العربي الآن

دمشق والغوطتين….. بين مائين وغياب الشرف والضمير

اليوم ورغم ما نراه من دمار أليم في الوحدات السكنية يكاد يكون كاملاً في بعض المناطق الريفية، أمامنا فرصة لتصحيح ما يمكن من الخراب المتراكم إزاء الطبيعة أيضا

مصعب الجندي – العربي القديم

لم يعتد الدمشقيون، الذين يعانون اليوم أزمة شح المياه خانقة، رؤية صهاريج الماء تملأ الخزانات على أسطح بيوتهم، بل منذ ثلاثة عقود لم يفكر أغلبهم  بتركيب خزانات على الأسطح لغزارة ما يصل مدينتهم من مياه بردى والينابيع حولها وأصفاها وأغزرها نبع عين الفيجة، وتعود بي الذاكرة لطفولتي بداية الستينيات من القرن الماضي حين وجدنا حوض ماء كان يخص طاحونة (أو أمر آخر لم أعد أتذكر بالضبط) كانت موجودة قبل بناء كتلة مدارس في إحدى حارات حي العفيف قرب جامع الدلامية، وبشقاوة الأطفال سبحنا فيها ولهونا، وتستمرّ الذاكرة بالضرب بعصا المقارنة مع صهاريج الماء إلى بساتين كفر سوسة أوائل الثمانينيات حين دعاني صديق في العمل من حي الميدان، إلى منزل وبستان فيها حيث كانت (مضخة) بئر الماء تلقي بخمسة (إنشات) إلى ساقية الريّ، هذه الضاحية الدمشقية (كفر سوسة) التي كانت واحدة من عدة قرى صغيرة بعضها ملاصق للمدينة تشكل كتلة بساتين تفصل الغوطتين، وللتندّر كان الدمشقيون يطلقون على أبناء هذه القرى (البساتنة) حتى أن بعض أبناء هذه القرى اختفت كنيتهم الأصلية وأصبحت (البساتنة)، أما الكفارسة (أهل كفر سوسة بالعامية الدمشقية) فقد كان مصيرهم ومصير دورهم والبساتين الباذخة التي كانوا يملكونها، الخديعة حتى حدود الجريمة بحقهم وحق دمشق والغوطتين، حين تم استملاك أراضيهم أو تنظيمها، وكانت واحدة من كثيرات علا فيها الأنين مع كل (بلوكة وكيس اسمنت) حين تحالف تجار العقارات ومتنفذون في مجلس المدينة وأجهزة الأمن، وتم تقسيم عقاراتها بين التنظيم وخارج التنظيم والاستملاك. قُسمت الأرض وقُسم ناسها بين من باع ملكه بمبالغ طائلة، وبين من باعها أو قبض ثمنها (بسعر التراب)، ملف كان يتم التلاعب فيه بين فترة وأخرى، حتى أنني أذكر حادثة انتحار نفذها أحد مهندسي المحافظة برمي نفسه من الطابق الأخير لمبنى المحافظة (أتمنى من يمتلك معلومات مفصلة عن هذه الواقعة أن يضيف)… بسبب هذا الملف/ الجريمة!

الجشع مع غياب الضمير والشرف هم القتلة. إذا أضفنا إلى حال كفر سوسة ما حلّ بداريا والمعضمية وجوبر.. وغيرها، مع أخطاء عمرانية (إن هذبنا التعبير وصدقنا أنها مجرد أخطاء) لاعتبارات فرضية حاجة التوسع التي كان معظمها غير طبيعي، مجرد حجة… لنصل للأسباب الكثيرة لشح المياه التي بدأت تصاعدياً ومتسارعة منذ أوائل الثمانينيات فالحوض المائي والبيئة عموماً واحدة متواصلة متبادلة التأثير في دمشق وريفها الجغرافيتين المرتبطتين بنهر بردى وما يغذيه من ينابيع، والذي أصبح بالكاد يصل إلى بحيرة العتيبة.

اليوم ورغم ما نراه من دمار أليم في الوحدات السكنية يكاد يكون كاملاً في بعض المناطق الريفية، أمامنا فرصة لتصحيح ما يمكن من الخراب المتراكم إزاء الطبيعة أيضا، رغم الضغط لإعادة المهجرين من أصحاب الدور المدمرة. فرصة من الضروري استغلالها لإعادة توازن الناس والحجر مع البيئة من خلال تخطيط هادئ تكون أولى مهامه مستقبل الأبناء. ليس المقصود هنا الهدم بقدر ما هو التخطيط المتأني من خلال دراسات شاملة ومتكاملة (اقتصادية واجتماعية وبيئية) تكون أساس إعادة البناء أو الترميم، وأرفض أن يقول أحد (من أين…؟)، فالمقدرة موجودة مع الخبرات لمن يقرر البحث في المخارج والإبداع بالنتائج.

فرض عليّ هذه الملاحظة أمرين:

أولهما: وصلني طلب صداقة مع الإعلان عن أسبوع ريف دمشق وأظن الاسم وهمي، وبعد الفحص للصفحة وجدت أنها تروج لما يُسمى (دمشق الكبرى) مع خرائط ومخططات…. إلخ، عقبت تعقيبا بسيطا مع قليل من الاستفسارت وكانت النتيجة حظري، والأكيد أتمنى النجاح لهذا النشاط الأهلي المدني وكل نشاط مماثل لأن من متطلبات قسوة المرحلة الدفع باتجاه التعاضد الاجتماعي رغم عدم كفايته، ولا حتى التبرعات والاستثمارات العربية والمساعدات، فالأصل دوماً الدولة وإدارتها.

وثانيهما: أن نبقى في التشاؤل لمن كان مثلي يتلبّسه حلماً ولا يسلم من وصفه بالمجنون فقد ابتلاه الله (خيراً) بهذا الداء العصابي……… دمشق بجناحيها كما أعرفهما.

زر الذهاب إلى الأعلى