ماهي حقيقة أسلمة أوروبا: هل الإسلام في الغرب كتلة غير قابلة للكسر؟
بقلم: دريو جودفريدي* – ترجمة: عدوية الهلالي
إن فكرة أوروبا ذات الأسلمة الحتمية تكتسب المزيد من الصحة، ولكن هل تقوم على أسس متينة؟.. يقول العديد من الأشخاص في أوروبا بأنهم مقتنعين بأن أسلمة بروكسل – ولندن أصبحت الآن أمراً لا مفر منه وأنها مجرد مسألة وقت. ربما تكون تلك التوقعات مسموعة، ولكنها تستحق التوقف عندها.
دعونا نبدأ بالإشارة إلى أن نمو السكان المسلمين في بروكسل هائل بقدر ما هو مبهر. وعلى مدار خمسين عامًا، استمر عدد المسلمين في النمو. ونظرًا لسهولة دخول الحدود الأوروبية، في الواقع عندما لا يكون ذلك قانونيًا، فلا يبدو أن الحركة مستعدة للتوقف.
29 % من سكان بروكسل مسلمون
لقد كانت آخر دراسة موثوقة حول هذا الموضوع تعود إلى عامي 2015/2016، وهذه هي الدراسة التي أجراها البروفيسور جان هيرتوجين، والتي تعتبر موثوقة بشكل عام وتبنتها وزارة الخارجية الأمريكية. وبحسب هذه الدراسة، بلغت نسبة المسلمين في بروكسل عام (2015) 24%. ويتم تقديم أرقام أحدث من قبل مركز بيو للأبحاث، ولكن فقط لبلجيكا ككل، دون تفاصيل حسب المدينة. وفي عام 2016، زعم 29% من سكان بروكسل أنهم مسلمون. وإذا نظرنا إلى منحنى التقدم، يمكننا تقدير أن نسبة المسلمين في بروكسل ستكون على الأرجح حوالي 30٪ اليوم في عام 2023.
وبالتالي فإن الأرقام لا تشهد بأي حال من الأحوال على وجود أغلبية مسلمة في بروكسل – لا على واقعها ولا على وشك ظهورها. وخلافا لأوهام يمين معين يفكر بشكل سيء، فقد انهار معدل خصوبة النساء المسلمات في أوروبا، لإن خيال خصوبة المسلمين المتفجرة في أوروبا ما هو إلا أسطورة محضة.
ولا تعد بروكسل ذات أغلبية مسلمة، وليس هناك ما يمكن أن نقوله على وجه اليقين أنها سوف تصبح كذلك. لأن الهجرة ليست حقيقة ثابتة، مثل الجاذبية العالمية. ومن الواضح أننا، في جميع أنحاء أوروبا، نشهد صعود الأحزاب والشخصيات التي تميل إلى رفض الهجرة، أو على الأقل إلى تحميل السلطة مسؤولية الهجرة. وسواء وافقنا على هذا الاتجاه أم لا، فهذه حقيقة، لأنه على الرغم من ادعاءات اليسار، التي تقدم الهجرة إلى أوروبا باعتبارها حتمية، فإنه لا يوجد شيء حتمي على الإطلاق فيما يتعلق بالهجرة. إن اجتهادات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان هي التي خلقت فوضى الهجرة الحالية، بالاشتراك مع قانون أنجيلا ميركل.
الاستيطان الهائل للمسلمين في أوروبا
ومع ذلك، ما تم القيام به يمكن التراجع عنه. ومن الممكن وقف تدفق المهاجرين الذي نشهده حاليا ــ بعد غد، من خلال تحييد الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. ومن هذا المنطلق، سيكون من المثير للاهتمام أن نلاحظ ما سيفعله خيرت فيلدرز في هولندا، الذي من المؤكد أنه حريص على وضع حد لموجة الهجرة التي تشهدها بلاده الجميلة. ويعد الخروج من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أحد الخيارات، من بين خيارات أخرى، فالهجرة ليست نوعا من الكوارث الطبيعية التي ستقع حتما على أوروبا، مثل غزو الجراد أو العواصف الصيفية بل إن فوضى الهجرة التي نعيشها في أوروبا هي ظاهرة إنسانية بحتة، سببها السياسيون والقضاة.
إن الاستيطان الهائل للسكان المسلمين في أوروبا – 50 مليون شخص في عام 2030، وفقاً لمركز بيو للأبحاث – يتم تجربته بطريقة مؤلمة وحتى دراماتيكية، في حين يصبح جزءاً ملحوظاً من هؤلاء السكان في الوقت نفسه متطرفاً، على سبيل المثال، بفضل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وفي فرنسا، يرتكب المسلمون الأغلبية الساحقة من الأعمال والهجمات المعادية للسامية. وفي بلجيكا، تنتشر التحيزات المعادية للسامية بشكل أكبر بين المسلمين. لقد كانت المسيرات المؤيدة للفلسطينيين منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، في كثير من الأحيان، ذريعة لشعارات معادية للسامية لم تشهدها شوارعنا منذ اجتماعات الحزب النازي في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين.
الإسلام كعقيدة سياسية
ومع ذلك، يجب علينا أن نكون حذرين من إغراء هذا التجذر المنتشر على نطاق واسع على اليسار: الإسلام ليس عرقا، ولا حتمية. الإسلام عقيدة سياسية. نتركها كما نترك الاشتراكية أو حماية البيئة أو الديانة الكاثوليكية. أنا لا أدعي أن أغلبية المسلمين في أوروبا سوف ينبذون الإسلام – ليس هناك ما يمكن التنبؤ به – ولا أن الإسلام في أوروبا سوف يلتزم بأعراف وقيم الحضارة الغربية: وهنا مرة أخرى، لا شيء يشير إلى ذلك.
لكن اعتبار الإسلام في الغرب بمثابة كتلة غير قابلة للكسر، وكيان يواجه الزمن، والذي سيظل ثابتًا على مر القرون، ويلغي كل العوامل الأخرى، ويسحق كل الاعتبارات الأخرى، هو بمثابة فكرة غير منطقية. مع أن ترك الإسلام بالنسبة للمسلمين في الغرب هو جريمة لا توصف.
بعبارة أخرى، فإن اعتبار أن بروكسل – باريس، لندن – ستصبح حتماً إسلامية، من الآن فصاعدا، هو بمثابة ارتكاب خطأ واقعي.
________________________
* كاتب بلجيكي ليبرالي و مؤلف كتاب (الرايخ الأخضر)
** المصدر: عن (المدى) العراقية