تقدير موقف عزمي بشارة ومراكزه البحثية حول أحداث السويداء: التناقضات المفضوحة
سردية لا تسمح بالنقد لمصادر التمويل أو لعلاقة المركز مع مراكز القوى الإقليمية، أو حتى للتباين مع رأي المركز المعلن في أي قضية

نوار الماغوط – العربي القديم
شهدت محافظة السويداء السورية في 13-17 تموز/ يوليو 2025 موجة من العنف الطائفي المروّع، قُتل فيها عشرات المدنيين من أبناء المحافظة ومن العشائر البدوية، ومن قوات الجيش السوري وادارة الأمن العام في ظل تدخل إسرائيلي مباشر طال عمق العاصمة دمشق. وبطبيعة الحال، استدعت هذه الأحداث تحليلات سياسية وتقديرات موقف، كان أبرزها ما صدر عن “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات”، بعنوان:
” أحداث السويداء الأخيرة، وتداعياتها الطائفية والسياسية على مستقبل سورية”
لكن هذا “التقدير”، وعلى الرغم من لغته الأكاديمية وتقنياته البحثية، لا يمكن فصله عن السياق الأوسع الذي ينتمي إليه شبكة المؤسسات المرتبطة بعزمي بشارة، المموّلة من دولة قطر، والتي تشكّل جزءًا من مشروع سياسي إقليمي يستثمر في الفوضى، ويُعيد تدوير الإسلام السياسي كبديل عن الدولة.
خلفية غير مستقلة… ومشروع موجه
المركز العربي، كما هو معروف، ليس مؤسسة بحثية مستقلة، بل ذراع بحثي وإعلامي للمشروع السياسي الذي يديره عزمي بشارة، السياسي الفلسطيني السابق الذي انتقل إلى قطر بعد اتهامه بالتعاون مع حزب الله، واندمج في ماكينة النفوذ القطري. يشرف بشارة على شبكة من المؤسسات، تشمل معهد الدوحة، قناة العربي، وشركات نشر وإنتاج إعلامي، تقدم نفسها كمنصة للثورات والحداثة، بينما تروّج فعليًا لخطاب أيديولوجي قائم على تفكيك الدولة الوطنية، وشيطنة سلطاتها المركزية وتبييض الإسلام السياسي وإعادة تقديمه كقوة “مدنية” بديلة.
واحتواء المثقفين “المستقلين” ضمن سردية لا تسمح بالنقد لمصادر التمويل أو لعلاقة المركز مع مراكز القوة الإقليمية، أو حتى للتباين مع رأي المركز المعلن في أي قضية. هل رأيتم – وخصوصا في الشأن السوري- رأيا لأي باحث موظف في المركز العربي للدراسات أو مركز حرمون، يقدم دراسة تختلف عن وجهة نظر عزمي بشارة – في العمق والجوهر وليس في تفاصيل هامشية – عما يراه عزمي بشارة أو يعبر عنه في مقالاته ومقابلاته وكتبه؟!
لغة تحليل محايدة، ورسائل سياسية منحازة
في “تقدير الموقف” حول السويداء، يطرح المركز قراءة تبدو تحليلية في ظاهرها، لكنها تفشل في التوازن عند تفكيك أطراف الصراع:
يُركّز التقرير بشكل ملحوظ على تحميل المسؤولية لـ”الدولة السورية” و”السلطة المركزية”، دون أن يمنح الحيّز الكافي للانتهاكات التي ارتكبتها بعض الجماعات المسلحة بحق قوات الأمن العام وأبناء العشائر في المنطقة… وهو ما نراه يتكرر على شاشات التلفزيون العربي وتلفزيون سوريا، حين يتم استضافة أحد الباحثين الموظفين في مراكز عزمي بشارة. نفس وجهة النظر المتطابقة والموجهة، وكأننا أمام كتاب في جريدة البعث
كما يتفادى التطرّق بوضوح إلى الطابع الانفصالي الذي تتّسم به بعض هذه الفصائل، ويتجنب استخدام توصيفات قانونية دقيقة قد تُسهم في تقديم صورة أكثر شمولًا،
أما التدخل الإسرائيلي، الذي بلغ حد قصف مبانٍ سيادية في قلب دمشق، فيُقدَّم بلهجة مائعة أقرب إلى التبرير، تحت غطاء “حماية الدروز”، دون إدانة واضحة للاحتلال أو تحذير من تداعياته الاستراتيجية… علما أن إعلام عزمي بشارة كان منذ أيام يهاجم حكومة الشرع لمجرد تناثر أحاديث وتسريبات عن وجود مفاوضات للتطبيع!
هذه ليست مجرد “سهوات تحليلية”، بل تعبير مباشر عن المنهجية التي يعمل بها المركز وفريقه البحثي، والتي تقوم على تعزيز السرديات التي تخدم الممول، ولو على حساب وحدة سورية أو أي دولة أخرى في المنطقة… وهو ما نرى صداه الببغاوي للأسف في تحليلات كل من يقبضون رواتب شهرية من أي مركز أبحاث أو وسيلة إعلام مطبوعة أو مرئية تتبع لإمبراطورية عزمي بشارة.
هذه اللإمبراطورية التي تزاود على الجميع بمبادئ الديمقراطية… بينما ينتج باحثوها وإعلاميوها أبحاث وصحافة الرأي الواحد
بين الدولة والمليشيات… أي مشروع يريد بشارة تسويقه؟
ما يسعى عزمي بشارة إلى تمريره من خلال هذه التقارير ليس مجرد قراءة “نقدية” للدولة، بل هو مشروع تفكيكي موازٍ، يقدم فيه الميليشيات المحلية والفصائل المسلحة بديلاً مشروعًا عن الدولة، طالما أنها تُعارض النظام المركزي ولا تُعارض أجندات قطر وتركيا كما تتفادى الصدام المباشر مع إسرائيل (وربما تتقاطع معها، كما في حالة بعض فصائل السويداء).
ومن هنا، فإن تغييب الإدانة العلنية للتدخل الإسرائيلي في السويداء، وتقديمه كـ”حامل أمني للأقلية الدرزية”، ليس تحليلاً عاديا، بل رسالة سياسية واضحة: يمكن لإسرائيل أن تكون فاعلاً مشروعًا في سورية، طالما أنها تتدخل ضد النظام أو تصب في مصلحة تفتيت الدولة.
نحو دولة سورية لا تتسع لعزمي بشارة وجماعته
تحتاج سورية، كما سائر الدول العربية التي خرجت من رحم الثورات أو الحروب، إلى بناء دولة مواطنة حقيقية، ولكن هذه الدولة لن تُبنى عبر تحالفات ظرفية مع فصائل مذهبية أو تبرير تدخلات خارجية.
التقارير التي تصدر عن مؤسسات محسوبة على عزمي بشارة تُعيد إنتاج الفوضى بشعارات الديمقراطية، وتُسوّق لتقسيمات طائفية باسم “تمكين الأقليات”، وتُجمّل المشاريع الإقليمية باسم “إعادة بناء الدولة”.. لكي يعاد تشكيلها على أيديهم.
من السويداء إلى كل سوريا: الدولة أولاً
إن ما جرى في السويداء لم يكن مجرد اشتباك محلي، بل جرس إنذار وطني حول هشاشة الهوية الجامعة، وخطورة تحويل الدولة إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية. في وجه هذا التحدي، لا يكفي إصدار بيانات شجب أو كتابة تقارير بحثية مؤدلجة. المطلوب هو موقف وطني جامع، يعيد الاعتبار لفكرة الدولة، وينتصر لمفهوم المواطنة على حساب العصبيات.
لا تُبنى الدول عبر التحالف مع الفصائل، ولا يُعاد بناء المجتمع من خلال تطبيع التدخلات الأجنبية، ولا يُصنع الاستقرار من مراكز بحث تموّلها مصالح لا علاقة لها بسوريا.
فلا كيان وطني يُبنى على أنقاض التبعية، ولا مستقبل لدولة تتآكل من داخلها، بفعل تقارير تُجمّل الانقسام، وتُروّج لتفكيكها بحجج “الحداثة” و”التمكين الطائفي”.
المعركة الحقيقية اليوم، ليست بين درزي وبدوي، ولا بين معارض وموالٍ. بل بين من يريد دولة لجميع السوريين، ومن يريد “دولة شكلية” لكل طائفة.
ذكر المقال نقطة هامة جدا غابت عن بال الجميع.
لم يتطرق اي من مؤثري مواقع التواصل السوريين الى قصف دمشق والشهداء الذين سقطوا من القصف الا ببوست من كلمتين فقط.
شكرا لكم ..