ضحكات تناسي الجرائم: بشار الأسد بين شبيحة الفنانين وجرائم الحرب
بقلم: بلال الخلف
يُقال إن الضحكة تعبر عن الفرح والسرور، ولكن في بعض الأحيان، قد تكون مجرد واقعة طريفة تُنسى بسرعة أو محاولة للهروب والتناسي. هذا هو الحال مع الصور التي ظهر فيها رأس النظام السوري المجرم بشار الأسد، وهو يجتمع بفانين وفنانات في قصره بدمشق، حيث كانت الجلسة مليئة بالضحكات والبهجة، في تناسٍ تام للواقع الأسود الذي يعيشه السوريون تحت حكمه اقتصاديا ومعيشيا وأميناً اليوم، ولجرائمه الوحشية ضد الإنسانية التي ارتكبها خلال السنوات الماضية.
في هذه الصور، يبرز بشار الأسد وكأنه أحد الفنانين النجوم، يبتسم ببراءة، ويلتفت بأستذة، في حين ينسى الفنانون الآخرون جرائمه التي غمرت بلادهم بالدماء والدمار. إنها صور مثيرة للغضب والاستياء، فكيف يمكن لهؤلاء الفنانين أن يتجاهلوا تلك المأساة التي عاشها شعبهم بسبب جرائم هذا الطاغية؟
الصورة تحمل في طياتها رمزية كبيرة، فهي تعكس لنا مدى استخفاف بشار الأسد بمشاعر السوريين الذين أصبح أكثر من 80% منهم تحت خط الفقر، ناهيك عن حقوق الإنسان وقيم الإنسانية، وكيف أن بعض الأشخاص يميلون إلى نسيان الجرائم عندما يتعلق الأمر بمصالحهم الشخصية أو المهنية.
إن الصمت المريب لهؤلاء الفنانين يعكس غياب الضمير والإنسانية، فهم يختارون النسيان إلى درجة التواطؤ مع القاتل لأنهم يعلمون أن الندم والاعتراف بالحقيقة قد يضر بمصالحهم الشخصية أو المهنية. إنها عبارة عن تضحية بأخلاقهم وقيمهم الإنسانية من أجل البقاء في عالم الفن والشهرة.
ما أجمل دور الثورة السورية في كشف حقيقة هؤلاء الفنانين وإظهارهم بما هم عليه حقًا: منتفعين ومنافقين وراقصين على آلام السوريين وضاحكين أمام نكباتهم! لقد كانت الثورة لحظة تاريخية هامة في تاريخ سوريا، حيث أسقطت الستار عن وجوه النفاق والانحطاط، وكشفت الأدوار المزيفة التي كانوا يلعبونها. بفضل الثورة، برزت الحقيقة بكل وضوح، وأصبح من الصعب على هؤلاء الفنانين تقديم أنفسهم بمظهر الأبطال والنقاد الشجعان.
الثورة السورية كانت تاريخية بحق، إذ فتحت باب الأمل والحلم بالتغيير لشعب كان يعاني من عقود من القمع والظلم. لقد كانت دعوة للحرية والعدالة، ولم يكن دورها مجرد تغيير في الحكومة أو نظام الحكم ، بل كانت تحولاً في وعي الناس وتأكيداً لحقهم في العيش بكرامة وحرية حقيقية. إنها ثورة كشفت أوهام القمع وأظهرت قدرة الشعب على النضال من أجل الحرية والكرامة، وبذلك، أعادت الثورة السورية إلى كل مواطن دوره الحقيقي كمدافع عن الحق والعدالة.
وما أروع الفنانين الذين يظهرون في الأفلام والمسلسلات بأدوار المدافعين عن الشعب والناقدين الشجعان للسلطة! إذا كانوا فقط يدركون أنهم في الحقيقة لا يفعلون سوى لعق أحذية السلطة القمعية. إنهم يتنقلون بين مشاهد الاحتجاج والنضال في الساحات العامة، إلى مشاهد النفاق والانحناء والاستجداء أمام الطاغية في قصره بالواقع.
يتقنون الأدوار ببراعة، حتى يبدو الخيال وكأنه الواقع، لكنهم في النهاية يعودون إلى دورهم الحقيقي كمجرد أدوات في يد السلطة لتبرير جرائمها وتزيين صورتها البشعة. إنهم يتحولون من الأبطال في التلفاز إلى الأتباع المطيعين في الحقيقة، متناسين تماماً دورهم الحقيقي كأصوات تنتصر للحق والعدالة.
وفي النهاية، يظل السؤال المحوري يرن في أذهاننا: من هم الفنانون الحقيقيون؟ هل هم الذين يتقنون فن التمثيل فقط، أم الذين يجسدون الحقيقة والمبادئ بكل جوانبها؟
الفنان الحقيقي هو الذي يقف بجانب قضايا شعبه ويعبر عن هويته وثقافته، ينقل صوت الضعفاء ويحمل رسالة الحق والعدالة. يتحدث بصدق ويعبر عن مشاعر الناس وآلامهم، بينما الممثل قد يمثل دور الوطني والقومي، ولكنه قد يكون مجرد صورة مزيفة تبيع الأوهام وتبرر الظلم.
إن الفارق بين كلمة “فنان” و”ممثل” قد يكون غامضًا في بعض الأحيان، لكن الحقيقة تكمن في أفعالهم ومواقفهم.
فليذهبوا ويستمروا في تمثيل أدوارهم الزائفة بانفعالاتها وافتعالاتها الممجوجة التي تعد قادرة على إقناعنا، بالنهاية، الحقيقة ستظهر وسيُعرف الجميع أنهم لم يكونوا إلا أدوات في يد القمع، لاعقين لأحذية السلطة ومهرجين في ساحة الفن.
وفي النهاية، يبقى السؤال الأكثر إلحاحاً: هل سيستمر الفنانون في تمثيل دور الضحية ويتباكون على الشاشات حول دور الفن السلمي في اتكريس ثقافة الرأي والرأي الآخر وهم يرتعون في مزابل البسطار الأسدي؟ هل سيظلون متمسكين بأدوارهم المزيفة التي تبرر الجرائم، أم سيقفون بجانب الحق ويعبرون عن مواقفهم بصدق؟
إنها معركة بين الشهرة والضمير، بين التمثيل والواقعية، ولا شك أن الحقيقة ستبقى هي الفائزة في النهاية. فلنرَ ما ستكشفه الايام عن حقيقة الفنانين وأدوارهم، وهل سيتمكنون من تحويل أدوارهم المزيفة والقذرة إلى شخصيات حقيقية تعبر عن قيم الحرية والكرامة، أم سيظلون ملتصقين بصورهم الزائفة وأدوارهم الباطلة التي تحجز لهم مكانا مضمونا في مزبلة التاريخ.