العربي الآن

استقالة بيدرسن: هل طويت صفحة القرار 2254 إلى الأبد؟

خروج بيدرسن لا يعني فقط نهاية حقبة من المماطلة الدبلوماسية، بل ربما إعلاناً غير مباشر عن نهاية القرار 2254 نفسه.

بقلم: أسامة منير ابراهيم

بعد أكثر من ست سنوات قضاها مبعوثاً خاصاً للأمم المتحدة إلى سوريا، أعلن الدبلوماسي النرويجي غير بيدرسن استقالته من منصبه، في خطوة كانت متوقعة على نطاق واسع لكنها تحمل في طياتها دلالات أعمق من مجرد قرار شخصي.

استقالة في لحظة مفصلية

بيدرسن، الذي تولى مهمته منذ يناير 2019، أبلغ الأمين العام للأمم المتحدة أنه يتنحى لأسباب شخصية، إلا أن التقارير المسرّبة تشير إلى أن مكتب المبعوث في جنيف سيتم دمجه قريباً مع بعثة الأمم المتحدة في دمشق. هذه الخطوة تأتي قبيل انعقاد الدورة الثمانين للجمعية العامة في نيويورك، التي سيشارك فيها للمرة الأولى الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، لتكون مشاركته دلالة واضحة على تبدّل موازين القوى بعد سقوط نظام الأسد البائد في ديسمبر 2024.

مهمة ولدت في عهد وانتهت بسقوطه

منصب المبعوث الخاص أنشئ عام 2014 بموجب القرار 2254، الذي دعا إلى انتقال سلمي للسلطة في سوريا عبر تشكيل هيئة حكم انتقالي، وإعداد دستور جديد، وإجراء انتخابات حرة. طوال سنواته، انحصر دور المبعوث في إدارة حساسيات النظام السابق والتنسيق مع القوى الإقليمية، بينما بقي جوهر القرار معطلاً. ومع انهيار النظام نفسه، يتبدى السؤال: هل هناك أساس واقعي لبقاء هذا القرار أو استمرار المنصب؟

مشهد سوري جديد… بلا مرجعية قديمة

في إحاطته الأخيرة، رسم بيدرسن صورة قاتمة لواقع سوريا: اقتصاد مدمر يحتاج إلى إعادة بناء، مكوّنات مجتمعية تبحث عن استعادة الثقة بعد مجازر مريرة، وتحديات عميقة تتعلق بدمج الأقاليم المختلفة. لكن هذه التحديات تجري الآن في ظل واقع سياسي مغاير تماماً عن ظروف صدور القرار 2254. فالمعارك الحاسمة وسقوط النظام السابق قلبت الطاولة على مجمل الحسابات، وأفقدت القرار الأممي سياقه الذي ولد فيه.

الأمم المتحدة بين تقليص المناصب وإعادة التموضع

الأمم المتحدة نفسها تمر بمرحلة انكماش، مدفوعة بتقليص التمويل الأميركي الكبير في السنوات الأخيرة. وظائف مثل خبراء العقوبات في جنيف لم تعد مطلوبة بعد أن خفّفت واشنطن وبروكسل الكثير من العقوبات المفروضة في عهد الأسد. ومع انتقال مكاتب المبعوث من جنيف إلى دمشق، يصبح من الصعب تبرير بقاء المنصب بصيغته القديمة، خصوصاً أن مهام المساعدات الإنسانية يقودها أصلاً المنسق المقيم.

معادلة دولية معقدة

أي تعديل في ولاية المبعوث يتطلب إجماع مجلس الأمن، وهو أمر شبه مستحيل في ظل تمسك روسيا والصين بأوراق نفوذ محدودة في سوريا الجديدة، سواء عبر القاعدة البحرية الروسية أو عبر ملف المقاتلين الأويغور. وبذلك، يبدو أن الأمم المتحدة غير قادرة عملياً على صياغة تفويض جديد، ما يجعل المنصب مهدداً بالزوال الطبيعي.

قراءة في ما بعد بيدرسن

خروج بيدرسن لا يعني فقط نهاية حقبة من المماطلة الدبلوماسية، بل ربما إعلاناً غير مباشر عن نهاية القرار 2254 نفسه. فذلك القرار استند إلى فرضية بقاء النظام السابق وإمكانية انتقاله التدريجي نحو الديمقراطية. لكن مع سقوطه وظهور سلطة جديدة، سقطت الحاجة إلى تلك الصيغة، وباتت البلاد أمام مشهد سياسي يفرض صياغة مرجعيات جديدة، محلية ودولية.

قد يرى البعض أن استقالة بيدرسن مجرد محطة شخصية، لكن الحقيقة الأوسع أنها تمثل إعلان وفاة غير معلن للقرار 2254. ما بعد هذه اللحظة، لن يكون هناك معنى لإحياء أوراق تفاوضية فقدت صلاحيتها، بل ربما آن الأوان للاعتراف بأن الحل في سوريا لم يعد يمر عبر قرار دولي عفا عليه الزمن، وإنما عبر موازين القوى الجديدة وإرادة السوريين أنفسهم في بناء مستقبل مختلف.

زر الذهاب إلى الأعلى