقل)، أحد مؤسّسي كتائب القسام والذي اغتالته إسرائيل وكان من تأليف محمود الزهار. ثم مسلسل (الروح) الذي يتناول معاناة الأُسر الفلسطينية في ظل الاحتلال (أنتجته فضائية «الأقصى» في 2014). ومن «مفاجآته» أنه روى قصة هروب أَسرى من سجن جلبوع عبر حفر نفق، وهو ما تحقّق في 2021 بعد سنوات من عرضه. ومسلسل «الفدائي» الذي دُبلج بالتركية وعرضته قنوات عدة (أنتجته «الأقصى» وعُرض جزؤه الأول في 2015 والثاني في 2017). ومسلسل «بوابة السماء» الذي يروي معاناة المقدسيين
من الانتهاكات الإسرائيلية. وقد صوّر في موقع خاص يُحاكي أزقةَ القدس (2017 و2021).